بعد مرور عام كامل على شرارة 17 تشرين الأوّل 2019 تتزاحم الأسئلة على ألسنة اللبنانيين: ماذا فعلت الثورة؟ وماذا لم تتمكن من فعله؟ أين أخطأت وأين أصابت؟ “أساس” حمل كل هذه الأسئلة لقيادات في المجموعات الرئيسية للثورة.
القيادي في مجموعة “أنا خط أحمر” وضاح الصادق، أوضح أنّ “الثورة هي الناس والشعب، عندما نزلوا إلى الشارع في 17 تشرين من تلقاء أنفسهم ومن دون قيادة حزب معارض، عندما وصلوا لمرحلة انفجروا فيها من الغضب على سلطة نهبتهم وتسبّبت بانهيار البلد”.
إقرأ أيضاً: منى فيّاض: الثورة تحتاج لمواجهة الحزب وللتنظيم
ويتحدّث الصادق عن الأخطاء التي حصلت، ووصفها بأنها كانت “فترة لاكتساب الخبرات ومدرسة بالنسبة لنا، وتعلّمنا منها الكثير”، وقال:
أوّلاً: تراكمات الأخطاء كانت بالنسبة لنا مرحلة تعلّم لنصل إلى ما وصلنا اليه، لأننا بتنا ندرك ونعي ماذا نريد، وكيف يجب أن يكون التنسيق. فالثورة لا قيادات لها لأنها تأتي مع الحركات المعارضة، وفي لبنان لا يوجد حركات معارضة، بل هناك أحزاب. لكنّ النتائج التي حقّقتها الثورة كانت أكثر بكثير من الأخطاء.
ثانياً: في بداية الثورة، من الأخطاء الطبيعية التي حصلت مفهوم وفكرة “كلن يعني كلن”. الناس بحسب تفكيرها ستصل إلى ما تريد بعد أسبوع مثلاً من اندلاع الثورة. ولكن في الحقيقة لا نستطيع إسقاط هذه الميليشيات المسلحة المسيطرة على الدولة بكافة قطاعاتها ومؤسساتها. نحن نواجه “دباً مفترساً، ونحن لا نملك سكيناً”. طريقة إزالة هذه الطابقة الحاكمة، والتحرّر منها لا تكون إلا بالعملية الديمقراطية، فالحماسة الكبيرة، والآمال المرتفعة، خطأ كبير.
ثالثاً: من الأخطاء المهمة أننا لم ندرك كيفية مواجهة الحملات الإعلامية مع سلطة لديها خبرة كبيرة بكيفية كسر وإحباط أيّ نوع من التحرّكات على الأرض أو كيفية التسويق لإشاعات قاسية، وبثّ تُهم العمالة. هم يملكون جيوشاً الكترونية وإمكانيات مادية. أما الثورة، فلا تملك أيّ امكانيات مادية.
أما عن الإنجازات، فيمكن اختصارها بحسب الصادق بما يلي:
1- بداية انكسار كابوس السلطة، والخوف من معارضة السلطة. اليوم حزب الله وقيادته وصولاً للقوات اللبنانية وقيادتها تتعرّض لكلّ أنواع الانتقاد العلني مباشرةً. وهذا لم نكن نشهده في السابق إلا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يتبعه ترهيب واستدعاء للتحقيق.
2- أصبح هناك ما يسمى بـ “الحالة الثورية”، أقله داخل 70% عند المواطنين اللبنانيين بحسب الإحصاءات، واستثمار هذه الحالة يستوجب من الناس الذين ينظّمون التحرّكات أن يخوضوا، ويدركوا كيفية الانتقال إلى المعارضة السياسية للاستفادة من هذه الحالة الثورية، واستثمارها بالتغيير في الانتخابات النيابية القادمة.
الثورة لم تنتهِ حتى نقوم بتقييمها. لكن بالطبع بعد مرور عام، تمكنّا من كسر الأصنام وحاجز الخوف. وبدأ مسار تنظيمي بمعارضة لبنانية خلقت إرباكاً عند السلطة
وأضاف الصادق: “الثورة اليوم تتجه لتشكيل القوّة الثالثة، فالقوّة الأولى هي السلطة الحاكمة، والثانية هي السلطة المعارضة، لكنهم متفقون على المشاريع. بينما نحن القوّة الثالثة السيادية الإصلاحية التي تؤمن بالتغيير والديمقراطية”.
ولدى سؤاله عن المطالب والشعارات التي رُفعت ونادى بها الثوار ولم تتحقّق، قال: “معظم المطالب الأساسية للثورة لم تتحقّق لأنه بالنسبة للسلطة، لا يوجد ما يسمّى بثورة 17 تشرين، ولا يوجد جوع وفقر. وأهم مطلب نادينا به هو “حكومة مستقلة” تمتلك الخبرة والغطاء من المجتمع الدولي. هناك أيضاً “القضاء المستقل” الذي يعتبر أساس الإصلاح، ولم يتحقّق أيضاً”.
وختم قائلاً: “على الرغم من كلّ الأخطاء، وكلّ ما حصل، يبقى الأهم أنّ الثورة خلقت عند أهل السلطة حالة من الرعب والخوف من ردّة فعل الناس، وخلقت نوعاً من الرقابة. فالقرارات لم تعد تؤخذ بتسرّع كما كان الحال قبل 17 تشرين الأوّل 2019”.
أحد مؤسّسي حزب سبعة جاد داغر، يرى أنّ الثورة لم تخطئ، وأنّ التحدّي كبير جداً، ولا يجب التعامل معها على أنّها تيار سياسي أو جهة سياسية.
داغر يؤكد لـ”أساس” أنّ الثورة لم تنتهِ حتى نقوم بتقييمها. لكن بالطبع بعد مرور عام، تمكنّا من كسر الأصنام وحاجز الخوف. وبدأ مسار تنظيمي بمعارضة لبنانية خلقت إرباكاً عند السلطة. بعد مرور عام، تتركّز الجهود على تنظيم الناس المشرذمة ودعوتها للانضمام إلى منصة منظمة كحزب سبعة. فكثرة المجموعات غير المنظمة تُعتبر مشكلة، وعقبة أمام التغيير”.
ثوّار جل الديب كانوا يطالبون بتشكيل مجلس شيوخ ومجلس تمثيلي للثورة، ومن هذا المجلس تصدر هيئة تنسيق، وليس قائد الثورة
وختم داغر: “نحن ما زلنا داخل فترة مخاض التغيير. المطالب الأساسية لم تتحقّق، وعلى رأسها حكومة مستقلة، وانتخابات مبكرة. ولكن علينا ألّا نستغرب ذلك لأن كلّ الثورات في العالم التي فيها نظام متشعّب ومتمسك بالسلطة لا يسقط بشهر أو شهرين، ولا حتّى بعد مرور سنة، خاةصوصاً مع وجود جهات مسلّحة ومنظومة متكاملة من الأحزاب الطائفية”.
أما الناشط شربل القاعي، أحد أبرز وجوه الناشطين من ثوار جل الديب وبعد مرور عام على ثورة 17 تشرين الأول، فينظر للأمور من منظار مختلف، ويقول لـ”أساس”: “أخطأنا عند خروجنا من الشوارع والساحات بعدما قمعتنا السلطة، واستسلمنا للامر الواقع. وأكبر خطأ ارتكبناه بحق الثورة وأنفسنا، عندما أعطينا فرصة للسلطة التي أوصلت البلد إلى الانهيار”.
وتابع: “هناك العديد من المطالب لم تتحقّق، وما زلنا نطالب بقضاء مستقل، وحكومة مستقلة”.
وختم مؤكّدا أنّ “ثوّار جل الديب كانوا يطالبون بتشكيل مجلس شيوخ ومجلس تمثيلي للثورة، ومن هذا المجلس تصدر هيئة تنسيق، وليس قائد الثورة”.
في 17 تشرين الأول 2019 فاضت الكأس، وبات بالإمكان التأريخ: ما بعد 17 تشرين الأول. يومها قال الناس كلمتهم: قالوا هذا بلدنا سنستعيده، وستتحمّل المسؤولية الطبقة السياسية التي جوّعت، وأفقرت، وأوصلت البلد إلى التلاشي. فجأة تلاشت هذه المشهدية. فهل تعب الشعب من محاولات كسر النمطية، علما أنّ تاريخ الثورات أثبت أنّ ثمارها لا تقطف يانعة؟ وهل بات مطرّزاً بخيوط اليأس والقنوط؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحملها الأيام المقبلة.