مهريبان عارف قيزي علييفا: هي زوجة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الذي ورث الحكم عن والده عام 2003. وفي الوقت نفسه هي نائبة الرئيس، منذ شباط 2017. وهي أيضاً الوجه الحيوي للنظام، في مقابل الوجه الجامد، وغير الشعبي أبداً، لزوجها.
ليس لدى زوجها، بخلاف الثعلب أبيه، أيّ لمعة. أما هي فدرست الطب، ومن بعد الطب الفلسفة، وأعدّت رسالة حول القتل الرحيم، وتشرف بالمباشر على الدبلوماسية، وعلى الجامعات، والمتاحف، ومواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يلهيها كلّ ذلك عن المواظبة على القيام بعمليات تجميل، ما يجعل قسماً غير قليل من الأذريين يتندّر عليها بأنها “سيدة السيليكون”.
إقرأ أيضاً: أذربيجان وأرمينيا (1): استنطاق الخرائط
في الواقع، هي زوجة الرئيس السيليكوني في طبيعته نفسها، إلهام علييف. عندما اختارها عام 2017 كنائبة للرئيس، عقدت المقارنة كثيراً بين اختيار أبيه له كنائب للرئيس هو أيضاً، قبل تسليمه الرئاسة. مهريبان علييفا تكثّف الكثير من سمات النظام القائم في أذربيجان بعد زوال الاتحاد السوفياتي. فهي ابنة لواحدة من العائلات الأوليغارشية الأساسية في البلد، آل باشاييف. يمسك آل باشاييف بسوق العقارات، والاتصالات، وقسم من الجامعات، ويتصاهرون مع آل علييف الذين يمسكون أساساً بالثروة النفطية والأمن.
فقد الشيوعيون المحليون السلطة في أذربيجان بعد تحلّل الاتحاد السوفياتي، وآلت هذه للقوميين المتطرّفين، وفي وقت تحصّن علييف في جيب نخشوان، المفصول ترابياً عن باقي أذربيجان، معمّقاً علاقاته مع الأتراك، ومقدّماً نفسه كقومي معتدل
يحتفظ آل علييف، حيدر ثم نجله إلهام، برئاسة أذربيجان منذ 1993، علماً أنّ الأب، الذي زرعت له التماثيل في ساحات كلّ المدن، هيمن على حياة البلد في العهد السوفياتي، منذ نهاية الستينيات، انطلاقاً من المناصب التي شغلها في الكا. جي. بي والحزب الشيوعي، باستثناء السنوات القليلة الذي اعتقد فيها ميخائيل غورباتشوف أنه استطاع وضعه على الرّف، في لحظة البيروسترويكا، فكان أن سابقه هذا البريجنيفي العتيق في رفع شعارات ليبرالية.
فقد اقتنص حيدر علييف لحظتين أساسيتين للعودة من الباب الواسع، بعد أن أزاحه غورباتشوف. الأولى في كانون الثاني 1990، أو كانون الأسود كما يسمّيه الأذريّون يوم اجتاحت القوات السوفياتية باكو وكنجة وأنحاء جمهوريتهم وسفكت الدماء وهي تحاول تفريق الجموع الغاضبة التي واجهتها. عبّر علييف من موسكو نفسها، يومها، عن إدانته لهذا الاجتياح، شبه المغفل اليوم، عند تعداد أسباب التسريع بانهيار الاتحاد السوفياتي. اجتياح الجيش الأحمر لأذربيجان في كانون الثاني 1990 سرّع هذا الانهيار، لأنّه اصطدم بالأذريين بشكل دامٍ، وساهم في إضعاف الحزب الشيوعي المحلي بين الناس. والاجتياح هذا كان ردّاً متأخرا على المجازر التي حصلت في باكو في وقت سابق من ذلك الشهر، ضدّ المواطنين الأرمن، رداً على إعلان سوفيات اقليم ناغورنو كاراباخ انفصالاً من جانب واحد عن أذربيجان، وانتقاله إلى أرمينيا. إذ لم يكن المطروح يومها بعد، إقامة كيان أرمني موازٍ مثلما جرت الحال لاحقا مع “جمهورية أرتساخ”. المجزرة أدّت من بعد حصولها، إلى الاجتياح التأديبي، وهذا حضر بمجزرته، وأضعف الشيوعيين، وجعل الطروح القومية أكثر تصلّباً بين الأرمن وبين الأذريين، فوقف حيدر علييف ضدّ هذا الاجتياح، لا سيما في جيب نخشوان الذي يعتبر معقله الأساسي.
اللحظة الثانية التي اقتنصها حيدر علييف كانت لحظة انقلاب زملائه السابقين في “الجهاز” على غوربارتشين في آب 1991. أدرك حيدر، بخبرته الطويلة، أنّه انقلاب اليائسين، فأدانه من لحظته، وقاد من ثَمّ الحملة ضد قادة الحزب الشيوعي الأذربيجاني الذين أيدوا الانقلاب، أو كان موقفهم منه متأرجحاً، داعياً إلى تصفية هذا الحزب، وهو ما بدأ مرة جديدة من نخشوان، بإعلان السوفيات فيها عن حلّ منظمة الحزب، ومصادرة أملاكها. وبسرعة خاطفة، اعتبر علييف، الذي كان مطلع الثمانينيات أوّل مسلم كامل العضوية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، أنّ الأفضل له ولأذربيجان، التعامل مع الزمن السوفياتي ليس فقط كأنه انتهى، بل كما لو أنه من الناحية الشرعية – القانونية لم يكن يوماً، واستئناف الجمهورية الديموقراطية في أذربيجان التي لم تعمّر أكثر من 23 شهراً، وأطاح بها البلاشفة عام 1920.
فقد الشيوعيون المحليون السلطة في أذربيجان بعد تحلّل الاتحاد السوفياتي، وآلت هذه للقوميين المتطرّفين، وفي وقت تحصّن علييف في جيب نخشوان، المفصول ترابياً عن باقي أذربيجان، معمّقاً علاقاته مع الأتراك، ومقدّماً نفسه كقومي معتدل.
انهزم القوميون الأذريون المتطرّفون أمام الأرمن في حرب 1992-1993، وتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين الأذريين، من أرمينيا نفسها، كما من الأراضي التي أقامت عليها القوات الأرمنية في أذربيجان “جمهورية أرتساخ”، رغم القرارات الدولية ذات الصلة، والتي تنصّ على انسحاب هذه القوات. مع تآكل الشيوعيين المحليين، ثم انهزام القوميين المتطرفين، “استوت” الأمور لحيدر علييف كي يقيم حكمه الفردي والعائلي المديد. بخلاف حكم القوميين المتطرّفين المنهار عام 1993، الذي نادى في الوقت نفسه بأذرية كاراباخ فكانت النتيجة أنه خسرها، وخسر غيرها من الأراضي.
يقوم النظام العلييفي الموروث من حيدر إلى إلهام، نجله، على مجموعة من التكتلات، ولكلّ تكتل منها يد في الأمن، وأخرى في الاقتصاد، وثالثة في السياسة، ورابعة في الجامعات
سيُبقي آل علييف الباب مفتوحاً للتسوية، فهم أولاً غير مسؤولين عن هزيمة 1993، لأنّ السلطة كانت لغيرهم وقتها، بل إنّ هذه الهزيمة هي التي مكّنتهم من الإطباق على الحكم من بعدها. ما زاد الطين بلّة في المقابل، هو أنّ الأرمن أعلنوا جمهورية موازية في المناطق التي تتبع بحسب القانون الدولي لأذربيجان، ولم يعلنوا ضمّها لأرمينيا نفسها، على الرغم من أنّ الجيش الأرمني هو الذي يمسك عمليا بناغورنو كاراباخ. التكتيك الأرمني هو أنّ هذه المسألة تعني بالمباشر كلّاً من أرتساخ وأذربيجان، ولا تعني أرمينيا مباشرة. التكتيك الأذري منذ 1993 قائم تحديداً على رفض ذلك: ليس هناك شيء يدعى أرتساخ، في هذا الاعتبار. هناك فقط أذربيجان وأرمينيا، وهناك مناطق ذات أكثرية أرمنية في أذربيجان تحتلها القوات الأرمنية القادمة من أرمينيا، بعد أن تسبّبت في تهجير الأذريين منها. باب التسوية غير مقفل بالنسبة إلى باكو، بشرط الانطلاق من هذا التصرّف كما لو أنّ ارتساخ غير موجودة ككيان يمكنه أن يقود إلى الحلّ. تحريك الأوضاع عسكرياً، في لحظة متناغمة مع السياسة التركية الحالية، يمكنه أن يساعد على ذلك. في المقابل، موقف يريفان لا يقلّ مفارقة: هي نفسها لا تعترف بشكل كامل رسمياً بجمهورية أرتساخ التي خلقتها هي في ناغورنو كاراباخ ولاجين والمناطق التي تسيطر عليها قواتها في أذربيجان. لكنها تريد من باكو الاعتراف بأرتساخ ككيان أمر واقع، له حيثيته بمعزل عن أرمينيا.
تنتمي أرتساخ لأسرة الجمهوريات المعلنة من جانب واحد، غير المعترف بها عموماً من الدول، والتي نشأت في مناطق موضع نزاع في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق. شأنها في ذلك شأن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في جيورجيا، وجمهوريتي حوض الدونباس، دونتسك ولوغانسك، في أوكرانيا، وشأن ترانسنيستريا. وهذه الجمهوريات غير المعترف بها رسمياً حتى من رعاتها، تعترف من جهتها ببعضها البعض. تضمن هذه الكيانات عموماً مساحات للتدخل من طرف موسكو. قضية أذربيجان الأساسية أن لا يكون بينها وبين أرمينيا كيان كهذا على أراضيها، ولا مانع مسبق لديها إذاً لتسوية ترابية شاملة بين البلدين، أرمينيا وأذربيجان.
يقوم النظام العلييفي الموروث من حيدر إلى إلهام، نجله، على مجموعة من التكتلات، ولكلّ تكتل منها يد في الأمن، وأخرى في الاقتصاد، وثالثة في السياسة، ورابعة في الجامعات. يتشكّل نسيج الأوليغارشية القابضة على أذربيجان من مجموعات مختلفة، جزء كبير منها الذين حُملوا على الهجرة سابقاً من أراضي أرمينيا الى باكو، وجزء آخر من الذين عملوا مع علييف الأب منذ أواخر الستينيات، لا سيما المجموعة التي عملت معه في نخشوان. تبدو أرمينيا، بالمقارنة، بلداً أكثر ديموقراطية، لا سيما في السنوات الأخيرة، بعد انتفاضة 2018، وإقصاء شبه العلييفي، سيرج سركيسيان. في السنوات الأخيرة، بالمحصّلة، جاء تحديث النخبة في أرمينيا بوثبة جماهيرية، ثم بمجيء نيكول باشينيان للسلطة (مواليد 1975)، وليس هناك ما يوازي ذلك من جهة أذربيجان، إلا إذا تعاملنا مع تولية السيدة مهريبان منصب نائب الرئيس زوجها، على أنّه شكل من أشكال التحديث، أو التحيين، الـupdate، هذا مع أنّ أذربيجان أكثر المجتمعات قرباً إلى معاش العلمانية في العالم الإسلامي، كانت بحيوية ديموقراطية تعدّدية سواء عند سقوط الأمبراطورية القيصرية، أو عند سقوط الأمبراطورية السوفياتية. لكن الهزيمة أمام الأرمن، الأقل عدداً، في حرب 1992-1993، جفّفت أيضاً تلك الحيوية في أذربيجان، وجعلتها ترضى بالتوفيق بين انكسارها هذا، وبين إطناب الحديث عن الإنجازات التنموية والاستقرارية للطغمة الحاكمة، التي تستمدّ “مشروعيتها البديلة” من أنّها لم تكن تمسك بمقاليد الأمور يوم حصلت تلك الهزيمة.