خلال الساعات الماضية تحوّلت بعض المقارّ الرئاسية والسياسية والحزبية إلى غرفة عمليات حقيقية لتحليل ورصد الأخبار الآتية من بغداد وطهران وواشنطن وإسرائيل، المحتفية الأولى بالضربة الأميركية. السؤال الأكثر تردّداً وغموضاً كان: هل بدأت الحرب؟
حيطان مواقع التواصل الاجتماعي لم تشذّ عن القاعدة في ظل اجتياح هاشتاغ “الحرب العالمية الثالثة” موقع “تويتر” يليه بالتراتبية وَسم “قاسم سليماني” و”سننتقم”.
سريعاً أجّج وزير الخارجية جبران باسيل النقاش في شأن الضربة الأقسى التي تلقّتها إيران منذ عقود، بكسر حاجز النأي بالنفس من خلال “تنديد” الخارجية اللبنانية بالإغتيال باعتباره “يشكّل انتهاكاً لسيادة العراق”، هو الذي حجب هذه الإدانة بعد استهداف المنشآت النفطية في السعودية خلال أيلول من العام الماضي.
ومقابل من كان يستثمر في التوتر الإيراني الأميركي المتصاعد في المنطقة والذي بلغ ذروته من خلال تظاهرات حاولت دخول السفارة الأميركية في بغداد قبل اغتيال سليماني، إنبرى فريق لبناني مضادّ لتقريش جرعة من المعنويات باتّكائه على الموقف الأولي للسيد نصرالله بحديثه عن “قصاص عادل” سيكون “مسؤولية وفعل كلّ المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم”.
يقول القارئون بحماسة لحدث اغتيال سليماني أنّ “تداعيات قتله على لبنان عديدة وخطيرة، لكن لا يعني ذلك أنّ حزب الله قد يٌقدم على فتح جبهات ومنها تحريك الجبهة الجنوبية ودليلهم أنّ السبب الأساسي يتعلق بالداخل الإسرائيلي وأزمة بنيامين نتياهو، إضافة إلى الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها كافة الدول حيث يتواجد حزب الله والمجموعات المحسوبة على إيران”.
معسكر محور المقاومة يبدو في المقابل متيقّناً من أنّ ضربة بهذه القوّة يستحيل أن تبقى من دون ردّ أقسى
ويشيرون إلى أنّ “السيد حسن نصرالله أمام تحدٍّ كبير لترميم صورة حزب الله كتنظيم جهادي أو حركة عسكرية قادرة على الصمود بوجه الأميركي”، في وقت يشير هؤلاء إلى “وجود إصرار حتى الآن، أنّه لم يكن هناك قيادي من حزب الله ضمن الموكب الذي استهدف وهذا الأمر على الأرجح غير دقيق”.
يرى المرحّبون بالضربة الأميركية الموجعة لإيران والعراق أنّ “سليماني لم يكن عقلاً أمنياً وعسكرياً ينفّذ سياسات إيران في مناطق نفوذها فقط بل راعياً أساسياً لتشكيل الحكومات. وبعد فشله في العراق بسقوط حكومة عادل عبد المهدي، فإنّ مصير حكومة حسّان دياب، وتحت وطأة الإحتجاجات الشعبية المستمرة، وإن خفّت وتيرتها، لن يكون أفضل حالاً. ويتوقّع أن لا تقلّع كما يخطّط لها رعاتها، خصوصاً أنّ الجانب الأميركي لم يعد يكتفي بفرض العقوبات وهو ذهب أبعد من ذلك باستخدام القوّة. وهذا ما يظهر فائض قوّة لن يكون لبنان بمنأى عنه”.
معسكر محور المقاومة يبدو في المقابل متيقّناً من أنّ ضربة بهذه القوّة يستحيل أن تبقى من دون ردّ أقسى. ثمّة أوراق قوّة بيد هذا الفريق تدفعه إلى الاعتقاد بأنّ ردّ إيران الحتمي لا يعني بالضرورة حرباً، وأنّ تهوّر دونالد ترامب قد يكون وصفة للتخلص منه على أبواب الانتخابات الرئاسية وربما للتمهيد للخروج الأميركي النهائي من العراق بما أنّ ما حصل خرق يستحيل تجاوزه وكأنّه لم يكن. ولا يرى هذا المعسكر في حذف سليماني من المعادلة تغييراً، أقلّه في الواقع اللبناني، مع دعوة إلى رصد مسار السنوات الثلاثة المتبقية من عمر العهد.
وفيما ينتظر أنصار هذا المعسكر كلمة السيد يوم الأحد وحديث الإيرانيين عن “انتقام قاسٍ”، لا يقللون من حجم الضربة الأميركية وتأثيراتها، لكن مع الرهان على أنّ تزامن الأحداث وتشابهها بين لبنان والعراق لا يعني بالضرورة المصير الواحد.
يجزم هذا الفريق بأنّ موازين القوى كانت ولا تزال لمصلحة محور الممانعة في المنطقة وصولاً إلى لبنان، مع استبعاد فرضية أن تتحوّل بيروت إلى إحدى ساحات التنازع في حرب تكسير الرؤوس. وإن أوحى موقف طهران بأنّ الرد الإيراني سيكون لا مركزياً.
من خارج السياق، وفي الأيام القليلة الفاصلة عن ولادة حكومة قدّر بعض “منجّمي” السياسة أنّها ستكون نتاج تقاطع أميركي – إيراني يأتي بتركيبة وزارية لا ترفع واشنطن الفيتو بوجهها ولا تضعها طهران في جيبتها طالما أنّ “أحرار الثورة” جزء منها، قَلَب زلزال العراق المشهد اللبناني رأساً على عقب من دون أن يطيح بالأولويات: لا أحد قادر على وضع مشروع الحكومة في الثلاجة بانتظار مرور “الاعصار” الإيراني.
وما عدا ذلك، فالتحليلات في شأن تداعيات اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، قسّمت كالعادة الداخل اللبناني إلى معسكرين: الأوّل مهلّل ومنتظر لنتائج “الضربة القاضية” في واحدة من جولات الصراع الإميركي الإيراني، والآخر فاتحاً لمجالس العزاء والتوعّد بالردّ و”العقاب القاسي”.