مستشارة القصر… خارج القصر

مدة القراءة 6 د


يكاد ينقضي عام على انكفاء المستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية ميراي عون عن أداء المهمّة التي أوكلت إليها منذ انتخاب والدها “الجنرال” رئيساً للبلاد. المستشارة الأولى براتب ليرة واحدة تراجعت إلى الخطوط الخلفية. تنظر بقلق كبير إلى مسار ومصير الولاية الرئاسية التي أملت أن تكون جسر عبور إلى تغيير حقيقي وإصلاحي في عهد “بيّ الكلّ”.

كان يفترض أن يشكّل انضمامها إلى الوفد الرئاسي المشارك في اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي إشارة ضمنية بأنّها التحقت مجدداً بالفريق الإستشاري لرئيس الجمهورية. يومها تردّد في أرجاء القصر أنّ “ميراي رجعت” وتمّ تذليل الكثير من العقبات التي حالت دون إكمال مهامها إلى جانب والدها، قيل إنّ دورها سيتوسّع على ضوء التحديات الإقتصادية والمالية الآتية.

قبل “طلّة نيويورك” بأشهر اختفت ابنة الرئيس عن الشاشة. لا تصريحات، لا مقابلات، لا مشاركة ضمن فريق الرئيس في استقبال الوفود الزائرة… لم يكن صعباً الاستنتاج، في ظل شحّ المعلومات، بأنّ دائرة الخلاف مع الوزير جبران باسيل كبرت إلى حدّ خروجها عن السيطرة.

يقول مطلعون إنّها ربما من الأصوات القليلة التي تخوّفت من وصول الأزمة إلى الحائط المسدود نتيجة السياسات المتبعة رغم غضبها من حجم الشائعات التي أثّرت سلباً في تكبير حجر عدم الثقة بالسلطة

تكفّلت مشاركة عون في الوفد الرئاسي إلى نيوريورك، ولاحقاً ظهورها مجدداً في اجتماعات القصر، بتبديد جزء من الإنطباع بأنّ المستشارة الأولى متمرّدة على الأمر الواقع. لكن من جديد اختفت ميراي عن الشاشة، ولم يكسر صمت الإبتعاد سوى تغريدة يتيمة على “تويتر” تلقّفت خلالها خطاب الرئيس عون الثاني بعد انتفاضة 17 تشرين، معيدة التذكير بالجملة المفتاح فيها: “صار من الضروري إعادة النظر بالواقع الحكومي”، معتبرة أنّ “اللبنانيين يطرحون الثقة بحكومتهم في الشارع بعدما تقاعس نوابهم عن ذلك”.

منذ ذلك التاريخ تدحرجت كرة الثلج وكبرت إلى حدّ وضع جزء من الشارع عهد عون برمّته على مشرحة المحاسبة. وارتفعت أصوات مندّدة بميشال عون ومطالبة برحيله. أكثر من تظاهرة اعتراضية توجّهت إلى قصر بعبدا وحوّلته إلى ثكنة عسكرية. مقابلة تلفزيونية غير موفّقة لرئيس الجمهورية ألهبت الشارع وجيّشت المتظاهرين ضده. توالت إطلالات الرئيس لكن دون جدوى. خطوط التماس ترتفع بين عون والرئيس سعد الحريري وفي نهاية المطاف يتبنّى رئيس الجمهورية سنّي آخر لرئاسة الحكومة لا يزال مصير تكليفه مجهولاً… وعقد حكومية لا تنتهي قاسمها المشترك الأكبر جبران باسيل.

كلّ ذلك وميراي عون غائبة عن السمع والنظر باستثناء صورة سيلفي مع زوجها روي الهاشم من أمام مفرق القصر الجمهوري يوم جرّ باسيل جمهور التيار الوطني الحر إلى هناك مستغلاً غطاء الرئاسة لتعويم صورته حزبياً وحكومياً وسياسياً وليخطب في جمهور حزبه مؤكداً يومها “فشلنا في الإصلاح بالتراضي لأنّ بين الفاسدين شبكة مصالح كانت أقوى من قدرتنا السياسية وحدها”.

“الشاهدة”، من موقعها القريب من رئيس الجمهورية، على الكثير من التجاوزات والممارسات الخاطئة في دائرة الأقربين قبل الأبعدين، لم تخفِ قلقها من أن يدفع العهد برمّته ثمن هذه الأخطاء.

يقول مطلعون إنّها ربما من الأصوات القليلة التي تخوّفت من وصول الأزمة إلى الحائط المسدود نتيجة السياسات المتبعة رغم غضبها من حجم الشائعات التي أثّرت سلباً في تكبير حجر عدم الثقة بالسلطة. وقد أعدّت تقريراً مفصلاً عن سياق الأزمة والحلول الممكنة تشرح عبره وجهة نظرها بحكم اطلاعها عن كثب على كافة المعطيات والوقائع وبحكم خبرتها في هذا المجال. هي الحائزة على ماستر في إدارة الأعمال والمعلوماتية باختصاص “الذكاء الإصطناعي”.

بعد ثلاث سنوات من العهد الرئاسي لا شيء يحجب خيبتها بعد الرهان على خطة للنموّ الإقتصادي تخلق وظائف وفرص عمل، وتحوّل لبنان من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ضمن خطة قابلة للتحقيق، تأتي من ضمن المؤسسات وبالتنسيق مع رئاسة الحكومة، وبوجود طرف دولي ثالث محايد.

كان يفترض أن يأتي ذلك من خلال الدراسة التي أعدّها المكتبُ الاستشاري “ماكينزي” والتي فشلت حكومة العهد الثانية في وضعها قيد التنفيذ بعدما تمرّد الشارع وقلب الطاولة على رأس الجميع. لم تأتِ من عدم مخاوفها على الصعيد المالي والاقتصادي والحالة الشعبية المحيطة بالعهد والهريان السياسي ونتائج “الاستراتيجية الباسيلية” في قيادة التيار الوطني الحر والسيطرة على بعض مفاصل. وقد أتت الأحداث لتثبت أنّ اعتراضها كان في محله.

من يعرف ميراي عون عن قرب يدرك حجم الحزن على إضاعة “سلّة فرص” من دون فقدان الأمل بإمكانية التعويض

حَرَد ميراي عون لم يمنعها من البقاء إلى جانب الوالد “لكن ليس في الواجهة”. وكما من قبل، بفعل الضغط الذي تعرّضت له. تبدو شقيقتها كلودين، زوجة النائب شامل روكز، أكثر شراسة في التعبير عن النقمة والإشارة إلى الاخطاء بالإصبع.

 في مقابل صمت ميراي وتراجعها، فضّلت كلودين اعتماد سياسة المواجهة، تحديداً حيال أداء الوزير باسيل، متماهية بشكل كامل مع الخطاب المعارض لشامل روكز. مرحلة الصمت لم تمنع تواصها الدائم مع سياسيين وأصدقاء و”الطلطلة” على القصر عند اللزوم وفي مناسبات عائلية، فيما لم تقطع حبل التواصل مع معارضين عونيين التقت معهم على تقييم المرحلة وأبعادها.

من يعرف ميراي عون عن قرب يدرك حجم الحزن على إضاعة “سلّة فرص” من دون فقدان الأمل بإمكانية التعويض. هي المسلِّمة بأنّ ميشال عون “فرصة تاريخية للبلد”، كان يحتاج إلى صادقين وإصلاحيين حقيقيين إلى جانبه لكي ينجح في مهمّته الاستثنائية. أحزنها أكثر أنّ “العونيّة”، بمفهومها، لائحةُ قيَم حاولت عبثاً في السنوات الماضية التفتيش عمّا تبقى منها في الممارسة.

“لا وريث لميشال عون”، هذا واقع وقدر كما تقول دوماً المستشارة الأولى. تُسلّم لـ”الجنرال” بأنّه “الزعيم الأوحد”. وأيُّ أحد آخر بعد ميشال عون لا يستطيع أن يتعاطى مع “التيار” وفي السياسة كما فعل هو، كونه المؤسّس، وهو امتياز لا يجيَّر لأحد، و”أوّلهم جبران باسيل”.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…