بدأ حسان دياب يحرج الحريري؟

مدة القراءة 5 د


يبدو أن الرئيس المكلّف حسان دياب بدأ يتسبّب بالإحراج للرئيس سعد الحريري بين جمهوره وأبناء طائفته. عناد دياب بدأ يأخذ صدىً في الحراك السياسي الدائر حول ولادة التشكيلة الحكومية العتيدة، في وقت تُرصد إشارات تحوّل نحو مزيد من العطف في نظرة الجمهور السنّي إلى دياب، بعد أن كان هذا الجمهور يضع الأخبار الواردة حول الاختلاف في وجهات النظر بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون أو بين الوزير جبران باسيل، في إطار تعويمه داخل بيئته الرافضة له. لكن يبدو أنّ الأمور تتطوّر مع مرور الوقت وقد تصل إلى حدود بدء السنّة بالمجاهرة بفي دعم دياب، خصوصاً إذا بلغت تعقيدات التشكيل حدود بحث “العهد” في سبل سحب التكليف.

هذا الدعم ليس حباً بدياب على الإطلاق، وإنما حرصاً على صلاحيات الرئاسة الثالثة بوجه “الجشع العوني” وبغضه لكل ما أتى به إتفاق الطائف، وبالتالي في محاولة بحثٍ سنّية عمّن يقول “لا” للعهد ولصهره جبران باسيل.

حتّى اللحظة، وبعيداً على العواطف ومقارنة بأداء الحريري وكتلته السنية الكبيرة وتساهله حدود التفريط بصلاحيات الرئاسة الثالثة، يبلي دياب بلاءً حسناً. يصرّ على حكومة مستقلّين من 18 وزيراً، ويقف بوجه من يُفترض أنهم حلفاؤه أو شركاؤه الذين سمّونه لهذه المهمة، أكان “التيار الوطني الحر” أو “حركة أمل”، (يبدو أن “حزب الله” في صفّه ويظهر امتعاضاً من أداء حلفائه مع دياب) برغم أنّه لا يملك أيّ نائب في كتلة، ويرفض مفتي الجمهورية استقباله حتى اللحظة، ويربط موافقته على ذلك بشرط إعلان اعتذار دياب من “دار الإفتاء”، ليَظهر الدّار وسيده بمظهر المنحاز إلى الحريري حصراً… وكأنه مفتي “بيت الوسط” وليس مفتي الجمهورية اللبنانية.

إنحياز “تيار المستقبل” إلى آراء الرئيس نبيه بري تبدو واضحة. التقاطع مع “حركة أمل” في إظهار التململ من أداء دياب لا لبس فيه. المثير للضحك أنّ أوساط التيارين الأزرق والأخضر تسوّق لفكرة أنّ دياب من أزلام النائب جميل السيد الذي “يسيّره عن بُعد”. هذه الفكرة انطلقت بعد ترشيح المقرب من السيّد واللحودية السياسية لحقيبة وزارة الداخلية العميد طلال اللاذقي. ولهذا، راحت الأوساط الزرقاء تسوّق، في الخفاء، لإمكانية سحب رئاسة الجمهورية التكليف من دياب ودستوريتها، إذا ما طال أمد التأليف، متجاهلة تجربة الحريري نفسه مع هذا الأمر، تحديداً مع مطالعة الوزير سليم جريصاتي الشهيرة بعد التأخير في تشكيل الحكومته (طال التشكيل نحو9 أشهر) بسبب عراقيل وُضعت بوجه الحريري من الأشخاص أنفسهم الذين يعرقلون مهام دياب اليوم.

أوساط التيارين الأزرق والأخضر تسوّق لفكرة أنّ دياب من أزلام النائب جميل السيد الذي “يسيّره عن بُعد”

تستعين أوساط “التيار الأزرق” بنص من كتاب “حسن الرفاعي حارس الجمهورية” للكتّاب أحمد عياش، وجوزف باسيل وحسّان الرفاعي الذين يذكرون في الصفحة 362: “في شأن النقاشات في ضرورة تقييد رئيس الحكومة المكلّف لمهلة للتأليف، يرى الرفاعي أنه يمكن للنواب أن يقدموا عريضة إلى رئيس الجمهورية لسحب التفويض من الرئيس المكلّف في أيّ وقت من الأوقات، ولا حاجة إلى نصّ دستوري ينصّ على مهلة. أمّا إذا كان المجلس ما زال بغالبيته مع إعطاء مزيد من الوقت للرئيس الذي سمّاه فلا يمكن مخالفة رأي غالبية هذا المجلس ما دامت الإستشارات ملزِمة بنتائجها”.

مطالعة جريصاتي قبل نحو سنة ونصف السنة (نشرتها “النهار في 25/08/2018) أكّدت على حقّ الرئيس بـ”توجيه رسالة إلى مجلس النوّاب عملاً بأحكام المادة 53 فقرة 10 من الدستو”، ليصار إلى “حثّ رئيس الحكومة المكلّف على اعتماد المعيار الواحد في التأليف و/أو عدم احتكار فريق سياسي واحد لطائفة بأكملها في الحكومة و/أو التزام مبدأ العدالة بمفهومه الواسع عملاً بالفقرة “أ” من المادة 95 من الدستور”، في إشارة تهديد واضحة بإمكانية سحب التكليف. وقد نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن جريصاتي في حينه تأويله لهذه المطالعة بقوله: “إن فترة 5 إلى 6 أشهر لتأليف الحكومة قد تكون مقبولة لكن ليس أكثر”.

الردّ على المطالعة في حينه، جاء على لسان الحريري نفسه. تحديداً خلال دردشة مع الصحافيين قبيل اجتماع لكتلة “المستقبل” (في 28/08/2018). يومها قال الحريري: “لا أحد يحدّد لي مهلة (للتأليف)، إلا الدستور اللبناني، ولا تعنيني مطالعات دستورية يقدمها هذا الوزير أو ذاك، وأنا الرئيس المكلّف وسأبقى مكلّفاً وأشكّل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية ونقطة على السطر”.

ما أجازه الحريري لنفسه يرفض البعض تسلّح دياب به. وكأنّ الحريري الذي، راهن على سقوط ندّه في الشارع وبالتالي عودته على حصان أبيض، يرفض تمادي دياب في التحرك أو في مواجهة “العهد”، الذي طالما سعى الحريري إلى نسج أفضل العلاقات معه حتّى ينعم بجنة الحكم بعد فضيحة القانون النسبي.

يأتي دياب اليوم لينسف حقيقة “التمثيل” داخل الطائفة ويؤكد أن السير By the book عملية “ربّيحة” أكثر من سياسة “تبويس اللحى” التي اعتمدها الحريري لسنوات. صحيح أنّ دياب لا يملك ما يخسره. صحيح أيضاً أن جلّ ما يريده هو دخول نادي الرؤساء، وقد يُسحب منه هذا اللقب، بعد أيام، داخل المجلس النيابي بسبب حجب الثقة، إلاّ أنّ أداء دياب يُؤكّد أنّ ثمة دائماً خيارات تختلف عن النموذج الأوحد لـ”الحريري المنبطح”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…