أين لبنان من “حرب الأنابيب”؟

مدة القراءة 5 د

 

تدور في المنطقة “حرب أنابيب” صاخبة، بين محورين يتشكّلان بسرعة. المحور الأوّل إسرائيل وفلسطين والأردن وقبرص واليونان وإيطاليا ومصر، ومدعوم من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، تحت عنوان “منتدى شرقي المتوسط للغاز”، الذي أعلن عن نفسه في كانون الأوّل 2019 من القاهرة.
المحور الثاني آخذ في التشكّل، على وقع طبول حرب في ليبيا. لأنّه يضمّ “السلطان” التركي ذي النزعة العثمانية، المتوجّه إلى شمال أفريقيا، حيث ليبيا ونفطها، والذي كان وزير خارجيته يجول بين تونس والجزائر لتأمين غطاء لحرب بدأ يشنّها على الأراضي الليبية، فيما كان أردوغان يمتّن أواصر تحالفه مع “القيصر” الروسي فلاديمير بوتين.
في هذه الأثناء ما زال لبنان ينتظر وصول الحفّارة “تونغستان اكسبلورير” لحفر أوّل بئر استكشافي في البلوك 4 في شمالي بيروت ليتمكن من مواكبة الدول المجاورة التي سبقته إلى الاكتشافات والتطوير والإنتاج.
ننتظر الحفّارة وسط تحوّلات كبيرة لم ننتبه إليها، وأغفلنا التخطيط لنكون جزءاً من خريطتها، وربما ندفع الثمن بألاّ نتمكّن من الاستفادة القصوى من قطاع النفط والغاز، بعد الاكتشافات التجارية طبعًا.
بالطبع تركيا ليست بلداً منتجاً للنفط لكن من الواضح أنّها تسعى إلى لعب دور “الكوريدور النفطي” من المنطقة إلى أوروبا. وهي تعمل على فرض نفسها لاعباً إقليمياً وازناً في الشرق الأوسط من البوابة العسكرية أوّلاً، وذلك بالتحالف مع روسيا.
لم تكن تركيا سعيدة بإطلاق “منتدى شرقي المتوسط للغاز”، رغم إعلان الأعضاء فتح العضوية أمام من يرغب. فهي اعتبرت الخطوة موجّهةً ضدها، كمركز وممرٍّ لغاز شرقي المتوسط، ورأت أنّه يرمي إلى استبدال دورها، بدور مصريّ. وبالطبع مصر تملك البنى التحتية للعب دور محوري كهذا.
المنتدى هدفه تنسيق جهود البلدان المشاركة لوضع سياسات متعلّقة بالغاز وبالتعاون على فتح الأسواق واستعمال البنى التحتية المشتركة.

صحيح أنّ التحدّي الأساس اليوم في لبنان هو إيجاد الغاز، لكن بعد الاكتشاف التجاري يأتي التحدّي الأكبر وهو إيجاد الاسواق والتشبيك مع دول الجوار

لم تنتظر تركيا كثيرًا قبل الردّ وأعلنت في تشرين الثاني 2019 عن ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، من ضمن الاتفاق الأمني والطاقوي التركي – الليبي. هذا الإعلان تلقّفته إسرائيل وقبرص واليونان وردّت عليه بالإسراع في التوقيع على مشروع أنبوب شرقي المتوسط في كانون الثاني 2020، من أثينا. أنبوب طوله 2000 كم، يمتدّ من إسرائيل إلى قبرص فاليونان، ومن هناك يمتدّ أنبوب آخر إلى إيطاليا. ومن المقدر أن يكلّف 6 إلى 7 مليارات دولار أميركي، وقد يرتفع المبلغ أكثر. لكنّه يواجه مشاكل تقنية كبيرة في تمديد الأنابيب البحرية في بعض الرُّقع.
فكرة إنشاء هذا الأنبوب وُضعت “على الرفّ” بعد إنشاء المنتدى. لكنّ إعلان تركيا الاتّفاق مع ليبيا جاء كتحدٍّ لهذا المشروع، إذ اعتبرت تركيا أنّه لا يحقّ لأحد وضع أيّ أنبوب في مناطق نفوذها، وأنّ على الدول المذكورة التفاوض معها في هذا الشأن، ما دفع إسرائيل وقبرص واليونان إلى الإسراع في توقيع الاتفاق.
الاتفاق لا يعني أنّ الأنبوب سيبصر النور قريبًا، فهو مُكلف ويواجهه: إيجاد الأسواق الأوروبية، وتقديم سعر تنافسي مع غاز روسيا وغيرها. وحتّى اليوم هذان الشرطان لم يتوفرا بعد، ولم نرَ حماسة من الشركات ومن الممّولين لهذا المشروع. لكن أيضاً هذا لا يعني أنّ الأنبوب مجرّد حبر على ورق، لكنّه لن ليس “على النار”.
أمام هذا المشهد الجديد لا يسعنا إلاّ العودة إلى سؤال: ماذا عن لبنان؟
صحيح أنّ التحدّي الأساس اليوم في لبنان هو إيجاد الغاز، لكن بعد الاكتشاف التجاري يأتي التحدّي الأكبر، وهو إيجاد الاسواق والتشبيك مع دول الجوار. وهنا بيت القصيد.
لبنان أعلن رسميًا رفضه الدخول إلى “منتدى شرقي المتوسط” بسبب وجود إسرائيل. والمتوقع أن يرفض لبنان الانضمام إلى مشروع أنبوب شرقي المتوسط، خصوصًا إذا جاء تمويله من شركات إسرائيلية ومن مانحين إسرائيليين. كما نرى كباشاً سياسياً بين تركيا ومصر.
يزداد التوتر بين تركيا وروسيا من جهة، ضدّ أوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى. والتموضع السياسي – الغازي أصبح واضحًا. وتسعى روسيا إلى خلق مساحة نفوذ طاقوي لها يمتدّ من العراق إلى سوريا ويضم جزءاً من شمال لبنان.
أمام كل هذه الانقسامات ماذا سيفعل لبنان؟ ماذا سيختار؟ أيّ جبهة سيدخل؟
على لبنان اليوم التركيزعلى الاكتشاف الأوّل، وتأمين السوق المحلي، وإبعاد الكارتيلات والمصالح القديمة عن هذا القطاع، وبعد ذلك لكل حادث حديث.
ولبنان محظوظ اليوم أنّه متأخر عن الآخرين في المنطقة بالاكتشافات.
فيما تشتعل المنطقة توتّرا نفطياً، ينتظر لبنان الحفّارة، وإذن هو ليس مضطراً لاتخاذ قرار بشأن المحاور الإقليمية السياسو – نفطية.
ربّ ضارّة نافعة.

 

[PHOTO]

[PHOTO]

 

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…