وزير دفاع العهد (1): بالزفت جئناكم

مدة القراءة 4 د


لم “يتهنَّ” وزير الدفاع إلياس بو صعب كما غيره من وزراء الحكومة الثانية للرئيس سعد الحريري في عهد ميشال عون بولاية وزارية طويلة العمر تمنحه الوقت الكافي لكسر عقدة هيمنة “مكتب القائد” على مكتب “معاليه” وترسيم الحدود بالنَصّ والفعل بين الطرفين.

هي مسألة صلاحيات وفرض هيبة بين وزير الوصاية وقيادة الجيش التي تخضع لسلطته وفق نصّ المرسوم الاشتراعي 102، إضافة إلى مؤسسات وزارة الدفاع كافة، وهي المفتّشية العامة والمجلس العسكري والمديرية العامة للإدارة.

على مدى عقود أنتج هذا الواقع حساسيات تقليدية بين وزراء الدفاع وقادة الجيوش، كانت تخفّ أو تكبر بحسب شخصية الطرفين واختلفت معالمها بين ما قبل مرحلة الوصاية السورية وما بعدها.

لم يكن سهلاً المواءمة بين جنوح رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل، بالتنسيق مع الرئاستين الثانية والثالثة، في دفع الجيش إلى المساهمة بمشروع تخفيض عجز الدين العام، وبين الخطوط الحمراء للمؤسسة العسكرية في منع “التعدّي” على الحقوق المكتسبة

كان يُتوقّع لمَن أتيا من الملعب السياسي نفسه أن يشكّلا فريق عمل منسجماً. لكن لم يصحّ هذا التوقّع لا مع وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف ولا مع بو صعب الذي يستعدّ لمغادرة اليرزة على وقع خلاف مستحكم مع قائد الجيش العماد جوزف عون، كرّس حرباً باردة بينهما والإنقطاع التام عن التواصل منذ أشهر، رغم الأمتار القليلة التي تفصل بين مكتبيهما، وانتهى بعدم ترؤس قائد الجيش وفداً لمعايدة وزير الدفاع في نهاية العام كما يفرض البروتوكول.

الجردة العسكرية بـ “إنجازات ومآثر” بو صعب في وزارة الدفاع لا تبدأ منذ تعيينه في موقعه، حيث شهد مبنى قيادة الجيش احتفالاً بقطع عسكريين قالب حلوى إحتفاءً بالقادم إلى عالم العسكر (في ظاهرة لم تحصل سابقاً) ولا تنتهي بمؤتمره الصحافي الإستعراضي حول الطائرتين الإسرائيليتين اللتين استهدفتا الضاحية الجنوبية في آب الماضي والذي كان يمكن أن يختصر ببيان رسمي من قيادة الجيش أو مؤتمر يشارك فيه حصراً ضباط من أهل الإختصاص، مروراً بملابسات معركة حقوق العسكر في الموازنة.

لم يكن سهلاً المواءمة بين جنوح رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل، بالتنسيق مع الرئاستين الثانية والثالثة، في دفع الجيش إلى المساهمة بمشروع تخفيض عجز الدين العام، وبين الخطوط الحمراء للمؤسسة العسكرية في منع “التعدّي” على الحقوق المكتسبة، وما بينهما الحركة الإعتراضية على الأرض للضباط والعسكر المتقاعدين.

مناورات بو صعب واللعب على الكلام إبّان مناقشة موازنة العام الماضي كانت واضحة بالنسبة للعديد من العسكر. يضاف إليها نشاطه الإستعراضي في ملف المعابر غير الشرعية واستغلاله لملف الحدود البرّية لتسجيل نقاط في رصيده الشخصي والسياسي، خصوصاً في مواجهة “القوات اللبنانية”. كذلك مواقفه الملتبسة غير الداعمة للجيش بعد عودة العميل عامر الفاخوري إلى لبنان. وهناك أزمة بريد الجيش الذي توقّف وزير الدفاع لفترة عن توقيعه ربطاً بأزمة المراسيم التطبيقية. وصولاً إلى مرحلة الإنتفاضة في الشارع، التي وضعت كلّاً من بو صعب، ومن خلفه رئيس الجمهورية وباسيل، أمام حسابات سياسية مغايرة عن حسابات قائد الجيش. الأخير قرأ معطيات الأرض ومتطلباتها وحساسيتها وتصرّف على هذا الأساس توخّياً لوقوع المحظور. ونشاطات وزير الدفاع من قلب مكتبه أيضاً، المنشورة في مجلة الجيش، تشي بنزعة قوية صوب الـshow off باتت مادة تندّر في اليرزة، كونها تعكس التعاطي مع الحقيبة السيادية كمنصة أرثوذكسية في خدمة مشروع صنع الزعامة ومراكمة الأصوات التفضيلية في صناديق النيابة.

ونائب المتن، على ما يبدو، لم ينجح في ضبط حدود دوره في اليرزة. لم يكن أمراً مألوفاً موكب وزير الدفاع  يشقّ طريقه وسط البلدات المتنية ليتمركز في الخنشارة. نقطة “استراتيجية” لاستعراض أعمال التزفيت، ولإلقاء كلمة في المناسبة، وأخذ الصور، ثم نشرها على حيطان “تويتر”.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…