استحقها جبران باسيل. ظل يعاند ويكابر ويتجاسر حتى أتاه من يلوي ذراعه. ليس ثمة في الانكسار مكانة للشماتة، وهي فعل وضاعة لا يستسيغها النبلاء، لكنها تصح قطعًا إزاء هذا الرجل الذي لن نشبع من النظر اليه بينما يتدحرج في الحفرة التي حفرها لنا جميعًا.
إقرأ أيضاً: باسيل في مؤتمر الاستسلام: دخيل عرضكم
أراد جبران باسيل كل شيء دفعة واحدة. السلطة والمال والوازرة والنيابة ورئاسة الجمهورية والغار والنفط والكهرباء والبواخر والمياه والسدود. صار فجأة ذاك الثقيل الذي حطت به الرحال فوق يومياتنا المتعبة. ثم راح يستحضر في عجالته الدائمة كل بائد في التاريخ وكل مستفز في الجغرافيا ليخبرنا مرة تلو مرة أنه هبة مستدامة التوهج، وأن علينا أن نرفع له القبعات، وأن نشكر الباري على جزيل نعمته التي انعم، لأننا نعيش في عصر جبران باسيل.
لا أحد استطاع أن يكبح جماحه على النحو الذي نشتهيه. ارتصف منذ البدايات في تحالف مكثف الابتزاز مع حزب الله، واخذ يعزف سمفونية مقيتة حول مظلوميات لا تنتهي، ثم راح يتقوقع أكثر فأكثر في أقبية الأقليات الحالكة، وفي مشاريعهم الفظيعة وأفكارهم العقيمة وممارستهم الممزوجة بالذعر والكراهية والدم. أراد لكل هذا أن يؤسس لعظيم سلطانه، وأن يُشكل المدماك الأصلب في المعادلة السياسية الغائرة في الحقد والتشفي، وفي الصلافة والاضمحلال، حتى استحالت معه وعبره وتحت رايته شكلاً فريدًا من أشكال الخواء المطلق، ذاك الذي لا يستقيم إلا مع قلة قليلة من مرضى القلوب والنفوس، وهو لا شك منهم، بل وعلى رأسهم.
أراد جبران باسيل كل شيء دفعة واحدة. السلطة والمال والوازرة والنيابة ورئاسة الجمهورية والغار والنفط والكهرباء والبواخر والمياه والسدود
عهد ميشال عون دمره جبران باسيل، ودمر معه تياره وعائلته وتاريخه وحاضره ومستقبله. شاء الرجل أن يذهب بعيدًا في لعبة القضم والاستحواذ، غير آبه لكل التداعيات التي قد تنجم عن ممارسات من هذا النوع. شاء أيضًا أن يُعبّد طريقه إلى الأوهام، ولو على حساب حليف أو صديق أو رفيق نضال، وهو لن يتوانى للحظة عن التضحية بكل شيء، كل شيء، مقابل الوصول إلى حيث يريد أن يصل.
في كلامه الأخير، بدا جبران باسيل متوجسًا وخائفًا ومذعورًا، وهذا مبرر ومفهوم بعد العقوبات الأميركية المفاجئة التي طاولت شخصيتين يتقاسم معهما المعضلة عينها، لكنه بدا أيضًا أنه على وشك استدارة أو انعطافة، وكأنه أراد أن يُقدّم أوراق اعتماده، وأن يقول لكل من يعنيهم الأمر: تمهلوا. أرجوكم. لست ملتزمًا. ولا متحمسًا. ولا مجنونًا. أنا أبحث عن مصلحتي في كومة المصالح، ومستعدٌ أن أبيع لأجلها وأشتري، وأن أدور مع الواقع حيث دار.
بعد العقوبات التي طاولت علي حسن خليل ويوسف فنيانوس ليس كما قبلها، وهؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالوفاء والالتزام والمبادئ، مدعوون اليوم أن يُسمعونا أصواتهم في غمرة حك الركاب. أما نحن، فلا سبيل نسلكه سوى الشماتة، سنتفرج عليكم ونضحك، وأنتم تتقلبون فوق السعير الذي أوقدتموه.