بعد 42 عاماً على تأسيسها في 1978، وبعد أقلّ من شهرين على انفجار مرفأ بيروت، حطّت قوات “اليونفيل” في بيروت يوم الأحد الماضي ” بناءً على طلب من القوات المسلّحة اللبنانية، وعلى طلب تفويض من مجلس الأمن الدولي للبعثة باتخاذ “إجراءات مؤقتة وخاصة” لتقديم الدعم للبنان وشعبه في أعقاب الانفجارات”، كما ذكرت “اليونفيل” في بيان رسمي أصدرته.
إذا، بالتزامن مع مغادرة معظم الفرق التقنية التي ساهمت في التحقيق الجنائي والتقني، والفريق الدولي، من فرنسيين وروس وأتراك ومغاربة وأردنيين، الذي ساهم في عملية الإغاثة والبحث عن ناجين ورفع الأنقاض، وصلت “اليونيفيل” إلى المرفأ: “مع العلم أنّها كانت تستخدم المرفأ لتسلّم معدات خاصة بها أو إخراجها من لبنان، وعناصرها مولجون بمراقبة الحدود البحرية، وهذا الأمر يعنيها أيضاً بشكل مباشر”، بحسب مصادر عسكرية لـ “أساس”.
إقرأ أيضاً: الأميركيون يمسكون بمرفأ بيروت الجديد
هكذا دخلت قوات “اليونيفيل” إلى بيروت، للمرّة الأولى منذ تأسيسها، وسط مشهد داخلي سياسي ومالي واقتصادي خطير، ترافق مع انطلاقة مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وحضور أميركي، وسعي واشنطن الحثيث والدائم لتعديل مهام هذه القوات.
الانتشار العسكري والعملياتي ضمّ أيضاً مدرعاتٍ وآليات ثقيلة، مع اعتماد مجمّع الحدث الملاصق للضاحية الجنوبية كمقّر عام للقوات الدولية، ومنه ينطلق عسكريو “اليونفيل” للعمل في مرفأ بيروت
لكنّ قائد “اليونفيل” ستيفانو ديل كول قال مطمئناً إنّ “بعثتنا التي تضمّ أكثر من 10 آلاف جندي، تساعد البلد الذي يستضيفنا منذ أكثر من 42 عاماً. ويتماشى هذا الدعم أيضاً مع النداء الأخير لمجلس الأمن الدولي لتعزيز التعاون بين اليونيفيل والقوات المسلحة اللبنانية”.
خلال الأيام الماضية أعطت “اليونفيل” الأذونات لوسائل إعلامية لتصوير مسرح العمليات الإنقاذية على “البور” حصراً، حيث شوهدت عناصر عسكرية من التابعيات الفرنسية والنيبالية والصينية والإيطالية، تتولّى رفع ما تبقى من ركام والمساعدة في تنظيف مكان الجريمة وتعريب البضائع والمقتنيات التي لا تزال بحالة سليمة واستئناف أعمال الترميم والبناء بهدف تسريع عودة العمل بالقسم الأكبر من مرفأ بيروت”.
لكن كيف بدأ الأمر؟
عرضت هذه القوات المساعدة، وكان جواب الجيش أن “لا مانع”. كذلك أتى جواب الموافقة سريعاً من مجلس الأمن في نيويورك. فأعلم قائد “اليونفيل” ستيفانو ديل كول قائد الجيش العماد جوزف عون بهذه الموافقة في 16 أيلول الماضي. لكنّ “المهمّة محدّدة زمنياً بثلاثة أسابيع للمساعدة في استمرار عملية إزالة الركام داخل المرفأ. وإذا احتجنا اليهم خارج المرفأ في المناطق المتضرّرة سيتمّ هذا الأمر بإشرافنا وتوجيهنا وتعليماتنا، بالتنسيق مع فوج الأشغال في الجيش، المسؤول عن إزالة الركام ورفع الأنقاض بفريق عمل يرتكز على المهندسين”، بحسب مصادر عسكرية لـ “أساس”.
الانتشار العسكري والعملياتي ضمّ أيضاً مدرعاتٍ وآليات ثقيلة، مع اعتماد مجمّع الحدث الملاصق للضاحية الجنوبية كمقّر عام للقوات الدولية (يضم نحو 150 عسكرياً)، ومنه ينطلق عسكريو “اليونفيل” للعمل في مرفأ بيروت. وهو الانتشار الأوّل من نوعه بهذا الحجم منذ وصول طلائع هذه القوات الى لبنان عام 1978.
وفق مصادر متابعة لا يمكن “أقلّه في الشكل، فصل هذا الانتشار عن مناخات دولية بدأت تسلّم بخروج الوضع اللبناني عن السيطرة وتساوي بين احتمالات الفوضى والحرب (مع إسرائيل أو بين القوى السياسية المتنازعة نفسها)، وبين احتمال الخروج من النفق المظلم، إضافة إلى الرغبة الدولية الدائمة بتوسيع نطاق عمل “اليونفيل”، إن كان في جنوب الليطاني أو في التمدّد بقاعاً لضبط الحدود البرية. والورقة الفرنسية المجمّد تنفيذها حالياً تنصّ بوضوح على وقف التهريب وضبط المعابر الشرعية وإقفال تلك غير الشرعية. وهو بند أساسي أيضاًً في شروط صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان. وهي مهمّة يعجز عنها الجيش بمفرده ويحتاج إلى مؤازرة دولية بأعداد كبيرة لتنفيذها”.
انتشار عناصر اليونفيل بقاعاً على الحدود أو في المرافئ والمطار أمر غير وارد وغير مطروح أصلاً في أروقة الامم المتحدة
بعض أفرقاء الداخل لا يتوانى عن الحديث عن “أولى مؤشرات تدويل الأزمة اللبنانية في حال سقوط كافة مخارج الإنقاذ والانهيار التام لتكون “اليونفيل” جزءاً من هذه المرحلة”. وهو منطق يُواجَه بواقعية أكبر من جانب مصادر دبلوماسية مطّلعة تجزم بأنّ “هذا السيناريو لا يخرج عن إطار التمنيات أو الجهل بالوقائع”، وأنّ “الموضوع أُعطيَ أكثر من حجمه، ولو كان هناك أيّ تعديل مبطّن في المهام لانعكس هذا الأمر إما في تصريحات الموالين لحزب الله في لبنان، أو لدى الروس والصينين، كما أنّ المنحى العام عالمياً الذي يفرض نفسه اليوم هو ضبط الميزانيات وليس زيادتها”.
وتوضح المصادر الديبلوماسية أنّه “منذ 1978 حتى اليوم كلّف وجود اليونفيل في لبنان نحو 10 مليارات دولار. ونطاق العمل الأساس كان ولا يزال الحدود الجنوبية، من دون القدرة حتّى الآن على تعديل مهامها. فيما السياق الذي مدّد فيه لعمل اليونفيل في 29 آب الفائت يكشف المنحى نحو تخفيض العديد من 15 إلى 13 ألفاً، والتقشف في الميزانية وسقوط منطق “التوسيع”. أما في السياسة “فلا خطة دولية للبنان اليوم سوى الورقة الفرنسية. وانتشار عناصر اليونفيل بقاعاً على الحدود أو في المرافئ والمطار أمر غير وارد وغير مطروح أصلاً في أروقة الامم المتحدة”.
وللمرّة الأولى دعا القرار، الذي تمّت صياغته فرنسياً وأميركياً، “حكومة لبنان إلى تسهيل الوصول السريع والكامل لليونيفيل إلى المواقع التي تريد القوّة التحقيق فيها، بما في ذلك كلّ الأماكن الواقعة شمال الخط الأزرق والمتّصلة باكتشاف أنفاق تسمح بعمليّات توغّل في الأراضي الإسرائيلية”، فيما دعا الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى “وضع خطّة مفصّلة، مع مواعيد وآليّات محدّدة، بالتّنسيق مع لبنان والدول المساهمة ذلك بهدف تحسين أداء اليونيفيل”.