بحسب معلومات خاصة بـ”أساس” يُعرب مصدر أمني تركي رفيع في مجالسه الخاصة عن “الإعجاب الكبير” بالتجربة الإيرانية بتصدير الثورة منذ نجاح التيار الإسلامي بالوصول إلى السلطة عام 1979 والإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي والاعتماد على إنشاء أذرع تابعة للحرس الثوري الإيراني في دول عربية وغير عربية بهدف إيجاد موطئ قدم لطهران في هذه الدول.
إقرأ أيضاً: هكذا سلّم قاآني العراق للولايات المتحدة…
المصدر عينه، يقول لزوّاره إنّ بلاده تعمد إلى اتباع النموذج نفسه في الدول التي تطمح أن يكون لها وجود بها حيث تقتضي المصلحة بتكرار تجربة “السلطنة العثمانية”، وإنما بشكل جديد. ويضيف المصدر أنّ كلًا من تركيا وإيران يجمعهما الكثير من القواسم المشتركة، حيث إنّ البلدين هما سليلا امبراطوريتين حكمتا نصف العالم ولا تستطيعان أن تقفا عند حدودهما. فتفتعلان حضوراً ميليشياوياً في دول الجوار والبعيدة أيضاً.
بدأت مجموعات “المرتزقة” الأردوغانية تعمل على تنفيذ الأجندة التركية التوسعية من خلال نموذج إيراني مُطوّر ومنقّح، بل وبتنسيق في بعض الحالات، كما هو نموذج حركة “حماس” التي تلقى الدعم من إيران وتركيا معًا
ويلفت المصدر الأمني التركي إلى أنّ بلاده وجارتها الشيعية تجتمعان أيضًا حول نموذج مؤسس منهج الإخوان التوسّعي “سيد قطب”، الذي كان الخميني متأثرًا به بشدة، وهذا ما يُفسّر التقاء كلّ من طهران وأنقرة على دعم حركات الإخوان في العالم العربي، كحركة “حماس” في فلسطين و”إخوان مصر” و”حركة النهضة” التونسية. مع العلم أنّه قبل اندلاع الثورة السورية كانت هناك محاولات إيرانية حثيثة لرفع الحظر عن تنظيم “الإخوان” في دمشق وإشراكهم بالسلطة مع حزب البعث. وقد وصلت هذه المحادثات إلى مرحلة متقدمة جدًا لولا اندلاع الثورة وتغيّر التوجّهات الإقليمية والاصطفافات.
تركيا انتهجت خلال الأعوام الماضية التجربة الإيرانية، عبر شركة أمنية تُدعىSADAT، وهي بمثابة الحرس الثوري لأردوغان. بحسب مصادر خاصة بـ”أساس” الشركة مسؤولة عن إنشاء وتدريب حركات مُسلّحة من دول عربية، خصوصاً في سوريا، وإرسالها إلى الجبهات القتالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنفيذًا لمطامع أردوغان التوسعية و”النفطية”. يترأس هذه الشركة الجنرال المتقاعد عدنان تانريفردي، الذي تمّ تعيينه مستشاراً خاصاً للرئيس التركي، بعد شهر من الانقلاب (2016). وتقول المصادر إنّ أردوغان منحSADAT وتانريفردي صلاحيات لا يمتلكها الجيش التركي ذاته، وذلك خوفًا من أيّ تحرّك لـ “الدولة العميقة” ضدّه…
“حرس أردوغان الثوري” هو المسؤول المباشر عن تصدير المقاتلين من سوريا إلى ليبيا ومؤخرًا إلى جبهات القتال بين أرمينيا وأذربيجان، حيث يهتم “الحرس” بإدارة العمليات وإدارة المجموعات المسلحة المرتبطة عقائديًا بالإخوان أو من أصول تركمانية في شمال سوريا ويُلقي عليها تسميات ترتبط بالعثمانيين، منها “فرقة السلطان مراد” و”الفاتح” وغيرها. وبهذه التحركات يكون أردوغان قد بدأ بتنفيذ رغبته في نسخ التجربة الخمينية داخل الشارع الشيعي، التي بعد حملها شعارات دينية، أوجدت غيرةً في الشارع السني العربي. وبدأت مجموعات “المرتزقة” الأردوغانية تعمل على تنفيذ الأجندة التركية التوسعية من خلال نموذج إيراني مُطوّر ومنقّح، بل وبتنسيق في بعض الحالات، كما هو نموذج حركة “حماس” التي تلقى الدعم من إيران وتركيا معًا. إذ كان لرئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية موقف بارز ليلة الانقلاب في تركيا، دعمًا لأردوغان، وسافر من غزة إلى إيران لتشييع قائد قوّة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني الذي وصفه هنية بكلماته الشهيرة: “شهيد القدس”. ليعود مؤخرًا ويلتقي، برفقة نائبه صالح العاروري (صلة الوصل الرئيسية بين “حماس” والحرس الثوري)، بالرئيس التركي أردوغان، رغم أنّ تركيا عضو في حلف “الناتو” الذي ترأسه الولايات المتحدة. والأخيرة استنكرت هذا اللقاء، ليعود هنية بعد لقائه أردوغان يحطّ رحاله في بيروت ويلتقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ويُطلق مواقفه الشهيرة من مخيم عين الحلوة محمولاً على الأكتاف والبنادق.
“تركيا وإيران” تعملان على حلف بين أطراف الإسلام السياسي بشقّيه السنّي والشيعي وعينهما على اقتسام الدول العربية، وكلاهما يحاول التخفيف من نقطة خلاف مركزية هي سوريا، دون نجاح يذكر حتى الآن
حماس هي نموذج عن مدى التنسيق الإيراني التركي في المنطقة. وإن اختلف طرفاه في بعض الملفات، إلا أنّ التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط والتطبيع الإماراتي والبحريني مع إسرائيل جعل أنقرة وطهران أكثر التصاقًا، أقلّه على مستوى التنسيق الأمني في المنطقة، وعلى مستوى إبرام حلف غير معلن يضم تركيا وإيران وحزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي، لمواجهة ما يُعرف بـ”دول الاعتدال العربي”. دول توجّهت نحو تطبيع ترى فيه أطرف “الحلف” موجّهًا ضدّها بالدرجة الأولى.
“تركيا وإيران” تعملان على حلف بين أطراف الإسلام السياسي بشقّيه السنّي والشيعي وعينهما على اقتسام الدول العربية، وكلاهما يحاول التخفيف من نقطة خلاف مركزية هي سوريا، دون نجاح يذكر حتى الآن.