الحروب تنتقل من اليونان إلى أرمينيا وأذربيجان: إنّه الغاز

مدة القراءة 7 د


رغم أنّ إقليم قرّه باغ ذي الغالبية الأرمنية لا يتمتّع بأيّ موارد طبيعية، إلّا أنّ وقوعه ضمن الأراضي الأذربيجانية لطالما شكّل مسرحًا للصراعات والنزاعات بين الانفصاليين الأرمن وبين الحكومة الآذرية، منذ أيّام الاتحاد السوفييتي، مرورًا بحقبة التسعينات، وصولاً إلى اليوم. إلا أنّه في كلّ مرّة تكون الأسباب والدوافع متعلّقة بالرغبة في الهيمنة على منطقة بحر قزوين، الذي يجمع أكبر 3 دول منتجة للغاز في العالم: روسيا وإيران وأذربيجان.

إقرأ أيضاً: فرنسا: 5 أحجار نفطية بحجر بيروتيّ واحد

منذ عام 2011، يشهد الشّرق الأوسط نزاعات وصراعات متعدّدة يتعلّق أغلبها بخطوط الغاز والنّفط  في شرق المتوسّط كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا والتجاذب المتصاعد بين تركيا وقبرص واليونان ومصر وإسرائيل في حوض البحر الأبيض المتوسّط. إلا أنّ صراع خطوط الغاز و”رحلته” إلى أوروبا من بحر قزوين أشعل “حربًا” تاريخية بشكل مفاجئ بين الانفصاليين في إقليم قره باغ وبين أذربيجان.

في فترة التسعينيات، شهد الصّراع بين أذربيجان وأرمينيا تطوّرًا مهمًّا، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السّوفياتي، الذي كانت كلا الدولتين تقبعان تحت سلطته

تاريخيًا تدعم روسيا أرمينيا منذ أيّام الاتحاد السّوفييتي، الذي دعم تثبيت الانفصاليين الأرمن في قلب الأراضي الأذرية. وكذلك إيران تدعم أرمينيا بوجه أذربيجان ذات الغالبية الشيعية، وذلك لاعتبارها أنّ أذربيجان هي حليفة الغرب والولايات المتحدة، كما اتهمتها سابقًا بتسهيل عمل الموساد الإسرائيلي على حدودها. رغم أنّ مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي هو من أصول أذريّة، وليس فارسيًا كما يظنّ كثير من النّاس.

على المقلب الآخر، تدعم تركيا أذربيجان لاعتبارات عديدة، أوّلها أنّ الآذريين هم من أبناء العرق التركي، كما أنّهم، خلال أيّام السّلطان عبد الحميد كانوا من الدّاعمين له والمشاركين في الحروب التي خاضها السّلطان العثماني ضدّ الأرمن. وحتّى قبل عبد الحميد في أيّام السّلطان سليمان القانوني كان للأذريين دور مهمّ في الحروب التي خاضتها السلطنة العثمانية ضدّ الدّولة الصّفوية ذات التوجه الشيعي الإثني عشري. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأحزاب السياسية التركية تتبنّى شعار “شعب واحد في دولتين” للتعبير عن عمق العلاقة القومية والسياسية بين تركيا وأذربيجان.

ويتجلّى دعم روسيا وتركيا طرفَي الصّراع في قرّه باغ بالسّلاح الذي يُستعمل من الجانبين، حيث تعتمد أرمينيا على الأسلحة الرّوسية وفي مقدّمتها صواريخ كورنيت المضادة للدروع، وأنظمة الدفاع الجوي، بينما ظهر في المعارك الأخيرة اعتماد الجيش الأذربيجاني على الطائرات التركية المسيّرة المعروفة باسم “بيرقدار”.

في فترة التسعينيات، شهد الصّراع بين أذربيجان وأرمينيا تطوّرًا مهمًّا، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السّوفياتي، الذي كانت كلا الدولتين تقبعان تحت سلطته، فقامت أرمينيا عام 1991، مباشرة بعد انهيار السّوفياتي، بدعم انفصال إقليم “قره باغ” عن أذربيجان، ثم أكملت ما بدأته عبر السيطرة على طريق ممرّ ضيق يصل بين قره باغ والأراضي الأرمينية، ويدعى “ممرّ لاتشين”.

في العام 1993 سيطرت أرمينيا على المزيد من الأراضي الأذريّة، ثم جرى توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار في العام 1994 ثبتت الأمر الواقع إلى يومنا هذا، دون أن يتم حلّ جوهر القضية.

وفي العام الجاري، في شهر حزيران الماضي، شهد الصراع الأرميني الأذربيجاني تطوّرًا مفصليًا، بعدما اندلعت مواجهات للمرة الأولى خارج الإقليم المتنازع عليه قره باغ، وكذلك خارج الأراضي الأذريّة التي سيطرت عليها أرمينيا سابقًا؟ فدارت مواجهات عسكرية في منطقة “تافوش” الحدودية بين البلدين، بعدما شنت القوات الأرمينية هجوماً مدفعياً على مواقع تتبع للجيش الأذربيجاني، ليتطوّر الأمر إلى اشتباكات. كذلك الأمر خلال الأيام الماضية حيث اندلعت اشتباكات هي الأعنف بين الطرفين منذ عام 1993.

كما تعتبر منطقة بحر قزوين التي توجد فيها كلا الدّولتين والإقليم محلّ النزاع، منطقة استراتيجية مهمّة، وتشكل إحدى البوابات الرئيسية للعبور باتجاه أوروبا ولتمرير الطاقة إلى القارة الصناعية. هذه الأهمية أدّت إلى تنافس محموم بين دول بحر قزوين، أبرزها إيران وروسيا وأذربيجان. فأفرز الصراع الأذري – الأرمني اصطفافات دولية، تسعى أطراف عديدة لاستثماره كورقة ضغط ضد الخصوم.

وتجدر الإشارة إلى أنّ تركيا تعتمد على أذربيجان كمصدر رئيسي للطاقة، وإنّ هذا الاعتماد أدّى لتخفيض اعتمادها على روسيا في تأمين احتياجاتها من الغاز إلى قرابة 40%، بعد أن كانت وصلت في العام 2015 إلى معدّل تخطّى الـ 56%.

وفي عام 2019 قامت أنقرة بتنفيذ مشروع لوصل خط غاز “تاناب” يبدأ من أذربيجان بخط غاز “تاب” على مقربة من الحدود التركية مع الاتحاد الأوروبي، ليصبح مصدرًا رئيسيًا لتغذية أوروبا بالغاز الطبيعي.

لا يستبعد المراقبون أن تلجأ روسيا إلى دفع أرمينيا نحو تصعيد عسكري في المنطقة التي تضمّ أنابيب الغاز قرب الحدود مع أذربيجان، وذلك للضغط على قرار تركيا النهائي

من جهتها، وجدت روسيا في هذا الصراع وفي موقع أرمينيا الاستراتيجي فرصة مهمة من أجل الضغط على المصالح الأوروبية والتركية معًا، إذ تتيح المرتفعات الأرمينية الاستراتيجية الإشراف على طرق إمداد الطاقة وخط أنابيب الغاز الطبيعي الواصلة بين أذربيجان وأوروبا عن طريق الأناضول. حيث قامت خلال العام 2016 بتقديم قرضٍ ميسّرٍ لأرمينيا من أجل تزويدها بأسلحة تسهم في تفوّقها العسكري على غريمتها أذربيجان.

ومع وصول النزاع إلى منطقة “توفوز” المحاذية لمرور خط أنابيب القوقاز المغذّي لخط “تاناب” الذي ينقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا، يسأل المراقبون عن هذه التحرّكات، خاصة أنّ ذلك تزامن مع جولة مفاوضات تركية روسية في نيسان 2020 من أجل تجديد اتفاقية توريد الغاز إلى تركيا بأسعار أخفض من السابق، دون تمكّن الطرفين من التوصل إلى اتفاق، وهذا ما دفع تركيا للتوجه أكثر إلى أذربيجان كبديل عن روسيا لاستيراد الغاز، وهذا ما يزيد من مخاوف روسيا من فقدانها مكانتها ضمن سوق الطاقة التركي المؤدي إلى الاتحاد الأوروبي.

ولا يستبعد المراقبون أن تلجأ روسيا إلى دفع أرمينيا نحو تصعيد عسكري في المنطقة التي تضمّ أنابيب الغاز قرب الحدود مع أذربيجان، وذلك للضغط على قرار تركيا النهائي، ودفعها إلى عدم التخلي بشكل تامّ عن الغاز الروسي ضمن المفاوضات المستمرة حول تجديد عقود توريد الغاز بين البلدين التي تنتهي مع حلول عام 2021. ويقول المراقبون أيضًا إنّ هذا الضغط يتوافق مع استراتيجية روسيا في الضغط المستمر على القارة الأوروبية عن طريق توريد الطاقة.

أمّا إيران، فهي أيضًا بدورها تمتلك علاقات وشراكات مهمة مع الأرمن، على اعتبار أن بين طهران وباكو منافسة قديمة  العهد في بحر قزوين، ولا يسبتعد المراقبون لجوء طهران إلى دعم أرمينيا عسكريًا بوجه جارتها اللدود. لأنّ إيران تحاول تحقيق أهدافاً عديدة من خلال دعم أرمينيا، أبرزها الضغط على أذربيجان لكبح نشاطها في سوق الطاقة، خصوصاً الغاز، وتهديد مصدر مهمّ للطاقة الواردة إلى القارة العجوز، والتأثير تالياً على موقف دول الاتحاد الأوروبي من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران بسبب البرنامج النووي، وكذلك الضغط على تركيا، بالشراكة مع روسيا، لأسباب تتعلّق بالملف السّوري ومفاوضات أستانة، وهذا ما يُفسّر الأنباء عن نقل تركيا مقاتلين سوريين موالين لها لجبهات القتال بين أرمينيا وأذربيجان.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…