الحزب يسيطر على الحدود.. فكيف دخل الإرهابيون؟

مدة القراءة 5 د


ما يجري الآن هو تدشين لمرحلة جديدة من إنتاج “الإرهاب السنّي” في إطار مساعي “حزب الله” لخلط الأوراق وقلب المعادلات الراهنة، في عملية سياسية وأمنية معقّدة ومُحكمة، يريد لها أن تنتهي باستعادة تفويضه دولياً بملف مكافحة الإرهاب، وبالعودة إلى زمن الحكومات المدعومة دولياًً والمحكومة إيرانياًً، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لنرصد كيف تلاحقت التطوّرات الأمنية في الشمال منذ عملية كفتون وما تلاها من تداعيات وملاحقات وانكشافٍ شبكات إرهابية يبدو أنّها تلقّت ما يشبه كلمة السرّ. وجاء ذلك، ويا للمصادفة، بعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في 30 آب 2020، عندما قال إنّ “هناك محاولة لإعادة إنتاج داعش في العراق وفي شرق الفرات، في منطقة الجزيرة التي توصل للسخنة وتدمر.. وبالتأكيد، ستكون الجرود واحدة من الأماكن التي يتطلّعون إليها مجدّداً”.

إقرأ أيضاً: عملية “نظيفة” لـ”شعبة المعلومات” في وادي خالد… والردّ في المنية

لكن مسار هذه المجموعات لم يقتصر على الجرود، بل إنه وصل إلى الحدود الشمالية في عكار. وقد شهدت بلدة تلكلخ اختراقات أسفرت عن دخول المجموعة التي اشتبكت مع شعبة المعلومات في بلدة الفرض بوادي خالد، لتبدأ مرحلة جديدة من تصدير الإرهاب بأسلوب معدّل حسب مقتضيات المرحلة، وحسب الحاجات المستجدّة لاستخدامها، محلياً وخارجياً.

لهذا، لا يمكن اعتبار ما جرى في كفتون ثم البيرة فجبل البداوي وبعدها سهل دنحي الواقع بين الضنية وزغرتا، وصولاً إلى وادي خالد ومعسكر عرمان، من ملاحقات واشتباكات مع مجموعات مسلحة تحمل البصمة الداعشية، سوى بداية تظهير إعادة إنتاج هذا التنظيم الإرهابي في لبنان، بأيادٍ محلية وخارجية.

ما جرى في عكار والمنية يدفع إلى التدقيق في وقائع يجري تجاهلها لأسباب غير مفهومة رغم تأثيرها على الأمن والاستقرار في البلد

بدأت أحداث السبت الدامي (26 أيلول 2020) في بلدة الفرض بوادي خالد، حيث رصدت شعبة المعلومات مجموعة ذات صلة بالإرهابي خالد التلاوي، وتابعت أفرادها البالغ عددهم 15 عنصراً وتمكنت من محاصرتهم، ليقع اشتباك يودي بحياتهم. وبحسب مصادر في الوادي، فإنّ أغلب أعضاء المجموعة سوريون، وقدموا إلى الوادي منذ خمسة أيام، وأقاموا في بيت يقع في خراج البلدة.

وفي عملية متزامنة تعرّض مركز الجيش في عرمان – المنية لهجوم قام به المدعو عمر بريص مع آخرين، وكان الهدف منه تنفيذ عملية انتحارية في المركز، لكنه قُتل قبل أن يتمكّن من التنفيذ، وأسفر الهجوم عن استشهاد عسكريّين اثنين.

ما جرى في عكار والمنية يدفع إلى التدقيق في وقائع يجري تجاهلها لأسباب غير مفهومة رغم تأثيرها على الأمن والاستقرار في البلد، أهمها:

ــ أنّ الحدود من الجانب السوري واقعة بالكامل تحت سيطرة نظام الأسد و”حزب الله” ومنذ إطباق هذه السيطرة، وهي مضبوطة بشكل تام، ولا تشهد خروقات أمنية، بينما يحظى التهريب بالرعاية شبه الرسمية وبتشجيع من الحزب والنظام في إطار ما يعتبرانه وسيلة لمواجهة الحصار. لهذا لا يمكن فهم التراخي الأمني الحدودي سوى أنّه تسهيل مقصود لعبور العناصر الإرهابية.

ــ أين هي الرقابة الأمنية على “معبر حكر الضاهر” الذي تسيطر عليه ميليشيا رفعت عيد، ويجري استخدامه بدون أيّ متابعة من أجهزة الدولة، وقد تحوّل إلى بؤرة مشبوهة وثغرة أمنية خطرة؟

ــ تحوّلت بعض المخيمات السورية في منطقة الدبوسية إلى نقطة استقطاب للمجموعات المشبوهة، وهذه المخيمات ليست مخصّصة للاجئين السوريين، بل هي مليئة بمناصرين للنظام يقيمون على طرفي الحدود، ويمارسون كلّ أنواع التهريب الممنوعة، بما فيها السلاح والذخائر.

اللافت أنّ توقيت إشعال الاشتباكات جاء قبيل انعقاد جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل، التي يفترض أن تناقش موضوع العفو العام، لقطع الطريق على المطالبة بأن يشمل هذا العفو الإسلاميين

هذه الثغرات الحدودية المعروفة، مهملة تماماً وسائبة، وباستطاعة العابثين استثمارها إلى الحدود القصوى، وكلّها تحت سيطرة النظام السوري و”حزب الله”. لذلك، فإنّ قفز الإرهابيين من إدلب إلى الشمال، غير ممكن بدون التسهيلات الممانعة، دون أن توضع تحت الرقابة المشدّدة.

هذه اللعبة محكومة بالتوسع. فيتوقّع أن تستهدف المجموعات الإرهابية المناطق المسيحية، وهذا ما تخشاه قيادات مسيحية كبيرة. ومع اضطرار الجيش لنقل قسم كبير من قواته إلى الشمال، ستصبح بيروت في وضعية هشّة أمنياً، وهنا سيأتي دور الحزب في التحرّك أيضاً تحت ستار مكافحة الإرهاب.

ويلاحظ هنا أنّ أعداد السوريين والفلسطينيين المشاركين في العمليات الأخيرة كبير قياساً إلى اللبنانيين. وهذا مؤشر إلى الصعوبات التي تواجهها تلك المجموعات في اختراق الجسم السني في الشمال، رغم ارتفاع مستويات البطالة وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وهذا مؤشر وعي كبير لبنانياً. ويجب الانتباه إلى التحوّلات الجارية في الجسم الفلسطيني وما يحضّر له بعد زيارة اسماعيل هنية إلى لبنان، وهو صاحب القولة الشهيرة إنّ “قاسم سليماني هو شهيد القدس”.

اللافت أخيراً أنّ توقيت إشعال الاشتباكات جاء قبيل انعقاد جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل، التي يفترض أن تناقش موضوع العفو العام، لقطع الطريق على المطالبة بأن يشمل هذا العفو الإسلاميين، بعد إطلاق حملة إعلامية صاخبة ترفض العفو عنهم بزعم أنّهم يخرجون من السجون لينخرطوا في الإرهاب.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…