كويت “نواف” من ظلّ الأسطورة إلى التحدّيات القاسية

مدة القراءة 4 د


“حمى الله الديرة وأهلها”، عبارة يردّدها الكويتيون بعدما شعروا بفقد تعويذة حماية من صعوبات الزمن، شكّلها أميرهم السابق الراحل الشيخ صباح الأحمد.

يعزّيهم بالطبع أنّ أخاه، الشيخ نوّاف الصباح (83 عاماً)، اتّكأ على مسند الإمارة في اليوم التالي، وأقسم اليمين الدستوري في اليوم التالي، وفقاً لما كان الأمير الراحل قد قرّر بعد أسبوع على تولّيه الإمارة قبل 14 عاماً، عندما عيّنه ولياً لعهده.

إقرأ أيضاً: صباح الأحمد: سيرة أمير يحبه شعبه والعالم

لا يمنع أن يستشعر أبناء الكويت وبناتها مهابة الموقف. فالتحديات الماثلة والمقبلة على ديرتهم كبيرة، بل هي تتضخّم في الخارج والداخل على السواء. واقع  حمل الأمير الجديد في كلمته المقتضبة أمام مجلس الأمة على القول: “إنّ وطننا يواجه اليوم ظروفاً دقيقة وتحدّياتٍ خطيرة”.

عيّن الشيخ صباح أخاه نواف ولياً للعهد وابن شقيقه الشيخ ناصر المحمد رئيساً لمجلس الوزراء. وكانت مرحلة أعاصير واضطرابات سياسية وشعبية

والحال أنّ الأمير نواف بقي طوال عهد أخاه الراحل في ظلّه، فلم يتسلّم مسؤوليات مباشرة غير تمثيل الأمير في المناسبات والإنابة عنه عند غيابه، وبعض المهمات التي كان يكلّفه بها. فالأمير الراحل فصل في بداية عهده بين منصبي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وهما منصبان لطالما اجتمعا في رجل واحد من الأسرة الحاكمة، وكانت الحكمة من التدبير القديم أن يتدرّب ولي العهد ويتدرّج في تسلّم المسؤوليات والاطلاع على مشكلات البلاد والاحتكاك بالشعب.

هكذا عيّن الشيخ صباح أخاه نواف ولياً للعهد وابن شقيقه الشيخ ناصر المحمد رئيساً لمجلس الوزراء. وكانت مرحلة أعاصير واضطرابات سياسية وشعبية، شكّل خلالها الشيخ ناصر المحمد سبع حكومات في خمس سنوات بين 2006 و2011. وكانت استقالته الأخيرة لتجنيب البلاد الانعكاسات السلبية لتظاهرات في الشارع، اعتقد منظّموها أنها امتداد لأحداث “الربيع العربي” في الكويت. بعده ترأس الحكومات على التوالي الشيخ جابر مبارك الصباح، والرئيس الحالي الشيخ صباح خالد الصباح.

الأمير الراحل صباح الأحمد عرف أن يضبط جميع هؤلاء، داخل الأسرة وخارجها، بتطبيق حازم للدستور والقوانين، فانضبطوا. غادر بعضهم الكويت وعاد طالباً العفو من الأمير وناله، بينما بقي آخرون في وضع الاستعداد للعودة وطلب العفو

إلا أنّ ابتعاد ولي العهد الطويل عن ممارسة السلطة المباشرة، ساهم في إشاعة انطباع عام، خلال الأعوام الأخيرة خصوصاً، بأنّه زاهدٌ في الحكم إلى حدّ ما، يمضي أوقاتاً طويلة في التأمل والصلاة، في حين كان يحتدم في الكواليس تنافس قوي بين أفراد في الأسرة الحاكمة، شجّع خصوماً ضمنيين للنظام من خارج الأسرة، ومطالبين برئاسة لمجلس الوزراء من الشعب، مع تقييد صلاحيات الأمير لتصير أقرب إلى صلاحيات ملكة بريطانيا.

استخدم هؤلاء وسواهم أساليب التحريض الإعلامي والسياسي والشعبي،  وأقاموا تحالفات متلاقية ومتعارضة اعتمدت الأسلوب الفضائحي، ما أشعل جواً من قلق وحساسياتٍ متنوّعة، طائفية وقبلية ومناطقية، جعلت الديرة، المعروفة بهدوئها وسكينتها، كأنّها تتقلّب على نار، فوق أنّها البقعة الأعلى حرارة على وجه الأرض.

لكنّ الأمير الراحل صباح الأحمد عرف أن يضبط جميع هؤلاء، داخل الأسرة وخارجها، بتطبيق حازم للدستور والقوانين، فانضبطوا. غادر بعضهم الكويت وعاد طالباً العفو من الأمير وناله، بينما بقي آخرون في وضع الاستعداد للعودة وطلب العفو.

كلّ ذلك والشيخ نواف ولي العهد غير منخرط في المعمعة. وسيكون اختياره تالياً لولي عهده مسألة دقيقة جداً ومصيرية.  ويظهر أنّ الترشيحات محصورة بين ثلاثة كبار في الأسرة، لكلّ منهم عناصر قوّته ونقيضها : شقيق الأمير، كبير الأسرة ونائب رئيس الحرس الوطني الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. ابن شقيقه رئيس مجلس الوزراء الأسبق الشيخ ناصر المحمد. وابن الأمير الراحل وزير الدفاع السابق الشيخ ناصر صباح الأحمد.

هي مسألة أيام تحدّد مسار”إمارة الخير”، وسط تقلّبات عاتية في المنطقة، يرفدها موقع الكويت الاستراتيجي على خطّ الصراعات الإقليمية والدولية، بعد وداع أسطورتها الغالية، وميزان الحكمة في عالم العرب.

 

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…