انتظر رئيس الجمهورية ميشال عون غطاءً لتأجيل الاستشارات النيابية من الرئيس نبيه بري أو هيئة مكتب المجلس، لكنّ الضوء الاخضر لم يصدر من عين التينة. وأكثر من ذلك، فُسّر التأجيل من جانب نائب كتلة التنمية والتحرير أنور الخليل بأنّه “طعنة وانحياز فاضح لرغبات أهل البيت”!
التخريجة الرئاسية عبر قرار دفش الاستشارات لأسبوع واحد “بطلب من بعض الكتل النيابية” عمّقت الأزمة ولم تحمل مؤشرات الحلحلة. “الفدائي” الوحيد الذي تبرّع بالكشف عن طلبه من عون تأجيل الاستشارات هو النائب هاغوب بقرادونيان. يمكن بالتأكيد فهم مغزى نجاح كتلة من ثلاثة نواب بالتلاعب بروزنامة تكليف ينتظره المجتمع الدولي! يحدث ذلك في وقت طرحت تساؤلات جدّية عمّا إذا ما كانت المهلة كافية فعلاً لتجاوز مطّبات إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة في الوقت كان “سكور” التكليف مؤمّناً في الاستشارات المؤجّلة.
إقرأ أيضاً: الفيتوات تحاصر الحريري: جنبلاط وباسيل وجعجع.. وشروط “الثنائي”
أما آخر المصطلحات التي دخلت إلى قاموس التكليف وتأليف الحكومات، فهو ما عمّمته مصادر رئاسة الجمهورية على وسائل الاعلام أمس حول ضرورة حصول “المكلّف ليس فقط على أكبر عدد ممكن من التأييد النيابي، بل من الأفضل أن يسمّى الرئيس المكلّف بـ”إجماع مناطقي”، ما يعني اختراع “ميثاقية مناطقية” غير منصوص عليها في الدستور اللبناني.
وهنا عَلِم موقع “أساس” أنّ رئاسة الجمهورية تقصّدت الإضاءة على ما اعتبرته “ثغرة أساسية” كان يمكن أن تعتري التكليف، ليس فقط بفقدان ميثاقية الصوت المسيحي بشكل عام بل بغياب محافظة جبل لبنان بالكامل عن خارطة التسمية، والتي يؤمّن تمثيلها في الاستشارات النواب المسيحيون في كتلتيّ التيار والقوات”!
ما حاول الحريري تجنّبه، عاد ووقع في “فخّه”. التكليف يعوزه “الرضى الباسيلي” والتأليف يعوزه “الرضى الشيعي” ما يجنّبه “تكليفاً من دون تأليف وتأليف من دون ثقة”، كما أشارت مصادر رئاسة الجمهورية
في المحصلة، لا إيجابية نبيه بري وحزب الله، ولا تفعيل الاتصالات بين بيروت وباريس، ولا تغيير وليد جنبلاط رأيه تحت الضغط الفرنسي، ولا اللهجة المخفّفة التي رصدت للمرة الأولى لدى “اللقاء التشاوري” حيال الحريري، ولا تفلّت بعض الأصوات من تحت جناح “تكتل باسيل”، ولا خروج “الطاشناق” عن طاعة ميرنا الشالوحي، ولا عرض العضلات لإيلي الفرزلي وتبشيره بالحريري القادم على “حصان” الإصلاحات والدولارات، ولا “حاجة” الجميع لحكومة واستنفاد الخيارات… كلّ ذلك، لم يساعد سعد الحريري لانطلاقة موكبه باتجاه القصر الجمهوري لتبلّغ نتيجة تسميته رئيساً للحكومة في خميس 15 تشرين الأوّل.
باختصار، ما حاول الحريري تجنّبه، عاد ووقع في “فخّه”. التكليف يعوزه “الرضى الباسيلي” والتأليف يعوزه “الرضى الشيعي” ما يجنّبه “تكليفاً من دون تأليف وتأليف من دون ثقة”، كما أشارت مصادر رئاسة الجمهورية.
عملياً، ومنذ زيارة الحريري عون، ثم برّي، رَسم الأخير خارطة الطريق لدخوله مجدداً السراي الحكومي. قال له رئيس مجلس النواب: “إذهب وقم بجولتك واستشاراتك. أنا وحزب الله إلى جانبك وبعد التكليف منحكي. من المؤكّد سنصل الى حلّ. البلد ما بيحمل أكتر”.
تلازمت “نكسة” وفد الترسيم الحدودي مع “نكسة التكليف”. على الجبهتين توتر على خط الثنائي الشيعي من جهة وعون وباسيل من جهة أخرى… والحريري يقف في الوسط منتظراً تكليفاً بدا في الساعات الماضية مرتبطاً بـ “كلمة من باسيل”
العارفون يجزمون بإدراك برّي أنّ الحريري سيصطدم حتماً بالفيتو المسيحي. حاجز باسيل هو المعرقل وليس حاجز سمير جعجع. لذلك، بدا القرار الشيعي واضحاً منذ البداية: إيجابية معلنة قبل التكليف قابلة للتقريش عند التأليف، لكن من دون التنازل عن “قرار الشراكة”، ولا خلاف على آلية ترجمة ذلك. والتعطيل إن حصل، فليتحمّل مسؤوليته التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وهذا ما حصل فعلاً. تبرئة للثنائي الشيعي من إحباط مشروع التكليف في مقابل وضع باسيل نفسه في بوز مدفع المواجهة مع الحريري، خصوصاً بعد تراجع وليد جنبلاط عن قرار رفض تسميته الحريري.
هكذا تلازمت “نكسة” وفد الترسيم الحدودي مع “نكسة التكليف”. على الجبهتين توتر على خط الثنائي الشيعي من جهة وعون وباسيل من جهة أخرى… والحريري يقف في الوسط منتظراً تكليفاً بدا في الساعات الماضية مرتبطاً بـ “كلمة من باسيل”. نطقها سريعاً نائب البترون: “لن أغيّر رأيي برفض قبول الحريري رئيساً إلا بشروطي”. لم يقلها بالحرف الواحد لكنّه قصدها. وشروطه باتت معلنة ومعروفة. يتكشّف الوجه الأخر لها مع ما برز من معطيات في الساعات الماضية تفيد بأنّ عون الذي لم يمانع بإعادة طرح الحريري نفسه رئيساً للحكومة، وضع سريعاً خطة “ب” في حال وصل اقتراح رئيس تيار المستقبل إلى الحائط المسدود.
والخطة البديلة لاحت بوادرها بالأساس منذ اللقاء الاول الذي جَمع عون بالحريري في قصر بعبدا بعد القطيعة الطويلة بينهما. إذ أكّد رئيس الجمهورية أمام زائره أنّ طرح مرشح من قبله لرئاسة الحكومة لا يزال ممكناً. أما في الساعات الماضية فرشحت معلومات عن طرح عون في مجالسه احتمال ترشيح نائب بيروتي قريب منه أو آخر يعمل رئيساً لمركز أبحاث “لإبقاء كافة الاحتمالات مفتوحة”، ولقناعة عون بأنّ “سقوط اسم سعد الحريري لا يعني أنّ بعده الطوفان”. في وقت يرجّح مطلعون سحب الحريري اسمه مجدداً من التداول في كلمة يواجه فيها كّل “المعطّلين”، وإعلان فشل مبادرته إذا بقيت العقد على حالها حتى الخميس المقبل.
وفيما تقاطعت المعطيات كافة عند التأكيد بأنّ حَرَد باسيل هو الذي دفع رئيس الجمهورية الى تأجيل الاستشارات بعدما لمس استبعاداً له بالتزامن مع فشل مسعى حزب الله لفكفكة لغم باسيل – الحريري، فإنّ أوساط الثنائي الشيعي تشير إلى أنّه “إذا كان هناك من يتذرّع بغياب الميثاقية، فإنّ هذا الأمر كان مؤمّناً من خلال حضور أغلبية الكتل النيابية بما في ذلك نواب القوات. أما لناحية التسمية، ففيتو القوات والتيار لا يحجب وجود نحو 20 نائباً مسيحياً كانوا سيسمّون الحريري”.
وترى الأوساط أنّ “تأجيل الاستشارات أتى في معرض الضغط على الحريري، فيما وجهة نظر برّي الرافض للتأجيل كانت تقضي بصعود الكتل النيابية إلى بعبدا، وليتحمّل الجميع مسؤولياته”.