في الحلقة الثانية، يعود الحاج عبد الغني كبارة إلى بداية علاقته بتيار المستقبل، التي اتسمت في بعض مراحلها بالاعتكاف، لتصل إلى حدّ القطيعة النهائية منذ 9 أشهر. إذ لم يحصل من حينها أيّ تواصل بينه وبين سعد الحريري وذلك بعد اتهامه من قبل “المستقبل”، بأنّه “مع الثورة”. يا لها من تهمة. وبالطبع يسخر كبارة من هذا الاتهام قائلاً: “لي الشرف أن أكون مع الثورة، لكنّ الثوار لم يقبلوا بي لأنّي كنت في حينها محسوباً على تيار المستقبل”.
بدأت تلك العلاقة بشكلها التنظيمي بعدما طلب منه الرئيس سعد الحريري بين العام 2006 -2007 أن يتولّى مهام منسق عام تيار المستقبل في محافظة الشمال. يتحدّث “الحاج” عن تلك المرحلة واصفاً الواقع فيها بالأفضل من المرحلة اللاحقة.
إقرأ أيضاً: عبد الغني كبّارة لـ”أساس”(1): هذه أسباب فشل الحريرية السياسية
في تلك الفترة عمل “الحاج” ليلاً نهاراً، على ملف الشمال، ولمدة 4 سنوات. بعدها طبّق تيار المستقبل نظاماً جديداً ولم يعد هناك من مركزية في الشمال. واستلم أحمد الحريري الأمانة العامة لتصبح المناطق جميعها تابعة له. هذا النظام لم ينسجم وتطلّعات كبارة الذي فضّل الابتعاد، وغادر إلى السعودية كي يتابع أعماله في الرياض.
في تلك المرحلة لم تنقطع العلاقة مع الحريري، لكن كانت بعيدة عن الشقّ السياسي. وظلّ كذلك حتى العام 2012، حينما ورد للحاج اتصال من النائب نهاد المشنوق أبلغه به أنّ الحريري يريد محادثته، وخلال المحادثة تمّ الاتفاق على لقاء حينما يعود “الحاج” إلى المملكة، ففي حينها كان في إجازة في لبنان.
عودة “الحاج”، واللقاء مع الحريري لم يتأخرا كثيراً. فبعد أيام من الاتصال، حصل اتصال ثانٍ بعد عودة المشنوق إلى لبنان، وخلال غداء جمع الاثنين، أخبر المشنوق “الحاج”، أنّه حجز له إلى السعودية كي يلتقي الشيخ سعد. فسافر “الحاج” هو والنائب نهاد المشنوق والكاتب رضوان السيد إلى السعودية في زيارة لم تتخطّ الـ24 ساعة، اجتمع فيها كبارة مع سعد الحريري.
اللقاء الذي كان يهدف إلى إعادة التعاون بين الطرفين، وضع “الحاج” أمام الأمر الواقع، وهو القبول. ففي حينها كانت العلاقة مع عائلة الحريري ما زالت جيدة، وكان هناك ضعف اتجاه الشهيد ما زال مستمراً. لكن كان الطلب الوحيد ألّا تكون العلاقة مع “تيار المستقبل”، فأكّد الحريري لكبارة أنّ العلاقة ستكون معه مباشرة حيث بدأ مهامه كمستشار الحريري لشؤون الشمال.
علاقة “الحاج” مع بهاء انقطعت في العام 2006، مع بداية عمله في تيار المستقبل، وما زالت منقطعة حتى اليوم، أي منذ أكثر من 13 عاماً
يميّز الحاج بين أوّل عامين من هذه التجربة وبين السنوات اللاحقة. فبداية كان العمل يسير بشكل جيد، وكان هناك اجتماعات دورية تعقد في السعودية وفي لبنان وتخرج إلى الإعلام، إضافة إلى النشاطات التي كانت تنظّم لتغطية الضعف على الصعيدين الإنمائي والاجتماعي. بعد ذلك، وتحديداً في العام 2015 بدأت تتراجع هذه التجربة، مع عودة الحريري والانتخابات النيابية، وتحوّل التيار من مؤسسة إلى شخص يريد الحديث عن كلّ شيء، ما قزّم العملية التي كان يجب أن تكون مشتركة.
وفي موضوع أحمد الحريري، يؤكد “الحاج” أنّ أهل الشمال لم يكونوا مرتاحين معه. وحدهم المنتفعون كانوا يهلّلون له: “تحدّثت معه بأخوية أكثر من مرّة عن الواقع، وكيفية دخول طرابلس، وكيفية الوصول إلى الجالسين في بيوتهم وتغيير الموازين. هنا شعرت من جديد أنّ هذا ليس مكاني، وكنت أرى عدم رضى لدى القيادات، إضافة إلى النواب الجدد الذين يتعاطون مع الملفات بطريقة عشوائية دون قوانين ونظام، وهذا ما زاد التحفّظ، فطرابلس ليس مزرعة، بل هي مدينة تضع الجميع في ميزان القيم”.
عدم الرضى الذي كان يشعر به “الحاج”، استمرّ حتى انطلاقة الثورة، في حينها اقترح على الدائرة المحيطة بسعد الحريري إجراء نقاش بينه وبين الثوار: “لكن لم أجد آذاناً صاغية”. هذا الواقع يدفع كبارة للسؤال: “هناك من يتحدّث اليوم تقريباً بلغة رفيق الحريري، نرفضه؟ نحن نعرف أنك يا سعد الحريري تعايش الخطأ والسرقة والنهب ليس بإرادتك وإنّما للمحافظة على البلد. في الثورة هناك طرف يقول يريد أن يحاسب، وكان يجب مدّ اليد له”.
ويعتبر “الحاج”، أنّ سعد الحريري أسهل عليه أن يطلق الوعود، مما كان يفعل والده الشهيد، الذي كان يفي بكلّ وعوده.
بهاء الحريري: هذه أسباب غضبه
يتطرّق كبّارة إلى العلاقة مع بهاء الحريري، الذي كانت تجمعه به صداقة أيام الشهيد، وكانت صداقة أخوية أبعد من السياسة، تتخلّلها ثقة متبادلة. يعيدنا كبارة إلى مرحلة اختيار سعد الحريري كي يتابع مسيرة والده، ويصارحنا أنّ هذا الطرح لم يلقَ قبولاً من بهاء الذي وافق على مضض، فخلص الاتفاق إلى أن يستلم بهاء الأعمال وأن يتولّى سعد العمل في السياسة.
علاقة “الحاج” مع بهاء انقطعت في العام 2006، مع بداية عمله في تيار المستقبل، وما زالت منقطعة حتى اليوم، أي منذ أكثر من 13 عاماً.
كبارة الذي عايش الحريرية السياسية يتأسّف لما يحصل بين الشقيقين: “هذا الأمر يتناقض مع أفكار وتصرّفات رفيق الحريري. وما يحدث يضعفهما ولا يقوّي أياً منهما”. أما في السياسة، فالهدف ليس من يستلم الدفة، بل من يتابع الطريق بروحية رفيق الحريري في موضوع الوحدة الوطنية، والحياد، ولبنان العيش المشترك. لكن اليوم أقولها وبكلّ صراحة، الزعيم يجب أن تكون لديه مبادئ معيّنة تكوّن حوله الشعبية وتعطيه الدعم والقوة، وهذا ليس متوفراً لدى سعد ولا لدى بهاء. أما الكاريزما فيمكن استعمالها مرّة أو اثنتين ثم تذهب، ما يبقى هو المشروع.
ويسأل “الحاج”، عن قضية تيار المستقبل اليوم: “نحن بنينا خلال 4 سنوات على دم رفيق الحريري، وكنتُ خلالها في تيار المستقبل، لكن كنا نتحدّث بواقعية، عن أفكاره وقيمه. اليوم لا أحد يفكر بقيمه ومبادئه، وماتت فكرة الدم”.
خلال أحداث 7 أيار كان هناك أشخاص من قبلنا يراقبون هذه المنطقة ويتابعون التحرّكات. اليوم، من يراقب؟ ومن يتابع؟ وأيّ جهة سياسية تعمل لحفظ واقعها
كبارة الذي عايش السياسة اللبنانية والطرابلسية، يعتبر أنّنا اليوم “نعاني من أزمة في القيادة السنية، التي لا تعاني منها الطوائف الأخرى. إذ لا فعالية للوجود السنّي اليوم في لبنان. نحن في أشدّ الحاجة، اليوم قبل الغد، لإيجاد مشروع سنّي للبقاء، وللتعاطي مع الطرف الآخر، وللحفاظ على الوجود. ومشكلتنا اليوم أنّ أقلية من السنة يدركون هذا الأمر.
وفيما يتأسّف “الحاج” على تراجع المؤسسات السنية، وعدم استحداث مؤسسات جديدة، وعلى عدم المحافظة أيضاً على المؤسسات التابعة للشهيد، يؤكد أنّ جميع القيادات السنية تراجعت في طرابلس لكونها “تمشي عكس السير”…
طرابلس لن تكون تركية
قبل الانتخابات النيابية، وقبلها خلال التحضير للانتخابات البلدية، فإنّ الحاج عبد الغني كبّارة، المستشار السابق للرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال، ومنسق عام الشمال في تيار المستقبل سابقاً، صارح المعنيين في التيار وفي محيط الحريري، بأنّه لا بدّ من استقطاب الشبّان المتعلّمين كي يقدّموا الصورة الجديدة، خصوصاً في العمل البلدي الذي يجب فصله عن العمل السياسي، لكنه لم يجد استجابة. ولا يتردّد “الحاج” في القول: “كلّ الزعماء مرفوضين في طرابلس. إذ لم يحدث لا تغيير ولا تحسين. كما لم يُنفّذ أيّ مشروع من تلك الموجودة أيام الشهيد، ولم تُطوّر أيضاً لا الحياة الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا السياسية في هذه المدينة، بل على العكس كلّ شيء تراجع إلى الوراء”.
وفي سؤال عن الواقع الحالي وخلايا داعش غبّ الطلب التي يربطها البعض بالشمال، يؤكد كبارة أنّ ليس لديه معطيات أو معلومات. لكنّه يدعو إلى النظر للواقع السياسي في المنطقة ولبنان، وإلى الجغرافيا: فنحن في الشمال على حدود سوريا – نظام الأسد، وفي وادي خالد لدينا من الجهة الشرقية حزب الله على بعد كيلومترين فقط. لذا فالخطر موجود: “خلال أحداث 7 أيار كان هناك أشخاص من قبلنا يراقبون هذه المنطقة ويتابعون التحرّكات. اليوم، من يراقب؟ ومن يتابع؟ وأيّ جهة سياسية تعمل لحفظ واقعها”. ويدعو إلى النظر صوب الخصم ومتابعة التحرّكات. وهنا أربط بين الخلايا وبين هذين الطرفين على الحدود. لأنّ التجربة نفسها كنت قد عايشناها مع فتح الإسلام ومعركة البارد”.
لا ينكر كبارة أنّ آلية العمل تراجعت بعد العام 2005، فاغتيال الحريري لم يكن بالحدث البسيط، وإنّما كان بداية لتغيير وجه لبنان، وللمؤامرة الفعلية
أما عن الأنباء التي تتحدث عن “تتريك” الشمال، فلا ينكر كبارة أنّ الأتراك لديهم طموحات في المنطقة، من أذربيجان إلى ليبيا واليونان، فـ”تركيا ليس لديها نفط وغاز، وهي بحاجة إليها كدولة صناعية، وما أراه حالياً أنّ هناك أزمتين في تركيا، أزمة علاقات مع الدول الكبرى، وأزمة داخلية، إن كانت اقتصادية أو سياسية”، مضيفاً: “أنا عضو في جمعية الأعمال اللبنانية التركية، وعلاقتي قوية مع رجال الأعمال الأتراك، وأعرف كيف يعملون، وأعتقد أنّ المحافظة على علاقة جيدة مع تركيا أمر ضروري. لكن نحن لا نحبّذ أن تدخل أيّ أيادٍ جديدة على اللعبة اللبنانية. لاسيما وأنّ الأمور في لبنان وصلت إلى القوى الكبرى، فحتى فرنسا لم تستطع لعب هذا الدور، وتركيا لن تستطيع لعبه، وإن أرادت ذلك من خلال الحضور في الشمال فقد تأخر هذا الأمر”.
لماذا كان يتهم الشهيد بإهمال طرابلس؟
يفكّر كبارة ملياً بهذا السؤال، ثم يستطرد قائلاً “في العام 2002 زاد الكلام عن إهمال طرابلس، ومنح كل المشاريع لبيروت. مع الإشارة في ذلك الوقت كان هناك في حكومة الشهيد أقطاب طرابلسية، كنجيب ميقاتي وسمير الجسر. في حينها كنت في السعودية وتمّ التواصل معي، فجئت للبنان وقلت لهم إذاً لنريَ الناس هذه المشاريع. وكان الخيار الأفضل عقد مؤتمر إنماء طرابلس. وقد خصص هذا المؤتمر 47 مشروعاً لطرابلس. كان هناك 4 معاهد الصناعي والفني والتقني والفندقي. كان هناك 3 مدارس. كان هناك مجمع الجامعة اللبنانية. المنطقة الاقتصادية الخاصة، كان هنا طرقات، المسلخ، توسعة المرفأ”.
أين هذه المشاريع؟
لا ينكر كبارة أنّ آلية العمل تراجعت بعد العام 2005، فاغتيال الحريري لم يكن بالحدث البسيط، وإنّما كان بداية لتغيير وجه لبنان، وللمؤامرة الفعلية، فصحيح أنّ الجيش السوري قد خرج، ولكنّ حل مكانه الواقع الإيراني الذي بدأ تدريجياً تنفيذ مخططه، ومنذ الـ2005 وحتى اليوم لبنان وخاصة الشمال يواجه هذا المخطط.
في السياسة اعتبر تخوين الأصدقاء كتخوين النفس. لا يمكن تخوين شخص بقي سنوات مع رفيق الحريري ومع سعد الحريري
أما فيما يتعلق بالمشاريع، فيوضح كبارة أنّه منذ المؤتمر في العام 2002 وحتى الـ2005 كان العمل متواصل للتحضير وتنفيذ ما يمكن تنفيذه، ولكن بعد اغتيال الحريري دخل الشمال محطات عدّة، أبرزها: فتح الإسلام (2006-2007)، جولات جبل محسن – باب التبانة والتي عددها 21 جولة. كلّ هذه المحطات ساهمت في وقف العمل، فالحرب لم تكن فقط على الأرض في طرابلس وإنما تزامنت مع حرب إعلامية شرسة جعلت البعض يصوّر هذه المدينة على أنّها أكثر من قندهار، ولم يعد يجرؤ الغريب على زيارتها.
هل فقدت الأمل في لبنان؟
“فقدت الأمل بنفسي”، يجيب كبارة، مضيفاً: “أنا ليس لدي طموح سياسي ولا أهتم. وأنا حين استلمت منصباً في تيار المستقبل، طُلب مني دور وقمت به. وحين طُلب مني أن أكون مستشاراً مارست دوري أيضاً. في النهاية، أنا لم أطلب شيئاً. ولا أطمح لأيّ مركز. أنا حرّ في تفكيري، وتحرّرت من الرواسب القديمة. وسأقول دائماً ما يفيد البلد”.
كبّارة، الذي لديه إقامة وشركة في الإمارات العربية المتحدة، يستصعب مغادرة لبنان: “أنا في منتصف الطريق حالياً. أحيانا أفكر بالرحيل، وأحياناً أستعصب ترك الوطن، لاسيما وأنّ ضميري مرتاح لجهة ما أقوم به. لذا أغلب الظن سأكون بين هنا وهناك.
وإذ يؤكّد أن لا مرشح لديه حالياً للحكومة اللبنانية، يتأسف في المقابل من حملات التخوين التي يطلقها البعض في تيار المستقبل: “هذا مؤسف، في السياسة اعتبر تخوين الأصدقاء كتخوين النفس. لا يمكن تخوين شخص بقي سنوات مع رفيق الحريري ومع سعد الحريري. العمل السياسي هو عمل استقطاب، خصوصاً إذا كان عائلياً. فالسياسة العائلية هي عادة أضعف وتريد استرضاء المجتمع ليس العكس”.
وفي الختام يشدّد كبارة على أنّ “طرابلس مدينة متكاملة وكبيرة. لديها مركز استراتيجي على شرق البحر المتوسط، وهي أقرب نقطة من البحر المتوسط إلى الداخل العربي، ولا يزاحمها بذلك إلا إسرائيل التي تتحدّث الآن عن خطوط سكك حديد وغيره. فيما كنا نحن الأقدر على لعب هذا الدور”، مضيفاً: “نحن لدينا آثار من الأهم في لبنان، للسياحة. ولدينا أسواق، ونحن مدينة مملوكية. لدينا بحر ولدينا جزر. لدينا مركز سياحي استراتيجي مهمّ. ولدينا أيضاً قوى عاملة أكثر من أيّ منطقة لبنانية ثانية، ومعاهد ومجمع جامعي، وجامعات عدة أساسية. كلّ هذا يشكّل ثروة لطرابلس. لكنّ الأهم أنّ تكون الإدارة صحيحة، وهذه الإدارة تبدأ بالبلديات. حينما يكون لدينا بلدية ترسم استراتيجية وتنفّذها بالشكل الصحيح، وتعيد هيكلة الأماكن التي تشكّل النقاط الأساسية التي تشكّل قيمة إضافية. في حينها ستلعب طرابلس دوراً ليس فقط على الصعيد اللبناني، وإنما على صعيد المنطقة ككلّ. وبرأيي، أنّ الشباب هم من سيحقّقون هذا الحلم إذ أنّهم يملكون قدرات كبيرة جداً من العلم والإمكانيات والأفكار والرؤية كي يصنعوا طرابلس الحديثة والمتطوّرة”.