يبدو أنّ الإطار الذي يمكن أن يعيد الرئيس سعد الحريري إلى الواجهة الحكومية سيحكمه التنسيق المحتّم لتوزيع الادوار على جبهتي الرئيس ميشال عون – جبران باسيل وحركة أمل – حزب الله.
إقرأ أيضاً: عون “يمشي بسعد”… والثنائي الشيعي ينتظر “ليونة” أكبر
تقول مصادر في قوى 8 آذار إنّه “لا يمكن إغفال أنّ الحريري الذي قام بما يشبه المكاشفة وتصفية الحسابات مع حلفائه بمفعول رجعي، اعتمد لغة أكثر طراوة تجاه “الثنائي الشيعي” إذا ما قورنت باللهجة الأميركية والسعودية، وذلك بمعرض طلب الغطاء السياسي لحكومته وليس شراكتنا معه. وهنا لبّ الموضوع ونقطة الخلاف الأساسية التي ستكون محور الاتصالات التي بدأها الحريري مع رئيس الجمهورية ومجلس النواب والقوى السياسية وسيستكملها بلقاءات مباشرة، وكلّ شيء قابل للنقاش سوى “مشروع شطبنا” من الحكومة”.
وفيما يلعب الرئيس نبيه برّي دوراً أساسياً خلف الكواليس لإزالة الألغام أمام اقتراح الحريري، بما في ذلك اللغم الشيعي الذي يرفض أمل وحزب الله أن يُعالج بقواعد الاشتباك نفسها التي سبقت اعتذار أديب، فإن رئيس تيار المستقبل محكوم بواقع تأكيد السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بأن مشاركة حزب الله حتمية “ليس فقط حماية للمقاومة، بل ربطاً بملف مكافحة الفساد”، كما قال.
تقول مصادر في قوى 8 آذار إنّه “لا يمكن إغفال أنّ الحريري الذي قام بما يشبه المكاشفة وتصفية الحسابات مع حلفائه بمفعول رجعي، اعتمد لغة أكثر طراوة تجاه “الثنائي الشيعي” إذا ما قورنت باللهجة الأميركية والسعودية
هو اللغم الأساس في صلب مبادرة الحريري ولا يزيده تعقيداً سوى اعتراف مصادر قريبة من حزب الله بأن “الحريري لعب على الكلام في مسألة موقف أمل وحزب الله من المبادرة الفرنسية. وبالتحديد فإن الـ 10% التي أعلن الحاج محمد رعد خلال لقائه مع ماكرون عدم الموافقة عليها ضمن المبادرة الفرنسية لا تتعلّق فقط ببند الانتخابات النيابية المبكرة، بل أيضاً برفض حكومة الاختصاصيين المجرّدة من كلّ انتماء سياسي وتأييد الحكومة السياسية المطعّمة بالاختصاصيين… ومن هنا يبدأ التفاوض”.
وتضيف المصادر: “هذه الحكومة وبعكس ما يطلبه الحريري قد يمتدّ عمرها إلى الانتخابات النيابية المقبلة إذا انطلقت من أسس صحيحة ومتينة. ولذا، فإن الحريري الذي “مَشكَلها” مع كلّ القوى السياسية تقريباً، حتى مع الرئيس بري، لا يستطيع أن يقدّم نفسه رئيساً لحكومة اختصاصيين بمعزل عن القوى المولجة أساساً بتنفيذ المبادرة الفرنسية وتأمين مقوّمات نجاحها. أما سعي الحريري لحكومة لا أثر فيها لحزب الله وللقوة الشيعية الأكثر تمثيلاً، فهذه لعبة إبتزاز مكشوفة تشبه سكين العقوبات والحصار، والآن هناك من يجرّب أن تلتفّ على عنقنا بأسلوب آخر”!
وهنا يؤكد مطلعون أن “هناك مسعى لـ “تخريجة” تراعي معادلة عدم انكسار طرف لطرف آخر، فيما تأجيل عون للاستشارات مشروط بحصول طلب من رئيس مجلس النواب بعد التشاور مع هيئة مكتب المجلس”.
معطيات الساعات الأخيرة تشير الى أن الألغام المزروعة أمام جلسة الخميس تحتاج لنزعها إلى مهلة أكبر بكثير من تلك الفاصلة عن موعد الاستشارات
وكان الرئيس الحريري قد حَصَر حدود تدخله في مرحلة ما بعد تكليف السفير مصطفى أديب بـ “تحذير” الأخير من تسمية أشخاص يستفزّون القوى السياسية: “هذه كانت وظيفتي فقط، وكان اتفاق من الأساس بيننا، وهذا كلّ ما قمت به”، على ما قاله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة.
هذه المرّة، وفي حال تكليفه رئاسة الحكومة يفترض أن “يحذّر” نفسه، بحكم خبرته في مجال الحساسيات السياسية، من استثارة غضب ميشال عون، وجبران باسيل، والثنائي الشيعي، ووليد جنبلاط…!
لكن معضلة الأسماء وآلية بتّها باتت تشكّل تفصيلاً صغيراً أمام واقع أشمل مرتبط بمدى وجود غطاء دولي وإقليمي جدّي يجعل من عودة الحريري إلى السراي عشية الذكرى السنوية الأولى لإخراج نفسه من نادي “المرشّحين الطبيعيين” في مرحلة ما بعد 17 تشرين، أمراً ممكناً وقابلاً لـ “الاستثمار” في سياق تنفيذ المبادرة الفرنسية.
المعلومات المتوافرة في هذا السياق تشير إلى أنّ “الفرنسيين وبدعم روسي يحاولون، باتصالاتهم مع الرياض، كسر حدّة الفيتو المرفوع بوجه سعد الحريري، من دون الوصول إلى منحه الضوء الأخضر للانطلاق بغطاء سعودي، كون الفرنسيين همّ من لزّموا أنفسهم مهمّة وضع القطار الحكومي على السكّة والانطلاق بتنفيذ الأجندة الإصلاحية، فيما الهامش الأميركي بالتأثير مؤمّن من خلال دور باريس”.
لكن خطوة الحريري التي أتت بعد أسابيع قليلة من خطاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما تضمّنه من مواقف ضدّ “حزب الله الإرهابي الذي يفرض إرادته السياسية بقوة السلاح ويعطّل المؤسسات”، لا تزال عرضة لانتكاسة قوية في ظلّ ثبات السقوف العالية داخلياً ما يوحي بهشاشة الغطاء الدولي المطلوب لإعادة تكليف الحريري مجدّداً.
تبرز تلميحات من جانب بعبدا، وفي ظلّ ضيق الخيارات المتاحة إلى حدّ الاختناق، بأن غطاء رئيس الجمهورية غير الممانع لإعادة تكليف الحريري كفيل بتعويض الرفض المسيحي لاسم الحريري في حال حصول تفاهم مسبق على الحكومة، مع تسجيل تنسيق واضح مع عين التينة
في معطيات الساعات الأخيرة ما يشي بأن الألغام المزروعة أمام جلسة الخميس تحتاج لنزعها إلى مهلة أكبر بكثير من تلك الفاصلة عن موعد الاستشارات. فالفيتو المسيحي من خلال موقفي القوات اللبنانية والتيار الوطني لم يتأخر لكي يأخذ شكل الممانعة الواضحة لتسمية الحريري، والنقاش الجدّي والحاسم مع “مانحيه” مفاتيح السراي لم يبدأ بعد.
وقد ذهب النائب جبران باسيل الى حدّ نسف احتمال ترؤس الحريري حكومة اختصاصيين محمّلاً إياه “مسؤولية إضاعة المبادرة وتضييع الفرصة بحثاً عن حلول ليست سوى تكرار لعنوان “أنا أو لا أحد”.
وبدا لافتاً في سياق ردّ باسيل على الحريري، انقلاب رئيس التيار الوطني الحرّ على موقفه السابق برفض “الحكومات بمعايير السياسة التقليدية”، لكنه عاد وطمأن الحريري إلى أنّها “أمر ممكن، لكن خارج المبادرة الفرنسية وبشروط مختلفة تضمن التمثيل النيابي داخلها”. واستطراداً “تدخل السراي ندخل جميعنا معك”!!
مع ذلك، تبرز تلميحات من جانب بعبدا، وفي ظلّ ضيق الخيارات المتاحة إلى حدّ الاختناق، بأن غطاء رئيس الجمهورية غير الممانع لإعادة تكليف الحريري كفيل بتعويض الرفض المسيحي لاسم الحريري في حال حصول تفاهم مسبق على الحكومة، وآلية عملها، وأسماء الوزراء، وبرنامج العمل، مع تسجيل تنسيق واضح مع عين التينة.
ولن يكون تفصيلاً في هذا السياق رصد تغريدة لابنة رئيس الجمهورية كلودين عون التي بدت كردّ مباشر على باسيل نفسه قبل أن تكون موجّهة للثنائي الشيعي بقولها: “من يريد حكومة “برنامج ومهمة” لا يعرقل تسمية رئيسها ولا تشكيلها، وضمانة التمثيل عائدة للناس عند أول استحقاق انتخابي. الرئيس ميشال عون بموقعه وكلمته، هو الضمانة للجميع”.