حدّد مصرف لبنان للمصارف التجاريّة شريحة العملاء التي يحق لها أن تدفع سندات قروضها الدولاريّة بالليرة اللبنانيّة، ووفقاً لسعر الصرف المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف التجاريّة، البالغ حاليّاً 1507.5. هذه الشريحة تنحصر اليوم بأصحاب قروض التجزئة، أي قروض السيارات والسكن والقروض الشخصيّة، الذين لا يملكون حسابات بالدولار الأميركي، والذين يقلّ مجموع قروض التجرئة بهم عن المئة ألف دولار أميركي، على أن يكونوا من المقيمين والعاملين على الأراضي اللبنانيّة.
إقرأ أيضاً: قانون الدولار الطالبي: “فريش” للمسافرين.. وظلمٌ للمقيمين
خارج هذه الشريحة، أصبح هناك مجموعة كبيرة من القروض التي يقتضي سدادها بالدولار الأميركي، والتي يرتفع صوت أصحابها إعتراضاً على هذا الواقع: من أصحاب قروض الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم، إلى الذين يملكون حسابات بالدولار الأميركي، وصولاً إلى المغتربين والذين يفوق حجم قروضهم الحدّ الأقصى المحدّد في تعليمات مصرف لبنان.
في حالة المغتربين تحديداً، باتت الأزمة أقسى، كون الكثير من المصارف اشترطت على أصحاب القروض من غير المقيمين سداد دفعاتهم بالدولار النقدي الطازج (فريش). وهنا يسأل بعضهم: كيف نصبح مطالبين اليوم بسداد القروض بالدولار النقدي الفريش، في حين أنّ ودائعنا الموجودة عند المصارف نفسها بالدولار الأميركي غير قابلة للسحب أو حتّى الاستعمال لسداد القروض؟ ببساطة، ثمّة مصارف مَدينة اليوم للمغتربين بودائع مدولرة، لكنّها لا تقبل استعمال دولارات هذه الودائع لسداد القروض التي تترتّب على المغتربين أنفسهم، ناهيك عن عدم إمكانيّة سحب هذه الدولارات. أما المطلوب، فهو الدولارات الطازجة حصراً لسداد القروض، مع العلم أنّ تعميم مصرف لبنان رقم 13260 الذي يعالج مسألة القروض وطريقة سدادها لم يمنع المغترب من استعمال الدولار المصرفي لسداد القروض المصرفيّة، بل جاءت هذه الخطوة بمثابة اجتهاد خاص من بعض المصارف، في محاولة لتعويم موجوداتها من الدولار النقدي.
المشكلة الأكبر، فباتت تواجه اليوم أصحاب المؤسسات التجاريّة، وخصوصاً الصغيرة والمتوسّطة الحجم. فتسديد التزاماتهم لدى المصارف بالليرة بات متعذّراً بشكل تام في جميع المصارف
أصحاب الحسابات التي تحتوي على أرصدة أو ودائع بالدولار الأميركي باتوا أيضاً ممنوعين من سداد قروضهم بالليرة، ووفقاً لسعر الصرف الرسمي. أما المطلوب، فهو استعمال أرصدتهم الموجودة حاليّاً لسداد القروض، أو توقيع تعهّدات بسداد استحقاقات قروضهم بالدولار الأميركي لاحقاً في حال رغبوا بسحب ودائعهم في الوقت الحالي وعدم استعمالها لسداد القرض. أما المشكلة الأهم هنا، فهي حاجة الكثير من أصحاب هذه الحسابات لودائعهم أو أرصدهم لسداد التزامات حياتيّة كدفع أقساط الجامعات والمدارس. ولذا، هم باتوا أمام خيارين: إما استعمال أرصدتهم أو ودائعهم لسداد القروض والتخلّف عن سداد التزامتهم الحياتيّة الأخرى، أو استعمال ودائعهم لسداد التزاماتهم الخاصّة وتوقيع تعهّد بتوفير الدولارات المطلوبة لسداد قروضهم المصرفيّة، مع ما يعنيه هذا الأمر من ضغوط ماليّة في ظلّ الظروف الحاليّة الصعبة.
أما المشكلة الأكبر، فباتت تواجه اليوم أصحاب المؤسسات التجاريّة، وخصوصاً الصغيرة والمتوسّطة الحجم. فتسديد التزاماتهم لدى المصارف بالليرة بات متعذّراً بشكل تام في جميع المصارف، فيما بات على أصحاب هذه المؤسسات توفير الدولار المصرفي أو النقدي لتسديد التزاماتهم المصرفيّة. مع العلم أنّ تردّي الأوضاع الاقتصاديّة أدّى أساساً إلى وضع معظم هذه المؤسسات على شفير الانسحاب من السوق، فيما فضّل الكثير منها التوقّف عن العمل منذ فترة أو اتخاذ قرارات مؤلمة كصرف الموظّفين وتقليص حجم العمليّات التجاريّة. وعمليّاً، أدّت خطوة المصارف هذه إلى مضاعفة هذه الضغوط الماليّة، كما أدّت إلى إنعاش عمليّات شراء الشيكات المصرفيّة في السوق السوداء، بالنظر إلى توجّه المؤسسات التجاريّة لشراء هذه الشيكات من أجل تأمين الدولار المصرفي وسداد التزاماتها.
أصحاب الحسابات التي تحتوي على أرصدة أو ودائع بالدولار الأميركي باتوا أيضاً ممنوعين من سداد قروضهم بالليرة، ووفقاً لسعر الصرف الرسمي. أما المطلوب، فهو استعمال أرصدتهم الموجودة حاليّاً لسداد القروض
من الناحية القانونيّة المجرّدة، يشير خبراء قانونيين لـ”أساس” إلى أنّ كلّ هذه الإجراءات تتناقض أساساً مع المادّة السابعة من قانون النقد والتسليف، التي تعطي الليرة اللبنانيّة “قوّة إبرائيّة غير محدودة على أراضي الجمهوريّة اللبنانيّة”، علماً أنّ المادة 192 من القانون نفسه تنصّ على تطبيق عقوبات تصل إلى حدود الحبس والتغريم على كلّ من يمتنع عن قبول العملة اللبنانيّة كوسيلة للدفع وإبراء الذمّة.
ولهذا السبب تحديداً، لجأ عدد كبير من المقترضين إلى إيداع المبالغ المستحقة عليهم بالليرة ووفقاً لسعر الصرف الرسمي لدى كتّاب العدل، والطلب من كتّاب العدل إرسال بلاغات للمصارف تطلب قبول هذه الدفعات استناداً إلى هذه المواد القانونيّة. وبحسب مصادر مصرفيّة، غالباً ما تقوم المصارف في هذه الحالات بدارسة العقود الأساسيّة للقرض، وعلى هذا الأساس تقرّر قبول الدفعة في حال لم يحتوِ العقد على أيّ مادّة تجبر المقترض على سداد الدفعات بنفس عملة القرض، علماً أنّ الغالبيّة الساحقة من عقود القروض الموقّعة لا تحتوي على هذا النوع من المواد. ولذلك، تنصح المصادر المقترض بطلب نسخة عن عقد القرض الموقّع بينه وبين المصرف قبل اللجوء إلى هذا النوع من الخطوات، علماً أنّ تعاميم مصرف لبنان المتعلّقة بأصول التعامل مع العملاء تعطي العميل هذا الحق.
في كلّ الحالات، يبدو أن كلّ هذه المشاكل تنبع اليوم من تعدّد سعر الصرف: ما بين السعر الرسمي المعتمد لتعاملات المصارف مع مصرف لبنان، المعتمد أيضاً لدعم بعض السلع الحيويّة وسداد بعض القروض، وسعر الصرف المعتمد للسحوبات النقديّة من الودائع المقوّمة بالدولار الأميركي، وهو السعر نفسه المعتمد لدعم السلّة الغذائيّة، بالإضافة إلى سعر الصرف الفعلي في السوق السوداء. بين كلّ هذه الأسعار، ثمّة سجال لا ينتهي حول سعر الصرف الأنسب الذي يفترض أن تعامل على أساسه المصارف أو مصرف لبنان كلّ من شرائح المتعاملين مع النظام المالي، أو كلّ من يحتاج الدولار للاستيراد. هل ينتهي تعدّد أسعار الصرف في المرحلة المقبلة؟ هذا ما سيجيب عنه مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي بدأت لجنة المال والموازنة مؤخراً بتحريكه بدفع من صندوق النقد الدولي، والذي يصر على إنهاء هذه الحالة.