شكّل التأمين الإلزامي موضع خلاف دائم في القطاع. فمن جهة، هناك وزارة الاقتصاد والتجارة، الوصيّة على القطاع، ومعها لجنة الرقابة على هيئات الضمان. وفي المقابل، هنالك الشركات والوسطاء (Brokers) ومن خلالهم…”السماسرة”.
منذ العام 2003، (تاريخ إقرار قانون التأمين الإلزامي للمركبات)، وهذا المنتج (product) متفلّت. لم يمنع الفلتان في القطاع من أن تراكم الشركات أرباحاً لامست المليار دولار أميركي في 17 عاماً، بواسطة مليون و200 ألف بوليصة سنوياً (65 الف ليرة لبنانية للبوليصة).
إقرأ أيضاً: شركات على “مرفأ” الإفلاس…”التأمين” على مين؟
في هذا الإطار، يفيد مصدر من لجنة الرقابة على هيئات الضمان في اتصال مع “أساس” بأنّ “المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي لا تؤدّي دورها. فهي على سبيل المثال تحظى بحصّة 500 ليرة عن كلّ بوليصة تذهب إلى صندوقها الممتلئ، إلا أنّها لم تكن تفوّت فرصة لتحاول التنصّل من تغطية الحوادث الناجمة عن الـhit and run، أي عندما يصدم صاحب سيارة مؤمّنة شخصاً ويهرب دون الإبلاغ عن الحادث، ودون أخذ المصاب الى المستشفى”. وبالتالي على هذه المؤسسة أن تغطّي ضحايا الـhit and run، الذين لا يجدون من يغطّي تكاليف علاجهم.
يُعتبر قرار الوزير نعمه مُخالفاً. فهو ذو صفة تنظيمة، وهو ما لا يجوز له خلال فترة تصريف الأعمال. هذا الأمر يعرّض القرار للإبطال لدى مجلس شورى الدولة في حال قرّرت الشركات الطعن به
ويضيف المصدر: “منذ نحو أسبوعين، تبلّغ عدد من شركات التأمين بتحرير محاضر غرامات بحقّها وصلت إلى 25 مليون ليرة لبنانية. جاءت الغرامات بعد “كبسات” قامت بها اللجنة بمؤازرة عناصر من أمن الدولة كشفت مخالفات في “طريقة بيع بوالص التأمين الالزامي”. وقد مُنعت الشركات المخالِفة من استلام الـvignette من المؤسسة الوطنية للضمان الالزامي”. والـvignette هو المستند الذي يعرّف عن بوليصة التأمين الالزامي، وهو الذي تصدره “المؤسسة” وتسلّمه إلى الشركات.
قبل ذلك، وصل إلى المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي كتاباً من وزير حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة ولجنة مراقبة هيئات الضمان، يُبلغها أنّه “ابتداءً من تاريخ الكتاب، لن يكون مسموحاً لها تسليم الـvignette للشركات إلا بعد مراجعة اللجنة وموافقتها المسبقة”. وأرفقت الوزارة مع الكتاب قراراً آخر أدرجت فيه أسماء الشركات الـ20 غير المسموح لها باستلام الـ vignette إلا بعد تسوية أوضاعها المالية.
يُعتبر قرار الوزير نعمه مُخالفاً. فهو ذو صفة تنظيمة، وهو ما لا يجوز له خلال فترة تصريف الأعمال. هذا الأمر يعرّض القرار للإبطال لدى مجلس شورى الدولة في حال قرّرت الشركات الطعن به. إلى ذلك، يمكن المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي ألا تلتزام بقرار اللجنة والوزير الوصيّ، بما أنّها لا تملك أصلاً صلاحية حجب الـvignette عن الشركات المرخّصة. وفي هذا السياق، لا بدّ من استذكار الدعوى التي تقدّمت بها شركة “Fidelity” لدى قاضي الأمور المستعجلة على خلفية عدم تسلمها الـvignette”.
تتمثّل آخر بدع” business” التأمين الالزامي بالمحاولات الحثيثة لزيادة مستويات السمسرات بدلاً من إحقاق مصالح المؤمَّنين
أحد المسؤولين في المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي يقول لـ”أساس” إن “لا صلاحيات للمؤسسة، ولا تستطيع أن ترفض قرار الوزير، وذلك لأنّها غير مطّلعة على أرقام شركات التأمين، خصوصاً أنّ 5 من الشركات كادت أن تفلس بسبب بوالص التأمين الإلزامي”. وسبب اقترابها من الإفلاس هو الفلتان في بيع البوالص بأسعار منخفضة، بالإضافة إلى نسب العمولات المرتفعة التي كانت تعطيها شركات التأمين إلى الوسطاء.
تتمثّل آخر بدع” business” التأمين الالزامي بالمحاولات الحثيثة لزيادة مستويات السمسرات بدلاً من إحقاق مصالح المؤمَّنين. فبالعودة الى نشاط لجنة الرقابة خلال الأسابيع القليلة الماضية، تجدر الإشارة إلى أنّ المداهمات استهدفت مراكز شركات وساطة ووسطاء تأمين. بعض الشركات مرخّص، والبعض الآخر يزاول المهنة خلافاً للقوانين المرعيّة الإجراء. بالنسبة إلى غير المرخّصين، لم تتخّذ اللجنة أيّ تدابير صارمة لوقفهم عن العمل، إلا أنها سطّرت محاضر بحقّ الشركات المرخّصة على خلفية ضمّها لـ”أفراد” غير مرخّصين، تاركة الساحة خالية أمام شركات كبرى تزاول المهنة وتنتحل صفة شركات وساطة التأمين بلا حسيب ولا رقيب مع ما يحمله ذلك من مخاطر إفلاسية على شركات التأمين التي تلتزم بالمعايير.
كلّ ذلك يجعل من القطاع التأميني كناية عن “سلبطات” ومداهمات بوليسية وكبسات موجّهة على مناطق جغرافية دون سواها. وهنا لا بدّ من التساؤل عن سبب عدم تجرؤ اللجنة على مداهمة منطقة الأوزاعي، وتحديداً شركة “بيضون لوساطة التأمين”، مع علمها أنّ الشركة المذكورة لا تحترم الضوابط المنصوص عنها، عدا عن كونها مستولية على مركز النافعة في الأوزاعي… حيث السمسرات التأمينيّة “المُحتكرة” لا تنتهي.