مئوية لبنان الكبير: نحو قومية لبنانية جديدة

مدة القراءة 14 د


استدعت الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير في 1ايلول 1920 التفاتة الى تلك المرحلة من الماضي، وما رافقها من منازعات فكرية وصراعات بلغت حدّ العنف احياناً، والنظر الى المستقبل لاستشراف ما يتوجه اليه سياسياً هذا الكيان الوليد آنذاك، المرتبط بماضٍ سحيق في التاريخ، بما يبدو أنه تغيير في قوى المنطقة التي رست عليها المعادلات الجغرافية منذ اتفاق سايكس بيكو، حتى امكان تغيير الخرائط، ما يعني تغيير الدول. فما مصير هذه الدولة الصغيرة في الجغرافيا، المتقلبة على تاريخ ثابت؟

إقرأ أيضاً: أهل السنّة و”لبنانهم الكبير”..

أَحسَّ اللبنانيون بالخطر يَدْهَمُ دولتهم منذ بدأت مؤامرات الدول الكبرى قبل عقود، واثبتت الحرب التي استمرت منذ 1975 الى 1990 – ويقول البعض إنها لم تنتهِ وأكبر دليل على ذلك الإنفجار المأساوي الرهيب في مرفأ بيروت، الذي دمّرعاصمة لبنان بشكل مخيف – أن الخطر تجاوز المحظور، وإنّ هيكل الدولة القائم عظميّ والكيان يهتز لأي عاصفة سياسية، وهو أمام مصير مجهول.

تنكّب مهمّة الدعوة إلى القوميّة اللبنانيّة مفكرون كثيرون، أجابوا عن سؤال: من نحن؟ والآن نحتاج الى نخبة تجيب عن اسئلة مثل: ماذا نريد؟ ماذا نفعل؟ وكيف نحافظ على لبنان؟

بعد مئة سنة على إعلان دولة لبنان الكبير، إنّ افضل السبل للمحافظة على لبنان ان نكون قادرين على إخراجه من سلطة الوصايات التي تناوبت عليه، فأجهضت سيادته واستقلاله. الوصايات الخارجية معروفة بأهدافها ومقاصدها وهي مشكلة كبيرة، لكن المشكلة الكبرى هي في الحكام الذين يمدّون يدهم الى الخارج فيصبحون بيادق وبنادق متحركة في يده.

بعد مئة سنة على إعلان دولة لبنان الكبير، إنّ افضل السبل للمحافظة على لبنان ان نكون قادرين على إخراجه من سلطة الوصايات التي تناوبت عليه، فأجهضت سيادته واستقلاله

اسقاطات مرحلة الحرب وما قبلها

إنّ لبنان معلول بصغره وضعفه، هكذا كان في التاريخ، وهذا ما هو عليه الآن، فمنذ إعلانه دولة هو موضع مطامع الآخرين فيه. سوريا تريده جزءاً منها، قبل الاستقلال وبعده، ولاسرائيل مطامع في ارضه ومياهه منذ اعلنت دولتها عام 1948. ومنذ منتصف سبعينيات القرن العشرين خضع بالتوازي أو بالتتابع للوصايات الفلسطينية والسورية المباشرة، ولسيطرة فصائل وقوى تابعة لدول عربية أو أجنية مختلفة، ولاحتلال اسرائيل أراضي واسعة في الجنوب عام 1978، وانشاء دويلة «جيش لبنان الحر» ثمّ توسعها الى نصفه واحتلال عاصمته في الاجتياح عام 1982 حتى اندحارها عام 2000، وما زالت تحتفظ بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا «مسمار جحا» لربط النزاع مع لبنان والتأثير عليه بممارسة الانتهاكات المستمرة لأرضه وفضائه. وما زال لبنان إلى الآن تحت السيطرة الإقليميّة والدوليّة غير المباشرة.

يبدو ضعف لبنان قدراً لا يرتجيه اللبنانيون، فتاريخ مدنه الفينيقية المنقسم بعضها على بعض صورة منعكسة في جغرافيا اليوم، ففي كل منطقة تسيطر طائفة او جماعة مذهبية او حزبية او مزيج من الاثنين معاً، بحيث يصح القول إن التقلبات الدينية على ارضه منذ ستة آلاف سنة، تثبت ان الجينات البشرية مستمرة هي نفسها، ويعني ان الكتلة البشرية اللبنانية كانت تساير المنحى العام للغلبة الدينية فتتقلب بتقلباتها. ما يعطي اصحاب نظريات الميزات اللبنانية، ميزة اضافية ان اللبنانيين يتحدرون من ذلك العصر القديم، وأن نسبتهم الكبيرة ذات جذور مشتركة.

إنّ مقولة «قوة لبنان في ضعفه»، التي رفعها بعض السياسيين في لبنان، اسقطها اتفاق القاهرة (عام 1969) الموقّع مع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بقائدها ياسر عرفات، ففقدَ لبنان براءته وصار جنوبه، ثم بيروت، فلبنان كله، «هانوي العرب»، وصار الفلسطينيون يدّعون القوة مفترضين انهم اخرجوا لبنان من مقولته السابقة، لكنهم في الواقع زادوه ضعفاً على ضعف فلم تتداعَ فقط تركيبة النظام، بل اهتزت اسس الكيان.

إن لبنان في آلام مخاض المنطقة، وفي ذكرى اعلان كيانه المئوية هل تتم الولادة؟ إن لحظته التاريخية هي لحظة تاريخية للمنطقة ايضاً، فكيف يمكن انقاذه؟

لبنان هو خلاصة حضارات ترعرعت على شواطئه وجباله، اندثرت وانبعثت يوم لم تولد حضارات خارج حوض البحر الابيض المتوسط، إلاّ في الصين

ما هو لبنان؟

إنّ لبنان هو خلاصة حضارات ترعرعت على شواطئه وجباله، اندثرت وانبعثت يوم لم تولد حضارات خارج حوض البحر الابيض المتوسط، إلاّ في الصين. و»على امتداد آلاف السنين الماضية تراكم في بلادنا ما بقي حياً من حضارة ما، فوق ما بقي حياً من حضارة أخرى، فكانت الحضارة اللبنانية المتعددة الثقافة، والمميزة في هذه المنطقة من العالم».(صفحة 33، رسالة لبنان ومعناه، فيليب سالم)

بنيت الحضارات في بلادنا على حوار الثقافات، فأنتجت رسائل ومعاني قيّمة ميّزت المنطقة عن غيرها من مناطق العالم، وخصّت لبنان بالرسالة التاريخية التي يضطلع بها. وما زلنا نبني على هذا الأساس، فيما بنى غيرنا على صراع الحضارات الذي تسبب بالارهاب والحروب عليه. والفارق كبير في النتائج، كما هو في الأسباب والفرضيات، بين الحوار والصراع. فالحوار على ركائز الحرية والاعتدال يبني الحضارة على ثقافات متعددة، اما الصراع فيهدم الحضارات، كما حدث في هدم ثقافات العراق التي تميّزت بالتعدّدية فيه منذ برعمت الحضارات ونشأت.

 بالطبع يخاف اللبنانيون على بلدهم من الارهاب المستجد في المنطقة، والقديم منه ويخافون من مطامع اسرائيل المرفقة باعتداءات متكررة عليه، كما يخافون من زعمائهم الذين قد يفرّطون به عن قلة دراية أو بصفقات مشبوهة. يخافون على مصيره من جحافل متخلّفة تغزوه أو على الأقل يخافون على الحرية ميزته وعلى الحضارة التي تختزنها  رسالته. والارهاب الذي اجتاح المنطقة، وتمثّل في لبنان عام 2000 (أحداث الضنيّة الإرهابيّة ضد الجيش اللبناني) بشراذم من بقايا ارهاب «القاعدة»، هو إرهاب «الهي» يقتل باسم الله، دون وازع من دين أو أخلاق أو ضمير، إنّه أسوأ أنواع الارهاب الذي مرّ في تاريخ المنطقة كلها.

حمل البروفسور فيليب سالم الذي يؤكّد أنّ «لبنان عربي من رأسه إلى أخمص قدميه»، وليس فقط ذا وجه عربي، حمل راية القومية اللبنانية مجدداً استناداً الى أنّ للبنان دوراً مركزياً في حياته، وهذا الدور المعبّر عنه برسالة لبنان ومعناه، دفع به للبحث عن لبنان السياسي فوجده في القومية اللبنانية.

بعد مرحلة طويلة اضمحلت فيها فكرة القومية اللبنانية أعاد سالم بث الروح فيها، معبراً الزامياً لتأسيس لبنان الجديد، بغية المحافظة على الكيان اللبناني الذي صار واقعاً قبل مئة سنة

اذاً بعد مرحلة طويلة اضمحلت فيها فكرة القومية اللبنانية أعاد سالم بث الروح فيها، معبراً الزامياً لتأسيس لبنان الجديد، بغية المحافظة على الكيان اللبناني الذي صار واقعاً قبل مئة سنة.

كيف نحافظ على الكيان اللبناني؟

نحافظ على الكيان اللبناني بتبني أسس بناء الدول الحديثة، التي اثبتت نجاحها في بناء تلك الدول وتحضّرها، فلماذا لا تنجح في لبنان؟ إنّ هذه الاسس لم تبنِ دولاً متقدمة اقتصادياً فحسب، بل رفعتها على سُلّم الحضارة العالمية، لأنها تمحور قوانينها على أهمية الانسان في الوجود، فهو القيمة المطلقة على الارض، كما الله هو المطلق في السماء. والتركيز على الانسان يعني التزام ثوابت بُنيت مداميكها منذ الثورة الفرنسية، والتخلي عن الشوائب التي تعترض مسيرة الانسان الى النجاح والسعادة.

انتقلت الثورة الفرنسية بالبشرية من حال الى حال وليس فقط من عصر الى عصر، وجاءت بالصبغة العلمانية، فيما كانت الصبغة المسيحية دينية. لكن كل ما يخدم الانسان هو دين بالمعنى الانساني لا الايماني. فالمسيحية قالت ان السبت وجد من اجل الانسان ولم يوجد الانسان من اجل السبت، وبذلك لم تضع الانسان في المرتبة الاولى بين الكائنات فحسب، بل اعطته حرية الخروج عن التعاليم والتقاليد التي تكبّله وتسحقه، الى الحرية التي نادت بها الثورة الفرنسية. فالانسان ولد حراً، ولا يحق لأحد أن يستعبده ولا يحق للمرء ان يستعبد الآخرين.

واذ قالت الثورة الفرنسية بالحرية والمساواة والاخوة بين البشر وفي التعامل بعضهم مع بعض، حوّلت العقيدة الدينية الى عقيدة اجتماعية تنظّم شؤون الانسان في الدولة، كما تنظّم الديانات ارتقاءه الى السماء. اذاً لا تناقض بين الأمرين، بل تكامل على قاعدة إعطاء «ما لله لله وما لقيصر لقيصر» وجعل دور الانسان في العالم مسايقاً دوره في الآخرة، بحسب قول الامام علي بن ابي طالب «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».

بهذا القول فصل الامام بين الدين الذي يخدم الانسان في آخرته، وبين الدنيا التي هي قِوام حياته، وكما التقى الدين مع العلمانية على خدمة الانسان فقد التقيا على ان الانسان هو الغاية لهما، وهذه الغاية تتحقق بأفضل تجلياتها بفصل الدين وتعاليمه عن شؤون الدولة ونظمها، فتتحقق الأهداف التي رمى اليها كل منهما. كما يتحقق بفصل السلطات بينهما أمن الانسان وراحته وسعادته.

إذاً السبيل واحد وواضح لبناء الدول الحديثة، هو فصل الدين عن نظم الدولة وشؤون المواطنين، وهو أحد السبل لبناء لبنان الجديد، على أساس الثالوث الذهبي: السيادة، الحرية، الديموقراطية. إنّ هذا السبيل يستدعي وضع نظام جديد للبنان وتحديث قوانينه لتلائم توصيات حقوق الانسان، كما أقرّتها الشرعة العالمية، ورفده بأحدث النظم والتشريعات التي توصلت اليها أرقى دول العالم وليس اقواها. ثمة ثوابت متداولة لبناء الدول الحديثة رفعها سالم شعاراً للبنان الحديث. صحيح أنه يأخذ بالثوابت الوطنية، لكنه لا يتوقف عندها، بل يبدع ثوابت أكثر حداثة وعصرنة وثباتاً تقوم على ركائز وطنية وتقود الى مفاهيم لبنانية يجب أن يتفاهم عليها المواطنون، لعلها تكون ميثاقاً جديداً يوصل الى دستور خالٍ من شوائب دستور الطائف وأكثر عصرية.

ومن قواعد بنيان الدولة الحديثة، بناء الثقة بين المواطنين والحاكمين، وهذا مفقود حاليا، ففي لبنان ازمة ثقة في الحكم، إذ كيف يستثمر فيه المغتربون، اذا كان المقيمون يهربون منه؟ ألم يقل رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ لبنان منهوب وليس فقيراً، فمن يجرؤ على الاستثمار باستشراء الفساد فيه وبازدياد الفاسدين؟ كل فاسد في الحكم يحمي ازلاماً فاسدين في الادارات والمؤسسات، والفاسدون كباراً وصغاراً لا يشبعون ولا حدّ لطمعهم وجشعهم. وقد انعكس الفساد على وجود الشباب الذي يهاجر جامعيوه ومهنيوه، ذكوراً واناثاً، فيفتقدهم الوطن وتكسبهم الغربة.

كثيرة هي الاسلحة التي تقتل، لكن افتكها قهر المواطن في وطنه.

ركائز لبنان

يربط فيليب سالم بين ركائز لبنان الأربع: الانصهار المسيحي – الإسلامي والحرية والديموقراطية والتعددية الحضارية، وهذه الركائز هي دعامة وجوده وطناً ومعنى ورسالة.

إنّ أخطاراً كثيرة تهدد الكيان اللبناني وطناً ورسالة ومعنى، ويقول سالم: للمرة الاولى في تاريخ الازمات المتراكمة في لبنان، تهدد الازمة لبنان بالمفهوم الحضاري. فلبنان لم يكن وطنا بقدر ما كان رسالة، لم يكن مجده يوماً نابعاً من كيانه السياسي. بل من كيانه الحضاري، ومن كونه أكبر من وطن، ومن كونه «رسالة للعالم»، ولذا فان الخطر اليوم يهدّد جوهر لبنان وحقيقته، كما يهدد معناه الكياني الذي من دونه لا يكون لبنان.

ندافع عن لبنان بالدفاع عن معناه وجوهره، وهما في اربع ركائز:

1- الانصهار المسيحي – الاسلامي المعبّر عن التفاعل الحي منذ مئات السنين وعندما تنسلخ المسيحية عن الاسلام في لبنان، يزول سبب وجوده، بل واجب وجوده، فلبنان يشكّل انموذجاً مستقبلياً لأرقى مستويات الحضارة التي تعلو بالانسان فوق الدين والعرق والايديولوجيا الى الانسانية. هو انموذج حوار الحضارات فيما اسرائيل اليهودية، كما اعلنها نتنياهو هي النموذج لصراع الحضارات. إنّ اسرائيل هي العدو للبنان ليس لجهة اطماعها فيه أرضا ومياهاً فحسب، بل هي عدوه الحضاري، فهي تسعى الى تقويض انموذجه لتسويق انموذجها في العالم. إنّ هذا الانصهار هو أهم انجازات الحضارة كونه ينهي مفهوم «صراع الحضارات» لمصلحة حوارها.

2- الحرية: هي جوهر ماهية الانسان، والقبس الذي أوقد شعلة الحضارة، والحرية التي تُحيي تُميت إذا أوقعت لبنان في الفوضى، أو استغلها التطرف لتقويض ركائز لبنان وهدم نظامه وبنيانه. الحرية وحدها تخرج المنطقة من الواقع الارهابي المسيطر عليها، وإلاّ فإن الايديولوجيات الدينية المتطرفة ستسحق «آخر معاقل الحرية في هذه المنطقة».

3- الديموقراطية: هي التي تتجسد فيها الحرية في النظم السياسية، لتجعل المواطن يتفاعل في مجتمعه ويشارك في صنع مستقبل وطنه. وبذلك يشعر المواطن بدوره في صنع وطنه والمشاركة في بنائه.

4- التعددية الحضارية: إنّ الركائز الثلاث السابقة ميّزت لبنان ودفعته على طريق الحضارة العالمية، وربطت تاريخه الحضاري بمستقبله الذي يقوم على تفاعل الثقافات العالمية الحالية، لذلك يقول فيليب سالم «إنّ لبنان وطن نهائي في الهوية السياسية، لكنّه وطن عالمي في الهوية الحضارية. وهو من الشرق، إلاّ أنه للعالم كله».(الصفحات من 40 الى 44، رسالة لبنان ومعناه)

الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة تهدد لبنان بالحرب المتوقعة في كل لحظة، تثبيتاً لمطامعها، واستهدافاً لقيمه الحضارية التي تثير حفيظة اسرائيل في الحرب والسلم معاً، فاسرائيل في السلم الموعود دائمًا والمؤود دائمًا، ستحاول تدمير لبنان، لأنه يمثل انموذجاً حضارياً مغايراً لاسرائيل

إنّ هذه الركائز التي هي معنى لبنان وجوهره، إذا سقطت انهار لبنان، ومن دون معناه وجوهره لا يكون،ويتهدد بمعناه الكياني، ويأتي التهديد من ارتباط قوى الداخل بدول اقليمية كإيران وسوريا والسعودية ومصر،أو دولية اوروبية واميركية.

يقول سالم إنّ الطريق الوحيدة المتاحة لقيامة لبنان لا تمرّ بالشرق ولا تمرّ بالغرب،إنها طريق الشرعية الدولية. (الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقراراته)

في وجه الأخطار يكبر دور الرسالة، وكلما اثخنتها الجراح صارعت للبقاء على قيد الحياة، ويضيف سالم «لا تزال هناك بقايا من الرسالة تصارع لتبقى على قيد الحياة. بقايا، لكن الرسالة اصبحت اكبر. بقايا، لكن معنى لبنان اصبح أعمق. ها قد اصبحت الرسالة هي الدفاع عن لبنان».

حتماً إننا في خطر حقيقي، وقد نكون في اتجاه خطر آخر يجعل اثبات الرسالة وتحقيقها أكبر، ويعمّق معناها. أما حالياً فالرسالة الاولى هي الدفاع عن لبنان كي يبقى.

بالطبع إنّ الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة تهدد لبنان بالحرب المتوقعة في كل لحظة، تثبيتاً لمطامعها، واستهدافاً لقيمه الحضارية التي تثير حفيظة اسرائيل في الحرب والسلم معاً، فاسرائيل في السلم الموعود دائمًا والمؤود دائمًا، ستحاول تدمير لبنان، لأنه يمثل انموذجاً حضارياً مغايراً لاسرائيل. فاللبناني هو المنافس الوحيد لها في المنطقة، علماً واقتصاداً، لأنه مغاير لها في الحرية التي تدّعيها ومنافس لها في الديموقراطية، خلافا لكل دول المنطقة، ولأنّ حضوره الكبير في العالم يتيح له أنّ يشكل قوى ضغط في كل الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأميركيّة، لأنه قادر على بناء دولة عصرية علمانية، ولأنه منافس حقيقي لها على الثروة العربية.

هذه المخاطر تحول دون تحقق وحدة اللبنانيين، وبالتالي عدم الوقوع في الهوة التي وقعوا فيها عام 1975. يقول فيليب سالم إنّ عدم بناء دولة بين الاستقلال وعام 1975 هو السبب الحقيقي للحرب اللبنانية ولـ «حروب الآخرين».

وهو متخوّف أن يكون «لبنان الكيان الحضاري المميز في الشرق»، في طريق الزوال، و»لن تقوم قيامة لبنان، إلاّ اذا قام اللبنانيون بأعجوبة بحجم تاريخهم وتراثهم».

الانتماء الى لبنان والولاء له الى حد الايمان واضح، لكن هل يرتقي سالم الى مفهوم القومية في كتاباته؟

ان وضوح ولاء سالم للبنان جليّ وهو يرتجي من اللبنانيين ان يجاروه، بأن يطبّقوا ما ورد في مقدمة الدستور بأن «لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه» وقد ارتضوا ذلك، فليذهبوا الى الولاء للبنان دون مواربة او استبطان، وبذلك نسير على الطريق الصحيح في أنّ لبنان مكتمل بذاته ولا يحتاج الى معمودية لتثبيت سيادته وحريته واستقلاله، فهو لجميع ابنائه ويجب ان يكون جميع ابنائه له.

واذا ما طبقنا الدستور بأمانة تليق برجال القانون وبثقة يجب أن تغالب المصالح عند السياسيين نكون قد ارتقينا بلبنان الى مرتبة الاوطان.

ويضيف: لقد ضحيتم من أجل الارض وها هي تطلب منكم محضها الولاء التام «وعندما تقدمّون كل ما لديكم من قوة وولاء للبنان تستحقونه وتستحقون مجده».

يجب ان يتفق اللبنانيون على هوية لبنان كي يتفادوا حربًا كالتي حدثت عام  1975 والتي ما تزال تداعياتها السلبيّة مستمرّة حتى اليوم.

*نصّ من كتاب “القوميّة اللّبنانيّة في فكر فيليب سالم” بعنوان “مئويّة لبنان الكبير: نحو قوميّة لبنانيّة جديدة” الصادر بمناسبة مئويّة لبنان الكبير.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…