عون يبشّر بـ”جهنّم”.. ويرسّم الحدود مع “الثنائي”

مدة القراءة 5 د


“سنذهب إلى جهنم”، هكذا اختصر رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته أمس عمق المأزق الذي يتخبّط فيه أفرقاء الداخل ربطأ باحتمال فشل كافة المبادرات المطروحة لإنقاذ التشكيلة الحكومية. معادلة يكتمل طرفها “السوداوي” مع إقرار عون للمرّة الأولى بأنّ “المصريات رح يخلصوا”، قاصداً احتياطي مصرف لبنان من الدولارات والعملات الصعبة، إثر الحديث المتكرّر لحاكم مصرف لبنان عن قرب نفاد الاحتياطي المخصّص لشراء القمح والأدوية والمحروقات.

إقرأ أيضاً: رسالة فنيانوس.. سقوط تحالف الضرورة

الكلمة التي أجّلت بتوقيتها أكثر من مرّة أمس إلى حين التوصّل إلى صيغة تدوزن الموقف الرئاسي تجاه تصلّب الأخصام والحلفاء لم تفضح فقط حدّة الأزمة و”كيانيتها”، بل فضحت بدربها الكادر الاستشاري بوصفه المسؤول المباشر، شكلاً ومضموناً، عن طلّة أساءت إلى صورة رئيس الجمهورية وأظهرته مُستفرَداً، ومعزولاً كمن يقول “اللهم اشهد أني بلّغت”.

وقد بدت لافتة تغريدة خارجة عن المألوف من المستشار الدبلوماسي السابق لرئيس الجمهورية ميشال دوشادرفيان حين علّق قائلاً: “بعدما سمعت وشهدت رئيس الجمهورية يلقي كلمته، أؤكد أنّ هناك مؤامرة عليه من داخل القصر. هذه قناعتي الشخصية كوني أعرف فخامته أكثر بكثير من الذين هم حوله. أنصح بتبديلهم اليوم قبل الغد لمصلحته ومصلحة كلّ اللبنانيين”!  

في وقت كان عون يتحضّر لـ”طلته” أمام اللبنانيين في آخر محاولة إنقاذية رئاسية، كان الدائرون في الفلك الشيعي القريب من امل وحزب الله يذكّرون ميشال عون بـ”جَميله عليه”

واختزن الكلام الرئاسي إقراراً من جانب عون بأنّ تغيير النظام بند مدرج على طاولة الحوار بعد ولادة الحكومة، فيما جواب رئيس الجمهورية على سؤال عن خشيته على المناصفة فتح أبواب “أزمة العدد” على مصراعيها: “خلال الحوار سنعرف لوين وصلنا وعلى شو اتفقنا… لن أجاوب عن الكلّ”.

عملياً، لم يقدّم اقتراح عون “الإنقاذي” بإلغاء التوزيع الطائفي في الحقائب السيادية وجعلها متاحة لكلّ الطوائف، بما في ذلك الأقليات، سوى وصفة لتكريس المراوحة القاتلة. فالحلّ المعلن سبق لعون أن ردّده على مسامع الثنائي الشيعي وسمع الجواب، تماماً كما سمع جواب الرئيس المكلّف، ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقين، في شأن مشاركة الكتل النيابية في التسمية.

خطاب استسلامي بالكامل لجهة تشريح العقد من دون تقديم حلّ عملي لحلّها في مواجهة حليف شهر فيتو “المالية لنا”. حتّى الأثر الفرنسي بدا مفقوداً في ثنايا الخطاب. وما لا يعرفه كثر، وبإقرار قاطني بعبدا، أنّ ميشال عون هو واحد من المسلّمين بصعوبة حياكة تسوية بـ”الزند الفرنسي” وحده. تكراراً، جاهر عون أمام زواره بأنّ “التسوية الأميركية الإيرانية آتية. ولا بدّ أن تأتي لمصلحتنا”. قد يفسّر هذا الأمر “استسلام” بعبدا أمام القوى المتصارعة… بانتظار الفرج الآتي بعد الانتخابات الأميركية!

أكثر من ذلك، وفي وقت كان عون يتحضّر لـ”طلته” أمام اللبنانيين في آخر محاولة إنقاذية رئاسية، كان الدائرون في الفلك الشيعي القريب من امل وحزب الله يذكّرون ميشال عون بـ”جَميله عليه” يوم “اتُّهمنا بتعطيل البلد للإتيان بعون رئيساً للجمهورية”، مع “نكعة” عن “الأمل بأن تصل المداورة الى الناجحين في مجلس الخدمة المدنية بتوقيع مراسيمهم فوراً”!

عملياً، لم يصمد سوى ساعات قليلة اقتراح “تجيير” حقيبة المالية لرئيس الجمهورية ضمن مسعى بعبدا لتفكيك أحد أكبر ألغام الحكومة. الرافض الأول للاقتراح كان “حليف المرحلة”، أي الثنائي الشيعي، الذي رفع سقف المواجهة إلى حدّه الأقصى بالدخول على خط الكباش المباشر مع بكركي وسط استياء فرنسي كبير من “تهديد حقيقي” يحيط بمبادرة إيمانويل ماكرون.

ارتدادات الموقف الرئاسي في مقلب الثنائي الشيعي، فتعكسه مصادره بالقول: “نحن في صلب الأزمة. وموقف رئيس الجمهورية يقارب “رفع العشرة”، والتسليم بأن الحلّ لم يعد محصوراً بتشكيل حكومة بل إعادة هيكلة النظام القائم”

العودة إلى نقطة الصفر مع تصلّب القوى المتنازعة في موقفها، استهلّت أمس بمشهدين متناقضين داخلياً: بيان “النداء الأخير” بعد صمت طويل من الرئيس المكلّف “بالعمل على إنجاح المبادرة فوراً”، واجتماع بعبدا الذي أعاد الرئيس حسان دياب إلى الضوء في خطوة أوحت أنّ تفعيل حكومة تصريف الاعمال هو عنوان المرحلة طالما أنّ التأزم الدولي والإقليمي والداخلي يمعن في إفساد الطبخة الفرنسية!

وتحت سقف كباش عوني – جنبلاطي وعوني – “أملي” بلغ مدى غير مسبوق بتوجيه النائب علي حسن خليل اتهامات واضحة ردّاً على تغريدة للنائب زياد أسود طالت بعبدا بالقول إنّ “عهدكم الأسود هو النموذج الذي  لم يسبقه أحد بالفساد من أعلى المقامات إلى أدنى متوتر يكذّب نفسه والناس”، لتأتي كلمة عون في سياق لن يمنع، بتأكيد مطلعين، التشظّي المتمادي في السلطة والحكم، وتكريس خروج الأزمة عن السيطرة بما في ذلك سيطرة الراعي الفرنسي.

أما ارتدادات الموقف الرئاسي في مقلب الثنائي الشيعي، فتعكسه مصادره بالقول: “نحن في صلب الأزمة. وموقف رئيس الجمهورية يقارب “رفع العشرة”، والتسليم بأن الحلّ لم يعد محصوراً بتشكيل حكومة بل إعادة هيكلة النظام القائم”.

وتضيف المصادر: “لسنا حكماً المسؤولين عن الأزمة. فمن يرفض إعطاءنا حقيبة المال هو مسؤول بدرجة أكبر”، مشيرة إلى أنّ “المسار لدى الجانب الشيعي اليوم هو بالإعلان الرسمي الواضح عن المطالبة بالمداورة على مستوى المناصب العليا في الدولة، وتحديداً المالية والأمنية والعسكرية. عندها فقط نُعطى الضمانات الكافية بأنّ المداورة تسلك طريقها السليم، وربما تكون بروفا لنا نحو الدولة المدنية. وهو موقف أتى بداية كردّ على خطاب البطريرك بشارة الراعي وأخذ اليوم مشروعيته بشكل أكبر بعد كلام رئيس الجمهورية. فنحن حين نطالب بالشراكة، نسعى لأن تكون شاملة وليس انتقائية”.

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…