“على رأس السطح” يتعاطى الرئيسان ميشال عون ونبيه بري، ومعهما حزب الله، مع الرئيس المكلّف مصطفى أديب بصفته الوكيل عن الأصيل سعد الحريري.
حتى الآن تبدو الأمور قابلة للسيطرة مع رضى ضمني من جانب هذه القوى بأن مبادرة الرئيس سعد الحريري وتراجعه عن اشتراط ألا تكون وزارة المالية لشيعي، تسهّل ولا تعرقل، طالما أنّ النقاش قائم مع رئيس “مجرّب”. لكن “الخشية الحقيقية أن يذهب الحريري بعيداً في تقديم أوراق الاعتماد للأميركي والسعودي “هذا إن قُبلت”، في سياق إدارة المرحلة بعد ولادة الحكومة”، على ما تؤكد مصادر هذه القوى لـ”أساس”.
إقرأ أيضاً: باريس للقيادات اللبنانية: الحكومة أو الفوضى؟
لا يزال مصطفى أديب يحمل صفة “الرئيس المكلّف” حتى إشعار آخر. والإقامة المؤقتة في فندق “لاهويا” في عين المريسة مرشّحة لأن تطول أكثر طالما العقد لا تزال تزنّر وصول السفير السابق إلى السراي الحكومي.
في نادي داعمي أديب من رؤساء الحكومات السابقين من سجّل أرقاماً قياسية في سباق تأليف الحكومات أشهرهم تمام سلام الذي احتاجت حكومته إلى عشرة أشهر وتسعة أيام كي ترى النور. يستطيع “البيك” أن يقدّم له دروساً في “الصبر”، لكنّ ترف الوقت في الأخذ والردّ والتفاوض لا يملك أديب، ومعه “جمهورية جهنم”، شيئاً منه.
كلّ دقيقة تُحسب على المعرقلين، بمن فيهم الرئيس المكلّف نفسه المتّهم “بالانصياع لإملاءات الحريري إلى درجة عجزه حتى اللحظة عن تكوين حيثية خاصة به ومستقلّة عن داعميه”، بحسب مصادر قريبة من “الثنائي الشيعي”.
يصعب حجب تأثير نجيب ميقاتي على أديب. يقول أحد السياسيين الذي يعرفه عن قرب: “إذا أغمضت عينيك واستمعت اليه تظّن أنّ ميقاتي يتكلّم. وحين تفتحهما تتأكّد أنه نجيب بسبب “تقمّصه” حتّى بعض حركاته”
يقول أحد متابعي تفاصيل التفاوض مع مصطفى أديب منذ تكليفه تشكيل الحكومة: “مصطفى آدمي. لا يقرّر ولا يدّعي أنه يقرّر. لم يتوان في الجلسة الأولى التي جمعته بالخليلين إلى القول لهما: سعد عم بقلّلي حلّها معكم. رؤساء الحكومات السابقون اختاروني ولا أستطيع تجاوزهم، وأطلب منكم تفهّم هذا الأمر”. لكن التجاوز الأول سجّل في سياق اصطفاف أديب البديهي مع سعد ضدّ نادي رؤساء الحكومات السابقين بعد قبول الأخير بإبقاء المالية بيدّ الطرف الشيعي.
كواليس النقاشات والتفاوض تُظهّر أكثر بروفيل مصطفى أديب. فأسماء بعض الوزراء المقترحين، وتوزيعها الطائفي، حطّت على أديب بـ”الباراشوت”، آتية من العاصمة الفرنسية، مع “سكانينغ” للسير الذاتية من الحريري، والبعض الآخر باقتراح الحريري نفسه، وبعض الدوائر المحيطة به. بدا في مكان ما، أنّ أديب متلقّف للأسماء لا أكثر… بانتظار جلسة التعارف.
هنا تحضر المقارنة بين أديب وحسان دياب. يقول عارفو الأوّل: “مصطفى منسجم مع نفسه ويعرف حدوده. هو يسلّم منذ الآن بعدم رغبته بصنع حيثية سياسية له. وبالتأكيد هو ينتمي إلى فئة الشخصيات التي تحبّذ أن تكون رقم 2 دائماً. حتى في الجلسات القليلة التي جمعته مع رئيس الجمهورية لا يتصرّف من خلفية أنه اليوم ممثّل السنّة في هذا الموقع. بعكس دياب الذي حاول منذ اللحظة الأولى تقديم نفسه كمشروع ومنقذ مع “إيغو” طافح لا مكان له في اللعبة السياسية الحالية”.
يصعب حجب تأثير نجيب ميقاتي على أديب. يقول أحد السياسيين الذي يعرفه عن قرب: “إذا أغمضت عينيك واستمعت اليه تظّن أنّ ميقاتي يتكلّم. وحين تفتحهما تتأكّد أنه نجيب بسبب “تقمّصه” حتّى بعض حركاته”!!
لكنّ العارفين يجزمون أنّ “حدود تأثير نجيب وطه ميقاتي عليه بما، في ذلك العون “اللوجستي”، الذي قدّماه له، تفرمل عند عتبة تكليفه تشكيل الحكومة. هنا بدأ الشغل مع سعد الحريري مباشرة ومن خلفه الفرنسيين”.
ويؤكد هؤلاء: “العلاقة السيئة بين الحريري والسنيورة لا تسمح للأخير بلعب أيّ دور، وإن أحبّ الإيحاء خلاف ذلك. تمام سلام خارج معادلة التأثير بقرار منه. وميقاتي أبلغ من يعينه الأمر أنه غير معنيّ بالطبخة الحكومية”.
يقول متابعون للاتصالات الحكومية: “العقد حكماً لا تكمن فقط في حقيبة المالية”، مشيرين إلى “ضرورة تجاوز عقدة دور الكتل النيابية في التسمية والمشاركة في القرار”
وعلى ما يبدو فإنّ مراسيم حكومة مصطفى أديب لن ترى النور قبل حلّ سلسلة عقد يتولاها أكثر من طرف بالنيابة عنه. الحريري قدّم ما لديه بتنسيق وثيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيما تمنّى بعض المسؤولين الفرنسيين، وفق المعلومات، أن تكون صيغة بيان الحريري أكثر مرونة لتسهيل الحلحلة.
الثنائي الشيعي تقصّد “مغمغة” موقفه وعدم الخروج بخطاب واضح فيما أوساطه تؤكد أنّ “إمكانية التفاهم قائمة ونعمل عليها، وأنّ هناك سلسلة ملاحظات على بيان الحريري أسلوباً ومضموناً”.
يقول متابعون للاتصالات الحكومية: “العقد حكماً لا تكمن فقط في حقيبة المالية”، مشيرين إلى “ضرورة تجاوز عقدة دور الكتل النيابية في التسمية والمشاركة في القرار”.
ويختم هؤلاء العارفين بتفاصيل المفاوضات: “تعفّف جبران باسيل، والإيحاء بأنه ينأى بنفسه تماماً عن ورشة الحكومة، أعطى مفعوله حتى الآن، لأن عقدة المالية طغت على أيّ شيء آخر. لكن مع الغوص جدّياً في الأسماء لن يكون لكلام باسيل بأن “رئيس الجمهورية هو الضمانة للتيار” ترجمة عملية بعدما سبق لجبران أن أبدى انزعاجاً كبيراً من تسمية الحريري الوزراء المسيحيين في الحكومة. وهو اليوم سيحرص على أن تكون “ضمانة” الرئيس بأن لا يسير بالأسماء إلا التي يوافق عليها باسيل”.