ماكرون “آدمي” وبسيط. “دخلت عليه” حركات الثنائي الشيعي. لا يزال عوده اللبناني طريّاً. أخذه محمد رعد إلى البحر وأعاده عطشاناً. ضحك عليه بأن حضر لقاء قصر الصنوبر. وفي حديث جانبي، أخذ رعد من ماكرون “سلاماً” إلى الأمين العام للحزب حسن نصر الله. وأبدى الحزب رغبة كبيرة بالتعاون. وكم كانت الفرحة كبيرة حين قال ماكرون: “أعود بعد شهر”. كان ذلك في بداية آب، واشترى لحزب الله شهراً كاملاً من أصل أربعة، أي 35 % من الوقت المطلوب، ومجاناً، بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يراهن الإيرانيون وحلفاؤهم عليها في تشرين الثاني المقبل، لعلّ جو بايدن يعود ويفتح باب الحوار الهادىء معهم.
إقرأ أيضاً: وزارة المالية: من ينكسر “عملاء الاستعمار” أو “كرامة الشيعة”؟
ذهب ماكرون، وعاد، ثم أعطى الحكومة 15 يوماً إضافية. وكأنّ زغاريد حزب الله المكتومة كانت تُسمع في البيت الأبيض، فأوفد شينكر.
لكنّ ديفيد شينكر لم يأكل الطعم. سريعاً فهم أنّ “الثنائي الشيعي” يراوغ، فصفعه بعقوبات على الوزيرين السابقين، يد الرئيس نبيه برّي اليمنى علي حسن خليل، وأحد الأيدي اليمنى للمسؤول في حزب الله، وفيق صفا، يوسف فنيانوس، على حد الوصف الأميركي.
فهم شينكر أنّ “الثنائي الشيعي” يشتري الوقت، وأنّ المبادرة الفرنسية قد تكون ضحيّة لعبة كبيرة، أكلت حتّى حينها شهراً من الوقت، وهدفها أن تأكل شهراً إضافياً أو أكثر
فشينكر، حين جاء إلى بيروت ورفض الاجتماع بأيّ من الرؤساء الثلاثة، والتقى ممثلين عن “الثورة”، اكتفى بجلسات مع بعض المستشارين، من بينهم المستشار الإعلامي للرئيس نبيه برّي، علي حمدان. وفهم منه أنّ طريق الترسيم لا يزال طويلاً.
سريعاً فهم شينكر أنّ “الثنائي الشيعي” يشتري الوقت، وأنّ المبادرة الفرنسية قد تكون ضحيّة لعبة كبيرة، أكلت حتّى حينها شهراً من الوقت، وهدفها أن تأكل شهراً إضافياً أو أكثر، ريثما يرحل الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض.
في غداء جمعه بأصدقاء لبنانيين، من الثوّار، قال شينكر: “أنا قد لا أكون في منصبي بعد شهرين”. قصد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى أنّ ترامب قد يرحل، كذلك هو، في حين سيبقى “الثنائي الشيعي” في موقعه. ولذلك لا بدّ من التصرّف بحنكة وسرعة وفعالية.
في لقاء مع صحافيين وناشطين بدعوة من مؤسسسة مي شدياق الثلاثاء الفائت، قال السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، إنّ “العقوبات أدوات وليست سياسة أميركية”. وشرح أنّه “لا يوجد سياسة أميركية اتجاه لبنان”.
لا بدّ أن يتدخّل شينكر مجدّداً. شينكر “اللبناني” الهوى، بالمعنيين، والذي يعرف ألاعيب الحزب، الآتي من خلفية العمل في مراكز البحث، ومعرفة التفاصيل الدقيقة لكيفية تفكير حزب الله وحلفائه
هكذا نفهم أنّ العقوبات تحاول “التدخّل” لتسريع الحلّ من هنا، أو الضغط على المعرقلين والفاسدين وحلفاء الحزب من هناك. في حين أنّ فرنسا تحمل سياسة وطروحاتٍ واضحة، لا تبدأ من أسماء الوزراء، ولا تنتهي بالحديث عن تفاصيل بناء المرفأ الجديد.
لكنّ الأميركيين فهموا أنّ “الثنائي الشيعي” لا يستعجل الحلّ. من تحمّل 4 سنوات قاسية من ترامب، يمكن أن يتحمّل رصاصاً في ركبتيه خلال الأيام القليلة المتبقية، التي لا تزيد عن 45. فاليوم نحن دخلنا في منتصف الشهر الثاني من المراوغة. وقد اشترى حزب الله 50 % من الوقت المتبقي لانتخابات قد تذهب بترامب وشينكر وكلّ إدارتهما. بقي أقلّ من 45 يوماً. وكلّ ساعة يشتريها الحزب، تارةً باسم التشاور، وطوراً باسم أنّ مصطفى أديب يأخذ وقته، ستكون إنجازاً تاريخياً للحزب.
في هذه الأثناء، لا بدّ أن يتدخّل شينكر مجدّداً. شينكر “اللبناني” الهوى، بالمعنيين، والذي يعرف ألاعيب الحزب، الآتي من خلفية العمل في مراكز البحث، ومعرفة التفاصيل الدقيقة لكيفية تفكير حزب الله وحلفائه، وليس من خلفية التعاون مع سياسيين ورجال دولة، مثلما هو حال الآدمي، والبسيط، إيمانويل ماكرون.