في اليوم الأخير الفاصل عن “انتهاء صلاحية” عقود الـ UNDP بعد فسخ وزارة المال العقود مع برنامج الامم المتحدة الإنمائي، ربطاً بعدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية من الرواتب بالدولار الأميركي، أعلن البرنامج أمس أن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وافقا على طلب الموافقة الاستثنائية من وزير المال غازي وزني لـ”إجراء عقود اتفاق استثنائية لاستمرار المتعاقدين مع البرنامج لتسيير الأعمال، انطلاقاً من مبدأ استمرارية المرفق العام”.
إقرأ أيضاً: الاتصالات: “نصف استعادة” وتبريرات “إخفاق” طلال حواط!
التمديد، وفق البيان الصادر، “سيكون لمدّة أقصاها سنة وبموافقة الطرفين، على أن يعرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء، وأن يتم دفع التعويضات بالليرة اللبنانية وضمن سقف محدد، بما يوازي تقريباً ما كانت تدفعه الدولة اللبنانية من حصتها للبرنامج، وهو ما يعني عدم تحميل الخزينة أي إنفاق إضافي، وخصوصاً أن الاعتمادات متوافرة في الموازنة العامة لسنة 2020 بشكل مساهمات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
هنا انتهى البيان، لكن معه فتح السجال مجدداً حول آلية استمرار هذه العقود واستنزافها لمقدرات الدولة بوصفها أحد مزارب الهدر في الادارة العامة.
كان وزير المال، وفق المعلومات، أبلِغ رسمياً من جانب UNDP أنّ كافة هذه العقود ستكون بحكم الملغاة في 15 أيلول. كما أن وقف هذه العقود كان سيتمّ تدريجاً بدءًا من وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية التي تضمّ العدد الكبير من موظفي UNDP وصولاً إلى كافة الوزارت الأخرى
والمفاوضات، وفق أوساط حكومية، ارتكزت في الأسابيع الماضية على إعادة ترشيد هذه العقود وتخفيض أعدادها بما يتناسب مع متطلّبات الإصلاح والتقشف. أما الرواتب التي علقت بين نيويورك ولبنان مع رفض برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحويل دفعها بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار، فقد رست على قرار دفعها بالليرة اللبنانية. في مطلق الأحوال، هي أزمة ستنتقل مهمّة حلّها إلى الحكومة الجديدة إن صحّت معادلة “الإصلاحات أولاً”!
ففي رسالة من وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني إلى مسؤولة برنامج UNDP المقيمة في لبنان سيلين مويرو في 4 آب الماضي، أعلن الأخير وقف الحكومة اللبنانية العقود الموقّعة مع UNDP وذلك استناداً إلى جواب الأمم المتحدة في 23 تموز الماضي برفضها الإكمال في البرنامج إلا إذا استمرّ دفع الرواتب بالدولار.
وزني أكد في مراسلته عدم قدرة الدولة على تأمين دفع المساهمات في برنامج الأمم المتحدة بالدولار الأميركي بدءًا من 15 آب، ربطاً بالأزمة الاقتصادية الخانقة. أما المشاريع المرصود لها اعتمادات، فستبقى قائمة حتى نفاد هذه الاعتمادات.
وكان وزير المال، وفق المعلومات، أبلِغ رسمياً من جانب UNDP أنّ كافة هذه العقود ستكون بحكم الملغاة في 15 أيلول. كما أن وقف هذه العقود كان سيتمّ تدريجاً بدءًا من وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية التي تضمّ العدد الكبير من موظفي UNDP وصولاً إلى كافة الوزارت الأخرى.
أما حجّة التمديد فهي أنّ إلغاء العقود سيؤدي إلى “توقف عمل أنظمة مكننة المحاكم ومراكز البيانات في مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، ووقف إدارة عدد من المشاريع المتعلقة بعقود النفايات الصلبة ووقف تمويل التشغيل والإدارة في 17 مركزاً لمعالجة النفايات الصلبة، وتوقف أكثر من 90 موقعاً الكترونياً حكومياً وتوقف بوابة التعلّم الالكتروني، وبرامج أمن المعلومات ومكافحة الفيروسات في إدارات الدولة”.
في الوقائع، هي واحدة من نقائص “السيستم” التي شكّلت على مدى عقود باباً للتنفيعات والالتفاف على قانون التوظيف في الإدارات والمؤسسات. برنامج الأمم المتحدة المتعاقد مع رئاستي مجلس الوزراء ومجلس النواب و14 وزارة وإدارة كان يفترض أن ينتهي خلال مدة أقصاها خمس سنوات، لكنه “شلّش” لنحو عشرين عاماً من دون ترجمة ملموسة لمهامه الأساسية: تطوير وتحديث الإدارة العامة!
وتفيد معلومات “أساس” أنّ “العديد من المنظمات الدولية باتت تعتبر هذا البرنامج عبئاً على سمعتها لناحية غياب الشفافية والإنتاجية، ما يقتضي إعادة النظر الشاملة في آليات تطبيقه وترشيقه”.
المتعاقدون مع الـ UNDP كانوا يتقاضون رواتب تفوق بأضعاف رواتب موظفي الإدارة العامة من دون رصد “تمايز” في القدرات بين الفئتين، لا بل إنه خلق نوعاً من “الطبقية” بين موظف عادي وآخر اكسترا.
والرواتب تتراوح كمعدّل عام، بحسب الميزانية المرصودة لبرنامج الوكالة والبالغة نحو 14 مليون دولار سنوياً، بين 4 و 8 آلاف دولار، فيما بعض الرواتب تتجاوز عشرة آلاف دولار. وعليه، فإن ما صرفته الحكومات المتعاقبة من جيبة الخزينة حتى الآن يتجاوز 200 مليون دولار منذ بدء البرنامج.
يقول المدافعون عن استمرار العقود والمشاريع المرتبطة بها إنّ “المطلوب ليس إلغاء البرنامج بل تعديله مع ضرورة تجاوزعقدة آلية الدفع والحفاظ على الطاقات البشرية المنتجة والمفيدة للإدارة، خصوصاً في وزارة التنمية الإدارية التي قد تفرغ بالكامل من الكادر”، مؤكدين أنّ “وقف العقود سيؤثر تلقائياً في المشاريع التنموية التي كلّفت الأمم المتحدة ملايين الدولارات وتستقطب الـ fresh money ضمن مشروع تحديث الإدارات. وثمّة علامة استفهام كبرى حول مصير هذه المشاريع”.
رسمياً فتح ملف عقود الـ UNDP مع حكومة حسان دياب. وسريعاً برزت صعوبة تحديد عدد المتعاقدين بسبب سوء التنظيم والتداخل في الوظائف، إذ تؤكد أوساط حكومية أنّ “من جملة المشاكل وجود مديرين عامين وموظفين في الدولة كانوا يقبضون من الإدارة العامة وفي الوقت نفسه تجمعهم عقود عمل مع الوكالة. كما أنّ اللجنة التي شكّلت في الحكومة الاخيرة لم تتمكّن من رصد الرقم الحقيقي لكلفة الرواتب على مدى عقود ولا مساهمات الحكومة في الوزارات والإدارات فبقي الرقم تقديرياً”.
عقود الـ UNDP تعتبر من أسوأ البرامج على الإطلاق بتاريخ الإدارة وهي ترتقي الى مستوى الفضيحة حيث تجاوز بعضها رواتب مدير عام
يبلغ عدد موظفي الـ 150 UNDPشخصاً، والرواتب تدفع من الخزينة اللبنانية وليس من “جيب” برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفق آلية تقضي بتحويل وزارة المال الرواتب بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 إلى مصرف لبنان الذي يرسلها بالدولار إلى نيويورك، وهناك يُقتطع 5% من مجمل قيمتها لصالح الإدارة، ومجدّداً ترسل الأموال إلى أحد المصارف في لبنان ليتقاضاها الموظفون بالدولار.
ومن الأمثلة الفاقعة على سوء تنفيذ هذه العقود أنّ ملاك وزارة التنمية الإدارية يضمّ 30 موظفاً، فيما هناك 40 موظفاً متعاقداً مع الوكالة. بمعنى آخر فإنّ 40 موظفاً يؤهّلون 30 موظفاً!
ورغم أنّ حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة خفّضت ميزانية الوكالة إلى النصف بعد نحو 25 عاماً، فإن مسار التوظيف والتمويل من خارج الموازنة بقي ناشطاً.
وتقول مصادر داخل الإدارة إنّ “عقود الـ UNDP تعتبر من أسوأ البرامج على الإطلاق بتاريخ الإدارة وهي ترتقي الى مستوى الفضيحة حيث تجاوز بعضها رواتب مدير عام”. وفيما حكي عن دور مباشر لنائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الدفاع زينة عكر بإنهاء هذه العقود، ترفض الأخيرة التعليق. لكن مصدراً وزارياً يجزم قائلاً: “بمطلق الأحوال عليها أن تفتخر بكشفها هذه الفضيحة مع فريق العمل الذي أقفل دكانة عقود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
تضيف المصادر أنّ “حكومة الحريري السابقة خفّضت الميزانية، وحكومة دياب أوقفت العقود، ثمّ مدّدتها. فلنَرَ الحكومة الجديدة ماذ ستفعل خصوصاً أنّ مسؤولين دوليين يقرّون بسوء تنفيذ المهمة التي كانت مطلوبة بموجب هذه العقود”.