التوقيت الأميركي للعقوبات: سوء تقدير وضرب “أدوار” لا أسماء

مدة القراءة 5 د


توقيت العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل يؤشر إلى دخول لبنان في مرحلة جديدة من التشدّد والتصعيد الأميركي، خصوصاً أنّ العقوبات فُرِضَت بناءً على ثلاثة قوانين أميركية: قانون “أوفاك” المتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، قانون “ماغنيتسكي” الذي يفرض عقوبات على المتورطين بعمليات فساد، وقانون “قيصر” الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع النظام السوري ويقدم له المساعدات السياسية أو المالية أو العسكرية.

إقرأ أيضاً: فنيانوس وخليل: رسالة لبرّي حول الترسيم ولباسيل والأرمن والدروز

خليل وفنيانوس ليسا الوحيدين على لائحة تضمّ 143 اسماً لبنانياً، يتمّ اختيار توقيت الإعلان عن كلّ واحد منها بناء على أجندة سياسية، بهدف إحداث تغيير في الميزان السياسي أو تأثير فيه على الأقلّ.

والأسماء الجديدة ستكون أيضاً خاضعة للقوانين الثلاثة، أو لأحدها، أو لاثنين منها، بحسب معلومات “أساس”. ولائحة الـ143 ملفاتها جاهزة وكذلك أسباب اختيارها ومدى تجاوزاتها، ومن كلّ الطوائف والقوى السياسية، بينها رجال دين، وعسكريين متقاعدين ورجال أعمال وغيرهم.

خليل لم يعد المرشّح الطبيعي لرئاسة مجلس النواب لاحقاً، بالاستناد إلى علاقاته الإيرانية، والعضوية مع الحزب

لهذه العقوبات مفاعيل آنية ومستقبلية، لكن بنوعية رزمتها الأولى، واستهدافها أكثر شخصيتين تتمتعان بحيوية سياسية على الساحة اللبنانية، بدا كأنّ المقصود ضرب دوري هذين الرجلين، وليس تأديبهما. فهما يلعبان دوراً تنسيقياً كصلة وصل بين حزب الله وبقية القوى المعارضة له، مثل تيار المستقبل. كما لو أنّ المقصود هو قطع خطوط التواصل بين الحزب وبقية القوى السياسية.

الأهمّ أنّ استهدافهما سيؤثر على الدور الذي يلعبه الرئيس نبيه بري، بما يشكله من ضمانة لكل القوى السياسية المعارضة لحزب الله والتيار الوطني الحرّ، ومن “صمّام أمان” ومرجعية، في غياب رئاسة الجمهورية، وتغييب رئاسة الحكومة. وبالتالي فإنّ ضرب الرئيس برّي، ودوره، عبر استهداف معاونه السياسي، يعطي انباعا بأنّ المطلوب ألا تكون حركة “أمل” جزءًا من المستقبل السياسي في لبنان.وفي هذا خطأ كبير، يجعل حزب الله اللاعب الوحيد في المسرح الشيعي.

فهل المقصود استهداف “إدارة التوازن السياسي” التي يضطلع بها برّي؟

بالتأكيد فإنّ اختيار التوقيت الأميركي ينطوي على سوء تقدير في التعامل مع المعاون السياسي لبرّي، وحركة أمل، ما يجعل هذه الحركة كلها مستهدفة، ويقطع خيوط التواصل التي تلعبها، في ظلّ غياب أيّ بديل ثوري وجدّي على الساحة الشيعية. وهذا يعني أنّ خليل لم يعد المرشّح الطبيعي لرئاسة مجلس النواب لاحقاً، بالاستناد إلى علاقاته الإيرانية، والعضوية مع الحزب. وبالاستناد إلى ما يُشاع حول أنّه الأكثر ترجيحاً لخلافة برّي على المستوى السياسي والرئاسي. ولا بدّ من الاشارة إلى أن برّي يؤيّد فقهياً مرجعية السيد علي السيستاني، وهو متصالح مع العرب، ولا يمكن احتسابه على لوائح المشروع الايراني.

أما باستهداف فنيانوس فيكون قد تمّ تحقيق ثلاثة أهداف: الأول أنّه مسيحي “لايت” ومتحالف مع حزب الله، والثاني رسالة قطع طريق رئاسة الجمهورية على سليمان فرنجية أو الضغط على فرنجية لتقديم تنازلات في سبيل الرئاسة، والثالث أنّه الشخص الأقرب إلى المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل ومساعده الأوّل في التقييم السياسي. بإدراجه على لائحة العقوبات.

هذه المعلومات تتطابق مع استخدام مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر لشعار الثوار اللبنانيين “كلن يعني كلن”. لا سيما أنّ العقوبات ستستهدف شخصيات سياسية ورجال أعمال من مختلف المكونات السياسية

كل المعلومات تفيد بأنّ المرحلة المقبلة ستحفل بالمزيد من العقوبات على شخصيات من مختلف القوى السياسية. عبرها تقول واشنطن للبنانيين إنّه لا يمكنهم الاستمرار بالتعاطي بهذه الطريقة التي تمتهن المناورات، وتجيد اللعب على حبال متناقضة للالتفاف على ما هو مطلوب. فمثلاً عندما تكون الشروط هي تشكيل حكومة إختصاصيين ومستقلّين، يتم اللجوء إلى تشكيل حكومة قوى سياسية تختار وزراء إختصاصيين، بدون تغيير في المعادلة السياسية. الرسالة الأميركية الأبرز في توسيع مروحة العقوبات، هي أنّ كل القوى السياسية لم تعد جديرة بالثقة ولا بالتعاون، ولا بدّ من تغيير النهج والوجوه، لإرساء منطق تشكيل حكومة مستقلين، أي العودة إلى الشرط الأميركي الخليجي المسبق لاختيار مصطفى أديب وحسان دياب، وعدم الحياد عن هذا المبدأ الذي يجهد اللبنانيون للالتفاف عليه. وبحال استمر الإلتفاف فإن العقوبات والضغوط ستستمر.

هذه المعلومات تتطابق مع استخدام مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر لشعار الثوار اللبنانيين “كلن يعني كلن”. لا سيما أنّ العقوبات ستستهدف شخصيات سياسية ورجال أعمال من مختلف المكونات السياسية. كلّ هذا تأكيدٌ على استمرار الأميركيين في النهج والمطالب نفسها، بما يشكّل تكاملاً بين القرارات التنفيذية الأميركية، وصرخات اللبنانيين بتشكيل حكومة مستقلين.

بذلك يشكّل القراران الأميركيان عاملاً تحفيزياً لمزيد من التحركات الشعبية، لأنّ التفاصيل التي ذُكِرَت حول عمليات الفساد، تفترض دفع اللبنانيين إلى الخروج في تظاهرات تطالب بالمحاسبة. وهذا يتطابق أيضاً مع كلام مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر حين قابل ممثلين عن مجموعات في المجتمع المدني، التقاها خلال زيارته لبنان، وانتقد عدم اتّحادها وجديتها، وحثّها على ضرورة مواصلة العمل.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…