لا يخفى على أحد الدّور العماني البارز الذي قاده وزير الخارجية السّابق يوسف بن علوي عام 2013 لإبرام الاتفاق النووي بين الدّول الخمسة زائد ألمانيا وإيران. إذ كانت الوساطة التي قادتها سلطنة عُمان يومها أحد أبرز العوامل التي أدّت لـ”تقريب” وجهات النّظر بين النظام الإيراني وإدارة باراك أوباما.
وحتّى بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، كان للسلطنة الدّور الأكبر في محاولة الحدّ من التوتّر الذي تصاعد بين واشنطن وطهران. ورغم دخول دول عدّة في الوساطة، منها اليابان وسويسرا، إلا أنّ مسقط كان لها منزلة خاصّة في الجهود المكوكية التي قام بها يوسف بن علوي…
إقرأ أيضاً: باريس – واشنطن: الخلاف مستمر حول الحزب
الدّور العماني في السياسة الخارجية أيّام السّلطان الرّاحل قابوس بن سعيد لم يختلف كثيرًا مع تولّي السّلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في السّلطنة، إذ إنّ السّلطان الجديد أعلن أنّ عمان ستواصل لعب دور تقريب وجهات النّظر بين الدّول، ومحاولة حلّ النزاعات بالطّرق السلمية، ما فُسّر بأنّه استمرار للنّهج نفسه في سياسة الدّولة في الإقليم والمحافل الدّولية.
التبديل الوزاري الجديد لم ينعكس سلبًا على الجهود المبذولة على الإطلاق، إذ إنّ بدر البوسعيدي ضلع بشكل مباشر طيلة أعوام في التفاوض السابق والقائم مجددًا، وكان له أدوار مهمّة
والتعديلات التي أجراها السّلطان هيثم بن طارق بإصداره 28 مرسومًا شملت تعديلات وزارية، كان من بينها منصب وزير الخارجية، الذي كان يوسف بن علوي يشغله لأكثر من 23 عامًا، وخلفه في المنصب الوزير بدر بن حمد البوسعيدي، الذي شغل طيلة أكثر من 15 عامًا منصب أمين عام وزارة الخارجية العمانية. الوزير العماني الجديد كان حاضرًا بارزًا في كلّ الاجتماعات الثلاثية التي كانت تُعقد بين 2013 و2015 بين واشنطن وطهران في مسقط، وكان بحسب مصادر خاصّة بـ”أساس” يصبّ اهتمامه على ملفين، الأوّل الوساطة في الملف النووي الإيراني، والثّاني الملف اليمني، حيث أثمرت جهود عمان مؤخرًا في إرساء تهدئة نسبية في اليمن كان للوزير الجديد دور بارز في تثبيتها بعيدًا عن الإعلام وفق الأسلوب العُماني.
وتقول مصادر مُطلعة على المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة سلطنة عُمان لـ”أساس” إنّ التبديل الوزاري الجديد لم ينعكس سلبًا على الجهود المبذولة على الإطلاق، إذ إنّ بدر البوسعيدي ضلع بشكل مباشر طيلة أعوام في التفاوض السابق والقائم مجددًا، وكان له أدوار مهمّة، خصوصًا في الفترة التي تلت اغتيال قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني في بغداد. وتركّزت الإتصالات التي قام بها بين الطرفين على منع ارتفاع التوتّر بين واشنطن وطهران، وإعادة تنشيط “طاولة عمان” التي كانت تشهد جمودًا نسبيًا قبيل رحيل سليماني عن واجهة الصّراع في المنطقة. وقد أثمرت الجهود الدبلوماسية العمانية عن “تقريب وجهات النّظر” في العراق، وموافقة إيران، على تولّي مصطفى الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء في حديقتها الخلفية…
الخلاف بين الطرفين على توقيت تسريع إبرام الإتفاق لا يزال على حاله، كون إيران لا تريد أن تعطي ترامب ورقة انتخابية بعقد الاتفاق قبل موعد الانتخابات الرئاسية مطلع تشرين الثاني المقبل
وأضافت المصادر لـ”أساس” أنّ البوسعيدي نجح بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي أن يجمع كلًّا من الأميركيين والإيرانيين على طاولة واحدة دون شروط مسبقة من الطرفين، ما يدلّ على الثقة التي تتمتع بها الدبلوماسية العمانية عند الخصمين اللدودين. وفي الملف اليمني كان للوزير البوسعيدي لقاءات عديدة مع أطراف النزاع، ومع المبعوث الاممي إلى اليمن مارتن غريفيث، كانت نتائجها أكثر من إيجابية نظرًا لتباعد وجهات النّظر القائمة بين طرفيه، الحكومة اليمنية الشرعية وميليشيات الحوثي.
وتضيف المصادر أنّ الدّور العماني لن يتغير على الإطلاق في الوساطات التي تقودها السّلطنة على صعد عدّة أبرزها الملف النووي الإيراني والملف اليمني، وأنّ هناك خروقات إيجابية عديدة تمّ التوصل إليها بين واشنطن وطهران. إلا أنّ الخلاف بين الطرفين على توقيت تسريع إبرام الإتفاق لا يزال على حاله، كون إيران لا تريد أن تعطي ترامب ورقة انتخابية بعقد الاتفاق قبل موعد الانتخابات الرئاسية مطلع تشرين الثاني المقبل، بل تفضّل أن يكون الاتفاق بعد عودة ترامب أو مجيء خلف له. وتعرب المصادر عن خشيتها من أنّ هذا الخلاف قد يؤدّي إلى تصاعد الضغوط بين الطرفين، وتحديدًا إن حاولت إيران لعب دور “الناخب الأكبر” في انتخابات الرئاسة الاميركية عبر تنفيذ عمل أمني تحت عنوان “الثأر” لسليماني قد يعيد خلط الأوراق من جديد… فهل تنجح الجهود العمانية بتمرير فترة الانتخابات الأميركية بسلام؟ أم سيكون للخصمين كلام آخر بهذا الخصوص؟