علم “أساس” من مصادر على صلة بمشروع سدّ بسري، وعلى اتصال بالبنك الدولي، بأنّ إلغاء القرض المموّل يرجّح أن يكون سببه “Reputational Risk”، أي مخاطر لها علاقة بسمعة المشروع واحتمال تأثيرها على عمل البنك الدولي.
إقرأ أيضاً: بيان البنك الدولي يكذّب باسيل: هكذا سقط سدّ بسري
وفي الرسالة التي بعثها البنك الدولي إلى الحكومة اللبنانية، والتي حصل “أساس” على نسخة منها، يبرّر قرار إلغاء التمويل بأنّ البنك “حذّر من أنّه إذا لم يتلقَّ دليلاً كافياً على أنّ وحدة تنفيذ المشروع قد انتهت من تدوين مشروع التعويض الأيكولوجي (البيئي) في مهلة لا تتجاوز 4 أيلول 2020، وأنّ الحكومة أنجزت ترتيبات التشغيل والصيانة في مهلة لا تتجاوز 24 آب 2020، وأنّ المتعهّد انتقل إلى مكان الورشة في مهلة لا تتجاوز 4 أيلول 2020، فإنّ الجزء الموقوف من القرض المتعلّق بالمشروع، سيلغى”.
وكان البنك أوقف جزئياً صرف القرض في 26 حزيران 2020، وأعطى الحكومة مهلة 6 أسابيع بدأت في 28 تموز: “فقدّمت الحكومة مسودة التعويض الأيكولوجي في 12 آب، وأعطى البنك ملاحظاته عليها في 25 آب. ولهذا التاريخ، لم يتعامَل مع هذه الملاحظات بما يحقّق مطالب البنك…”. وفي الورقة التي وصلت إلى الحكومة معلنةً إلغاء التمويل فإنّه “من دون هذه المعلومات، فإن البنك ليس مخوّلاً القول بأنه قد نُفّذ البند الوارد في اتفاق القرض والمتعلّق بترتيبات التشغيل والصيانة بين وزارة الطاقة ومؤسسة جبل لبنان. وأخيراً، فإنّ المتعهّد لم ينتقل إلى مكان الورشة. لذلك، وحتى تاريخه، لم يتلقّ البنك دليلاً على أنّ الأفعال المطلوبة الثلاثة قد نُفّذت”.
وكان البنك أوقف جزئياً صرف القرض في 26 حزيران 2020، وأعطى الحكومة مهلة 6 أسابيع بدأت في 28 تموز
فهل هناك أساس “كيدي” لإيقاف المشروع كما حاول العونيون الإيحاء على مواقع التواصل، أم هناك تقصير من المتعهّد ومن إدارة المشروع، كما ورد في التبرير الرسمي، وهناك استياء من “سمعة” المشروع، بعدما حاول الوزير السابق للطاقة، رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، أن ينسب المشروع لنفسه، فسيّسه، حتّى صارت مواجهته عنواناً لمواجهة مشروع السدّ، والعكس بالعكس.
وزيرة الطاقة والمياه في الحكومة السابقة ندى البستاني وفي حديث لـ”أساس” رفضت التعليق على هذا الموضوع، واضعة إياه برسم الوزارة الحالية ومجلس الإنماء والإعمار، مؤكدة في السياق نفسه أنّ الوزارة في عهدها تابعت كل ما كان يطلبه البنك الدولي في ملف سد بسري.
في المقابل يوضح مستشار وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، لشؤون سد بسري، خالد نخلة، أنّ فريق الوزارة عمل على هذه النقاط، إن في وزارة الطاقة أو مع مجلس الإنماء والإعمار. وعند سؤاله عن النقاط الثلاث التي أثارها البنك الدولي وهي: التعويض الإيكولوجي، ترتيبات تشغيل السد وصيانته، وعدم التحاق المقاول بمكان العمل، يجيب نخلة “أساس”: “فيما يتعلق بخطة التعويض الإيكولوجي عقدنا عشرات الاجتماعات مع البنك الدولي، وأتممنا الخطة وأرسلت إليهم. وقد تعدلت الخطة وفقاً لملاحظاتهم مرات عدّة، أما آخر نسخة فقد أرسلناها في 16 آب وهي النسخة رقم 29. وكان البنك الدولي دائماً يعيد إلينا ملاحظات مختلفة تتعلق بنقاط سبق واطلع عليها البنك أو بتعديلات كان البنك قد طلبها هو نفسه ليعود ويضع عليها لاحقاً ملاحظة طالباً إعادتها كما كانت قبل تعديلها بناءً على رغبته”.
هناك استياء من “سمعة” المشروع، بعدما حاول الوزير السابق للطاقة، رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، أن ينسب المشروع لنفسه، فسيّسه
وفيما اعتبر نخلة أنّ “بند التعويض الإيكولوجي لا يستحق إيقاف مشروع بـ450 مليون دولار، فالقرض هو ملزم وهناك متعهد باشر بالعمل”. وبالتالي فإنّ “الاستعجال في الحديث عن التشغيل والصيانة غير مبرر لاسيما وأنّنا نتحدث عن مشروع يحتاج لـ5 سنوات”، مضيفاً: “نحن في هذا البند قمنا بما مطلوب وأكثر. العقد يتطلب تدابير، بينما نحن وضعنا بمذكرة تفاهم واضحة من 11 بنداً بين وزارة الطاقة ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان تحدد بوضوح واستناداً للقوانين المرعية الإجراء دور كل جهة في التشغيل والصيانة، كما تحدد دور الوزارة حسب قانون المياه رقم 77/2018، حيث أنّ للوزارة مسؤولية إدارة الأملاك العامة المائية، وتحدد دور مؤسسة المياه وفق القانون 221/2000، كونها الجهة التي تستثمر مياه البحيرة والسد، وتحدد أيضاً دور مصلحة الليطاني باستثمار معمل الكهرباء والمياه وبصيانة بعض الأنفاق المشتركة بين مشروع الليطاني ومشروع بسري”.
وقال نخلة لـ”أساس” إنّه تواصل مع مسؤولي البنك الدولي في واشنطن قبل صدور القرار بساعات: “في هذا الاتصال ناقشنا معهم ملاحظاتهم، وقالوا إنّهم لم يرفضوا مذكرة التفاهم وإنّما طلبوا أن نشرحها لهم، وسألوا لماذا لا يتم حصر التشغيل والصيانة بمؤسسة بيروت وجبل لبنان. فأخبرناهم أننا لا نستطيع مخالفة قانون المياه، فالوزارة مسؤولة عن السد فقط كونها منشأة استراتيجية وتمس بالأمن المائي اللبناني وتحتاج إلى حراسة وأمن، فيما مؤسسة مياه لبنان هي المؤسسة عن سحب المياه وتكريرها والجباية، وسألناهم إن كان الكلام واضحاً، فرفضوا الرد شفهياً قبل دراسة الرد”.
أما فيما يتعلق ببند المتعهد، أوضح نخلة أنّ “المتعهد توّجه برفقة الاستشاري إلى الموقع يوم 4 أيلول وعقدوا اجتماعات في المكاتب، والتقطوا صوراً وهناك محضر موثّق عن الاجتماع”.
وهنا يضيف نخلة مستغرباً: “أنا لا أعرف لماذا اعتبروا أنّنا لم نفِ بهذا الشرط، وبكل الحالات إن رأينا كيف حدثت الأمور، لا بد أن نذكّر أنّه حينما طلبوا منا التوّجه إلى الموقع شددوا على ضرورة أن لا نتعاطى مع المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بإغلاق الموقع”، وسأل: “كيف إذاً يُطلب منا وضمن مهلة محددة أن يبدأ المتعهد بالعمل، وفي الوقت نفسه يحرموننا من مواكبة أمنية مسؤولة عن سلامة المتظاهرين وسلامة المعدات وسلامة المتعهد والعمال. هذا تناقض غريب”.
حالياً ما هي الخطوات التي ستتبعونها؟ يجيب نخلة: “القرار ألغى التمويل، ونحن الآن بصدد دراسة الكتاب ولدينا اجتماعات، وعلى ضوء هذه الاجتماعات ستطرح كل الخيارات أو سيتم المطالبة باستفهامات وتفاصيل أكثر”.
يختم مستشار وزير الطاقة لشؤون سد بسري كلامه باعتبار أنّ “ربط استكمال مشروع من عدمه بهذه الشروط كان يمكن أن يحدث قبل عام من الآن، في حينها كان بالإمكان أن نتجنب كل هذه المشاكل ونتجنب لاحقاً المطالبات بتعويضات من قبل المتعهد. فعلى سبيل المثال، لو لم يكن هناك تظاهرات والمتعهد بدأ عمله بشكل طبيعي، ماذا كان سيحدث اليوم؟ هل كنا سنوقف المشروع”، متوقفاً في إطار “التساؤل المشروع” عند الرسائل السياسية التي تسربت قبل قرار البنك الدولي، وإن كانت هي وراء إيقاف المشروع أم أنّ الأسباب المعلنة كانت في الحقيقية.
نحن الآن بصدد دراسة الكتاب ولدينا اجتماعات، وعلى ضوء هذه الاجتماعات ستطرح كل الخيارات أو سيتم المطالبة باستفهامات وتفاصيل أكثر
بول أبي راشد: حوّلوا سدّ بسري إلى محمية
لا يضع رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد، موقف “البنك الدولي”، في سياق سياسي بحت، موضحاً لـ”أساس” أنّ هذا التبدّل يعود لكون “المناخ السياسي في السنوات السابقة لم يسمح لنا أن نرفع الصوت أو أن نجري نقاشا علمياً حول السدود. وكان هناك ضغط وسيطرة من قبل هذه السلطة على البنك الدولي الذي كان يستقي معطياته منها”.
وبحسب أبي راشد، فإنّ الدولة اليوم تحاول تسييس هذا القرار، مع العلم أنّ هناك 5 أسباب تؤكد أنّه ليس سياسياً:
1- أيّ مشروع يحتاج إلى رخص. ومشروع سدّ بسري تمّ تمريره من دون رخصة، كما حصل في جنّة وبلعا والمسيلحة وبقعاتا. وهذا الأمر كشفناه على جميع المستويات، وحمّلنا البنك الدولي مسؤوليته، فأخبرناه أنّ مدّة صلاحية تقرير وزارة البيئة لدراسة الأثر البيئي قد انتهت. وهذا التقرير يخدم لعامين إن لم يتمّ تنفيذ المشروع. وكان التقرير قد صدر في العام 2014 مع شروط، لكنّ الشروط لم تنفّذ، وصلاحية التقرير انتهت في العام 2016 لأنّ الأعمال لم تبدأ. وعليه، فإنّ هذا التقرير كان يجب أن يعاد، وأن تُجرى دراسة أثر بيئي جديدة.
2- اليوم المعارضة الشعبية أوسع، فكلّ البلديات في محيط سدّ بسري تعارضه بعد التوعية والدراسات بالإضافة إلى جهد الثوار واللبنانيين في الاغتراب.
3- البنك الدولي كان قد طلب منهم القيام بدراسة التعويض الإيكولوجي، ومنحهم حتى 4 أيلول لاستشارة المعنيين، وهذا لم يحدث.
4- إشكالية جرّ مياه الليطاني إلى بيروت: وهنا طلب البنك الدولي القيام باتفاقيات مع مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان ومصلحة الليطاني. وعلى ما يبدو، فإنّ مصلحة الليطاني لم توافق على جرّ 50 مليون متر مكعب، وهذه المياه هي مياه ملوّثة ومسرطنة لا يمكن حتى ريّ الأراضي الزراعية منها.
5- دراسات علمية عدّة صدرت، من بينها: دراسة الخطر الزلزالي، دراسة الأهمية الأثرية والتاريخية والدينية، دراسة تأثير السدّ في الريّ بصيدا، وفي أسماك البحر، وفي الرطوبة… وهذا ما جعل البنك الدولي في موقع “حرج”.
ويعتبر أبي راشد أنّ هذه الأسباب هي التي دفعت البنك الدولي إلى قراره الأخير، مقتبساً كلام الباحث الجيولوجي الدكتور طوني نمر عن السدّ، والذي قال فيه “إن أسوأ موقع لإنشاء سد في العالم، هو في هذه النقطة. لكونها نقطة التقاء فالقين زلزاليين”.
ويوضح أبي راشد أنّ هناك بدائل فـ”الألمان درسوا نبع جعيتا الذي هو المصدر الأساسي لإيصال المياه لبيروت، ووضعوا خططاً عديدة لرفع نسبة المياه، لاسيما وأنّ المياه في جعيتا أنظف وأقرب، ما يعني كلفة أقل وتنفيذ الإصلاحات في مدة زمنية أقل”، مشيراً إلى أنّ “الدراسة التي أجرتها الـ UNDP، في العام 2017، ناقضت الدراسة الصادرة في العام 1970 التي استند إليها جبران باسيل في خطّة السدود. وقالت الدراسة إنّ المياه الجوفية ليست في عجز، وإنما هي فائض في كلّ السنين. سنين الجفاف وسنين الأمطار”.
وفيما يتعلّق بالأموال التي دفعت للاستملاكات وقيمتها 150 مليون دولار، يرى أبو راشد أنّ الحلّ بتحويل المنطقة إلى محمية دينية – أثرية – زراعية – طبيعية، مطالباً الحكومة الجديدة بوضع دراسة واستراتيجية جديدة لقطاع المياه، وأن تكون كلّ من وزارتي الطاقة والمياه والبيئة حياديتين وغير تابعين لأيّ جهة سياسية.