لم يكن محترماً ولا إنسانياً ولا لائقاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حين صرخ في وجه مواطنه الصحافي جورج مالبرونو. استغلّ وجود كاميرات التلفزيونات، وكاميرات هواتف الحاضرين، في قصر الصنوبر، ليقدّم لنا “مسرحية” حاول من خلالها حفظ ماء وجه السياسيين الذين التقاهم، والذين كتب مالبرونو في “لوفيغارو” أنّه “هدّدهم” بفرض عقوبات عليهم إذا لم يلتزموا بتنفيذ الإصلاحات التي يطلبها منهم.
إقرأ أيضاً: بعد التكليف: شهر للتأليف بين عصا العقوبات وجزرة الدعم
ومن جملة ما قاله ماكرون، بعصبية لا تليق بمنصبه ولا بصورته العامة، أنّ مالبرونو “Irresponsable”، أي “غير مسؤول”.. لم يقل إنّه “كاذب” أو “مبالغ”، بل صرخ بوجهه: “Irresponsable”. مما يعني أنّ ما جاء في مقال مالبرونو صحيح، لكن ماكرون لا يوافق على نشره.
هجوم ماكرون على الصحافي الذي طأطأ رأسه ولم يجرؤ على الردّ، أكّد الرواية، عن “البهدلة” التي تلقّاها السياسيون اللبنانيون في جلستهم مع رئيس فرنسا، وأنّه هددهم بالعقوبات والويل والثبور وعظائم الأمور.
ما كُتب صحيحٌ إذاً. لكنّ ماكرون ظنّ أنّه على الطريقة اللبنانية، حين يصيح بوجه الصحافي علناً، الذي كلّ جريمته أنّه نقل ما جرى، سيكون قد “ثأر” للسياسيين اللبنانيين
وقد أكّد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر رواية “لوفيغارو” في حديثه إلى جريدة “النهار” أمس، إذ أجاب ردّاً على سؤال حول ما كتبه مالبرونو: “قرأت تقارير بعد زيارة ماكرون تفيد أنّ شخصيات بارزة قد تواجه عقوبات إذا عرقلت الإصلاحات. تقارير مهمة جداً، نحن كالفرنسيين نبحث في مثل هذه الإجراءات، ولا أريد استباق هذه التصنيفات والحديث عن عقوبات على أشخاص من الحزب أو قريبين منه“.
ما كُتب صحيحٌ إذاً. لكنّ ماكرون ظنّ أنّه على الطريقة اللبنانية، حين يصيح بوجه الصحافي علناً، الذي كلّ جريمته أنّه نقل ما جرى، سيكون قد “ثأر” للسياسيين اللبنانيين من الخبر المنشور ومن المهانة العلنية التي نشرت عنهم.
بكلّ الأحوال فإنّ “صراخ” ماكرون هو إهانة في غير محلّها، وما قام به يعبّر عن غضب وليس عن “تكذيب” للخبر. وبالطبع هو أهان قصر الصنوبر ولبنان والصحافة اللبنانية والحريّات في لبنان، كما أهان الصحافة الفرنسية والحريّات الفرنسية والإرث الفرنسي الحرّ في لبنان والمشرق. وفي حين كان ماكرون يصرخ بوجه مالبرونو: “ما فعلتَه خطير وغير مهني وتافه”، كنّا نحن، المشاهدون، ننظر إلى رئيس يقوم بعمل “خطير وغير مهني وتافه”.
فما الرسالة التي بعثها الضيف الفرنسي؟ أنّه لا يقبل بكتابة ما قاله علناً؟ هل هذه هي تقاليد الصحافة الفرنسية؟ أن ينفّذ الصحافي أوامر الرئيس؟ أن يتحمّل الإهانة العلنية ويمضي في حال سبيله؟ أم أنّ ماكرون على الأرض اللبنانية طبّق القول الشائع: “عندما تكون في روما تصرف كما يتصرف الرومان”، متذكراً أنّ رئيساً لجمهورية لبنان صفع ذات مرّة صحافياً عتيقاً أمام المئات.