العقوبات على باسيل… هل للمصارف قدرة على التلاعب؟

مدة القراءة 6 د


هل المصارف ملزمة حكماً بإقفال حسابات الوزير جبران باسيل بعد العقوبات التي صدرت بحقّه وفق “قانون ماغنيتسكي” على خلفية تورّطه بالفساد؟

سؤال يطرحه الكثير من المهتمين.

القانونيون يقولون إنّ المصارف ملزمة، ولا حاجة لها لانتظار تدقيق أو تحقيق من أيّ نوع، وهي ستتعامل معه كما تعاملت مع غيره ممن طالتهم العقوبات الأميركية. لكنّ السؤال الذي يُطرح مرة أخرى: كيف تعاملت هذه المصارف مع الوزراء السابقين المعاقبين قبله، الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس؟ أحدٌ لا يعرف!

خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي يفترض أنّ “تعاطي المصارف مع هذه العقوبات يجب أن يكون موحّداً. لكنّ نوعية العقوبات وتفصيل القوانين الأميركية بين ماغنيتسكي أو قيصر أو حتى أوفاك، تتعلّق بحظوظ الشخص أو الكيان المعاقب، ومدى قدرته على الخروج منها، وما يجب أن يفعل لناحية الإجراءات القانونية المطلوبة لإخراج نفسه منها”، وهذه الإجراءات غالباً ما تلي مرحلة إدراج الاسم على لوائح العقوبات.

وحينما تصدر عقوبات بحق كيان أو شخص معيّن، فإنّ المصارف مطالبة، بالنظام وفي المبدأ بحسب فحيلي في حديثه لـ”أساس”، بـ”تجميد حسابات الجهة المعاقبة، وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، إن كان هذا الشخص يملك حسابات لديها، مُظهرة أرقام هذه الحسابات وطبيعتها، إذا كانت جارية أو حسابات توفير أو مجمّدة لأجلٍ محدّد، وكذلك إن كانت مع دفاتر شيكات أم لا، إضافة إلى حجم الأرصدة فيها ونوعية العمولات. ثم بعد ذلك ينتظر المصرف تعليمات الهيئة ليعرف ما يجب أن يفعله بهذه الحسابات وهذه الأموال”. كما يكشف فحيلي أنّه “في بعض الحالات، تُحوّل الأرصدة إلى حسابات لدى مصرف لبنان، وتُجمّد لديه إلى حين معرفة مصير الشخص المعاقب”.

حينما تصدر عقوبات بحق كيان أو شخص معيّن، فإنّ المصارف مطالبة، بالنظام وفي المبدأ، بتجميد حسابات الجهة المعاقبة، وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان

أما في ما يخصّ تعاطي المصارف مع العقوبات، فيكشف فحيلي أنّ التفريق بين المصارف غير اللبنانية وبين المصارف اللبنانية، وبين تلك اللبنانية وفيها مساهمون أجانب، وخصوصاً أميركيون، أمرٌ لا بدّ منه، لأنّ الأخيرة لا تتعاطى مع العقوبات مثل تلك المصارف اللبنانية الصرف، التي “تحرص غالباً على تجميد البطاقات البلاستيكية للشخص المعاقب، وتوقيف دفاتر الشيكات الخاصة به” حتّى لا يظهر اسمه في أيّ مقاصّة، لأّنّ في ذلك احتمالاً أن يُكشف أمره. ومن أجل ذلك تتعاطى معه على مبدأ “الكاش” فقط، ومن دون أن يعني ذلك أن تلجأ إلى خيار إقفال حساباته كلياً: “خصوصاً في حال كانت هذه الحسابات بالليرة اللبنانية”.

أما إن كانت الأرصدة في هذه الحسابات كبيرة جداً، فيقول فحيلي إنّها تُحول غالباً إلى “حسابات بالأمانة”، فتتحول بذلك إلى “مجرّد خزنة في المصرف”، فتأخذ منها الشخصية المعاقبة ما تشاء وتضع فيها ما تشاء بلا أيّ إجراءات خارج عتبة الفرع المصرفي الذي يتعامل معه.

أما عن طبيعة أفراد العائلة التابعة حساباتهم للشخص المعاقب، فيكشف فحيلي أنّ “الزوج أو الزوجة والأولاد فوق السنّ القانوني والإخوة والأخوات والأصهار، فيُعدّون من بين أفراد العائلة المقرّبين من الشخصية المعاقبة”، وكذلك في حال كان لديه شركاء في أعمال محدّدة يملك معهم حسابات المصرفية مشتركة، فتُعدّ هذه الحسابات بمثابة ملك خاص للشخص المعاقب أيضاً، بمعزل عن الشريك”. وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص المقرّبين “تنتظر المصارف غالباً تعليمات هيئة التحقيق الخاصة لمعرفة إن كانت حساباتهم معرّضة للتجميد أم لا”، ويضيف فحيلي: “حتّى المصارف التي لا تملك حسابات للأشخاص المعاقبين، مطالبة أيضاً بأن تبلّغ الهيئة بأنّ لا حسابات لديها لهذه الشخصية”.

وفي ختام الحديث، يؤكد فحيلي أنّ تجميد الحساب “لا يصل إلى حدود منع صاحبه من التصرّف بحسابتها بشكل كليّ”، فالمصارف “تسمح غالباً بإجراء عمليات مصرفية بعيدة عن إجراءات المقاصة والتحويلات”، كما لا شيء يمنع بعضها من دفع هذه الأرصدة بموجب شيك مصرفي لصاحبها، وتكون بمثابة “خدعة أو Bluff”، لأنّ المصارف كلها لن ترضى بفتح حساب بموجب هذا الشيك لأيّ شخصية معاقبة.

إن كانت الأرصدة في هذه الحسابات كبيرة جداً، فإنّها تُحول غالباً إلى “حسابات بالأمانة”، فتتحول بذلك إلى “مجرّد خزنة في المصرف”، فتأخذ منها الشخصية المعاقبة ما تشاء وتضع فيها ما تشاء بلا أيّ إجراءات خارج عتبة الفرع المصرفي الذي يتعامل معه

هذا الإجراء لم يُعرف إن كان قد اتُبع مع الوزيرين السابقين، لكنّ معلومات مصرفية خاصة بـ”أساس”، تشير إلى أنّ أحد الوزيرين المعاقبين سابقاً، قد حصل على أمواله من مصرف محليّ بطريقة “الكاش”، وعلى سعرِ صرفٍ قريب جداً من سعر “السوق السوداء” (6000 على الأرجح وليس 3900 كما هي تسعيرة المنصة) لأّنه لم يكن مبلغاً كبيراً جداً، وذلك على عكس الوزير الآخر الذي يملك رصيداً كبيراً نسبياً، ولم يُعرف كيف تعاملت معه المصارف المحلية حتّى اللحظة.

أما في حالة الوزير جبران باسيل، فيكشف لـ”أساس” مصدر مصرفي مطلع على هذه التفاصيل، أنّه لا يملك حسابات مصرفية في البنوك المحلية، خصوصاً أنّه كان على علم بقرب فرض العقوبات عليه، وقد أشار إلى هذا الأمر أكثر من مرة في المؤتمرات الصحافية التي عقدها سابقاً (آخرها أول من أمس الأحد)، كما سبق أن صرح مراراً بأنه مديون، وعلى هذا الأساس رفع عن نفسه السرية المصرفية. لكن على الرغم من ذلك، فإنّ المصارف كلها مطالبة بإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة بحسابات باسيل كلها، بغضّ النظر عن العملة التي يتعامل بها. حتى المصارف التي لا تملك حسابات له، عليها أن تصرّح بذلك.

إقرأ أيضاً: الخارجية الأميركية: “استفتاحية” ماغنيتسكي والآتي أعظم!

في المحصّلة، فإنّ الاجابة عن الأسئلة أعلاه، تطرح المزيد من التساؤلات الملحّة بعد إدراج 3 شخصيات على لوائح الإرهاب والفساد الأميركية: هل المصارف المحلية، لبنانية كانت أم غير لبنانية، أبلغت فعلاً هيئة التحقيق الخاصة بحسابات الوزراء السابقين المعاقبين؟ وهل هيئة التحقيق الخاصة جاهزة لتخبرنا في حال قامت المصارف بدورها هذا وبأنّها تتصرّف فعلاً بالمهنية المطلوبة أم لا؟

هل من أحد في الجمهورية اللبنانية جاهز للإجابة عن هذه الأسئلة، فيما الحجة دوماً “قانون السرية المصرفية”… هو نفسه القانون الذي يُعطّل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان اليوم، ويتركنا في الطامّة، هي هي بمعزل إن كانت عقوبة أو تحقيقاً!

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…