الحزب يواجه الراعي وبرّي لتغيير النظام

مدة القراءة 5 د


بين السبت والأحد، أوقع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نفسه في موقفين متناقضين. مساء السبت أعلن أنّ حزبه تلقّى عروضاً كثيرة سياسية ومالية وتعزيزاً لموقعه في الدولة، مقابل تغيير وجهته السياسية والكف عن مواجهة العدو الإسرائيلي، وكان الجواب رفضاً قطعياً. فحزبه لن يبدّل تبديلاً على حدّ قوله.

أقرأ أيضاً: ليست مشكلة “سلاحية” فقط: هي مشكلة كيان وتغطية خارجية

لكن قبل ظهر الأحد، أبدى نصر الله استعداد حزبه للانفتاح على أيّ نقاش في تطوير النظام السياسي أو الذهاب إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد، متلقّفاً المبادرة الفرنسية. قال نصر الله بوضوح: “منفتحون على أيّ نقاش هادئ في مجال الوصول إلى عقد سياسي جديد شرط أن يكون النقاش برضى اللبنانيين كافة”. 

يؤشّر هذا الكلام إلى اعتراف حزب الله بعقم النظام اللبناني المعمول به حالياً، ويمثّل استعداداً للبحث بتعديل الدستور، ما يعني انفتاح الحزب على العروض التي قدّمت له ونفاها نصر الله مساء السبت.

في بنية خطابه الذي ناقش كلّ البنود والملفات المطروحة، أراد نصر الله استباق زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واستباق موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سيطلقه عشية ولادة لبنان الكبير. وكأنه يساهم في رسم ملامح المرحلة المقبلة، ويبعث رسالة إلى ماكرون تقبل العرض الذي قدّمه، خصوصاً أنّه عندما التقى الرئيس الفرنسي بالنائب محمد رعد كان يفترض بحزب الله أن يقدّم رزمة أجوبة على العروض الفرنسية. موقف نصر الله حمل جانباً أساسياً من هذه الأجوبة.

منفتحون على أيّ نقاش هادئ في مجال الوصول إلى عقد سياسي جديد شرط أن يكون النقاش برضى اللبنانيين كافة

بدأ نصر الله من تلقّف المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة، مع تأكيد الانفتاح على كلّ الخيارات وتسهيل عملية تشكيلها، والالتزام بكلّ شروط الإصلاح، مقابل أيضاً الإصرار من قبل الحزب على المشاركة بهذه الحكومة. ولم تقف الأجوبة عند هذا الحدّ، بل ارتضى نصر الله الذهاب إلى نقاش حول العقد السياسي الجديد، وسط معلومات تفيد بأن باريس تتحضّر لعقد مؤتمر لبناني جامع في الأشهر الثلاثة المقبلة للانتقال إلى العقد الجديد. فعندما يبدي نصر الله الاستعداد لمثل هذا النقاش، فهذا يعني التماهي مع المسعى الفرنسي حول تقديم الحزب تنازلاتٍ في الميادين الخارجية من سوريا إلى العراق واليمن، مع الالتزام بأمن إسرائيل، مقابل تعزيز دوره في البنية السياسية والدستورية للبنان في المرحلة المقبلة.

وهو أراد استباق ذلك، باستكمال طرحه حول اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لتحديد ما يريده اللبنانيون. استغلّ نصر الله الدعوات الدولية لتشكيل حكومة أو إرساء معادلات سياسية تلبّي تطلّعات اللبنانيين، بالقول إنّه يجب استفتاء اللبنانيين على ما يريدونه. وهكذا فقط يمكن تلبية مطالب اللبنانيين وتطلّعاتهم. طرح الاستفتاء من قبل حزب الله، هو خطوة متقدّمة إلى مدى بعيد، إذ يعلم الحزب أنه سيكون صاحب الكتلة الشعبية الأكبر التي تصطف خلفه، انطلاقاً من تحالفه مع حركة أمل، ومع قوى سياسية وحزبية من طوائف مختلفة، فسيكون متسيّداً على الساحة الشيعية، ومسجّلاً للخروقات في الساحات الأخرى، الدرزية، والسنية، والمسيحية. وسيقول للمجتمع الدولي إنّ الخيار الذي يريده هو صاحب الأكثرية.

نصر الله قد تجاوز الرئيس نبيه برّي، المدافع دوماً عن اتفاق الطائف، والذي ظلّ يصرّ على حمايته وتنفيذ بنوده المتبقيّة، ومنها إلغاء الطائفية السياسية، حتّى اليوم

موقف نصر الله هذا كان قد استبقه البطريرك الماروني بشارة الراعي الماضي في تصعيده بوجه الحزب. إذ دعا البطريرك إلى تكريس “الحياد”، مؤكداً أن لا تسويات جديدة على حساب الكيان، ومتمسّكاً بالحفاظ على اتفاق الطائف. كلام الراعي يقطع الطريق على محاولة حزب الله أن يصرّف سياسياً فعالية سلاحه وقتاله في لبنان وخارجه. لأنّ ذلك سيؤسّس لدوّامات عنف وتطرّف وتسلّح لدى كلّ طائفة أو فئة لبنانية، تسعى إلى الانخراط في مشاريع تسلّحية وإقليمية بغية تعزيز حضورها السياسي وزيادة مكاسبها. وكأنّ الراعي يرفض المبادرة الفرنسية، التي تريد تعويم حزب الله بشكل أو بآخر على حساب الآخرين، مقابل الحفاظ على الكيان بتعديل دستوره أو أجزاء من تركيبة نظامه.

أيضاً فإنّ نصر الله قد تجاوز الرئيس نبيه برّي، المدافع دوماً عن اتفاق الطائف، والذي ظلّ يصرّ على حمايته وتنفيذ بنوده المتبقيّة، ومنها إلغاء الطائفية السياسية، حتّى اليوم. ويبدو أنّ برّي ليس في أجواء المبادرة الجديدة التي أطلقها نصر الله أمس.

الموقفان اللذان وضع نصر الله نفسه بينهما، سيسهمان في إحراجه أكثر. فهو بشكل أو بآخر، أعلن صراحة الاستعداد للتفاوض على الدور والسلاح، وتلك فرصة ستتلقّفها قوى عديدة لزيادة الضغوط، وتحصيل المزيد من التنازلات، بما يفرض عليه تقديمها. أما بحال رفض العرض وعاد إلى الموقف الذي أطلقه يوم السبت بأنّه لا يمكن لحزب الله قبول العروض المقدّمة له مقابل تغيير وجهة سياسته، فإنّ ذلك سيسهم في ضرب الحزب أكثر، مالياً وسياسياً، شعبياً وربما عسكرياً في المرحلة المقبلة، على غرار الغارات التي يتعرّض لها مع إيران في سوريا أو العراق أو حتّى داخل إيران. وهنا تتجلّى المعادلة الأميركية التي تتعارض مع الطرح الفرنسي، إذ إنّ واشنطن تتعاطى مع الحزب المتوسّع في سوريا والعراق واليمن بتوجيه المزيد من الضربات العسكرية له، بينما سياسياً في لبنان تقول له: عليك أن تبقى خارج الحكومة وخارج تركيبة السلطة. 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…