كثرت التساؤلات حول الأسباب التي جعلت مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر يزور لبنان، وهي الزيارة الثانية له منذ تعيينه في منصبه في حزيران عام 2019، من دون أن يلتقي أيّاً من المسؤولين اللبنانيين في زيارته الثانية. وعلى الرغم من أنّ هذا التجاهل الذي مارسه المسؤول الأميركي، غير مألوف في العلاقات الدولية، لكن يبدو أنّ هناك معطيات لم تصبح علانية برّرت هذا التجاهل الأميركي للسلطات الرسمية. وقد اطلعت “أساس” على بعض المعطيات التي تلقي الضوء على طبيعة المرحلة التي يمرّ بها لبنان حالياً.
إقرأ أيضاً: هيل وبرّي: ترسيم ويونيفيل وشينكر ثالثهما….
من هذه المعطيات التي كشفت عنها أوساط ديبلوماسية، أنّ نائب وزير الخارجية الأميركية وصل إلى بيروت مزوّداً بخطة عمل من قسميّن: الأول، يتعلّق بمصير المساعدات التي بادرت الإدارة الأميركية فوراً إلى تقديمها بعد انفجار الرابع من آب الماضي في مرفأ بيروت والتي واكب وصولها في حينه وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل. وقد حرص شينكر فور وصوله إلى العاصمة اللبنانية على متابعة التفاصيل التي تتصل بكيفية التعامل مع هذه المساعدات التي تولّى الجيش اللبناني، الذي كان ولا يزال، المؤسسة الرسمية الوحيدة المخوّلة الإشراف على وصول المساعدات الأميركية ومعظم المساعدات التي وصلت من الخارج، ثم الإشراف على توزيعها. وقد أتى لقاء شينكر مع قائد الجيش العماد جوزف عون ضمن هذا الاطار، بالاضافة إلى متابعة مواضيع ذات الصلة بالعلاقات بين واشنطن والمؤسسة العسكرية.
توجيهات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لمساعده قبل أن يبدأ الأخير جولته في الشرق الأوسط، طلبت أن يعدّل برنامج لقاءاته في لبنان، فيلتقي المسؤولين هنا في حال جرى إحراز تقدّم في ملف الترسيم البحري
أما القسم الثاني من خطة العمل المشار إليها، فكان يرتكز على ما طرحه هيل في زيارته الأخيرة إلى بيروت وتتصل بترسيم الحدود البحرية على الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل. وخلال الأسابيع التي فصلت بين زيارتي هيل وشينكر، جرت متابعة للطروحات المتصلة بعملية الترسيم هذه. وتبيّن أنّ المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لم تحرز أيّ تقدّم، وسط مؤشرات إلى أنّه لم يدم طويلاً ذلك التفاؤل الذي ردّده رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي يتولّى عملياً متابعة ملف الترسيم مع الجانب الأميركي حتى اللحظة التي تراجع فيها الحزب عن موافقته السابقة ودخوله في لعبة ترسيم الملف إلى الرئيس عون باعتباره صاحب مشروع “الاشتباك” وليس الحلّ، للتنقيب في البلوك رقم 9. لذلك صرّح شينكر بعد وصوله إلى لبنان أنّ ملف ترسيم الحدود البحرية عاد مجدّداً إلى مربع التعقيد.
وكشفت الأوساط الديبلوماسية لـ “أساس” أنّ توجيهات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لمساعده قبل أن يبدأ الأخير جولته في الشرق الأوسط، طلبت أن يعدّل برنامج لقاءاته في لبنان، فيلتقي المسؤولين هنا في حال جرى إحراز تقدّم في ملف الترسيم البحري، لكن هذا التقدّم لم يبصر النور.
ما هي المعلومات المتصلة بهذا الملف النفطي المهمّ، وخصوصاً البلوك رقم 9 الذي يمثّل جوهر مفاوضات الترسيم لوقوعه على جانبي الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟
في غياب أيّ موقف رسمي من إسرائيل بشأن النزاع حول الترسيم البحري مع لبنان، ظهرت مؤشرات من جانب “حزب الله” الذي يملك فعلياً كلمة الفصل في هذا المضمار تؤكد أنّ الحزب عاد إلى استخدام ملفّ الترسيم كأحد الأوراق الأساسية في المواجهات الإقليمية التي تخوضها إيران على أكثر من جبهة في مواجهة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومن هذه المؤشرات ما ذكرته مصادر إعلامية مخوّلة التعبير عن مواقف “حزب الله”، اعتبرت أنّ “ملفي الغاز والمرافئ في لبنان يشكّلان تنافساً مع إسرائيل، وواشنطن تنظر إلى لبنان فقط من منظار أمن إسرائيل، وكلّ الأساطيل الموجودة أتت بهدف أساسي يتعلّق بالنفط والغاز على السواحل اللبنانية”. ورأت أنّ أحد أهداف صندوق النقد الدولي هو “رهن النفط والغاز، في حين أنّ مصلحة لبنان تكمن في البدء بالتنقيب في البلوك رقم 9، قبل إبرام اتفاق مع إسرائيل، وتالياً قبل الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في شأن الملف النفطي.”. وخلصت هذه المصادر إلى القول إنّ “المنطقة على أبواب صراع ترسيم حدود بحرية، ولا أحد باستطاعته حماية حدوده إلا من لديه القدرة على ذلك”.
في المعلومات المستقاة من محادثات شينكر مع ممثّلي المجتمع الدولي قبل وصوله إلى لبنان أنّ العدّ العكسي قد بدأ للوساطة الفرنسية، وسينتهي آخر الشهر الحالي
بالتزامن مع زيارة شينكر لبيروت، وصل إلى العاصمة اللبنانية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية ليتصدّر المشهد الفلسطيني في لبنان، الأمر الذي رأت فيه واشنطن وغالبية عظمى من اللبنانيين تصعيداً من “حزب الله” بأمر من طهران للردّ عاجلاً على تطوّر العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. وبحسب المراقبين، فإن إيران طلبت من “حزب الله” كي يجعل من بيروت منصة للردّ على واشنطن بعدما عجزت عن ترتيب لقاء بين أركان المعارضة الفلسطينية في دمشق بسبب رفض موسكو مثل هذا اللقاء كي لا تبدو روسيا في موقع متماهٍ مع السلوك الايراني. أما ما قاله شنكر بشأن زيارة هنية للبنان، فقد دلّ على أنّ لبنان واقع تحت تأثير “حزب الله” على الرغم من أنّ الجهد الفرنسي الذي بذله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انطلق من محاولة الفصل بين حزب الله كفريق سياسي يمكن التعامل معه حالياً لقيام حكومة تتولّى إنقاذ لبنان من أزماته المالية الاقتصادية، وبين كونه منظمة مصنّفة إرهابية في الغرب والخليج العربي.
وبالتزامن أيضا، كان لافتاً ما ورد في تقرير إعلامي روسي عن قيام طهران بنقل ما لا يقل عن ثلاث أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز “خرداد 3” إيرانية الصنع، إلى الحدود السورية اللبنانية، التي تستهدفها معظم الضربات التي يشنها الجيش الإسرائيلي بواسطة طائرات إف 16.
في المعلومات المستقاة من محادثات شينكر مع ممثّلي المجتمع الدولي قبل وصوله إلى لبنان أنّ العدّ العكسي قد بدأ للوساطة الفرنسية، وسينتهي آخر الشهر الحالي، وسط مراقبة لصواريخ “حزب الله”، وهي تخرج بالمعنى الحرفي والمجازي من مخابئها العسكرية والسياسية في المرحلة الراهنة.