بلغت درجة استنفار القوى الأمنية يوم أمس 90% في إطار المواكبة لحدث صدور الحكم النهائي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأيضاً كان هناك توقّع بحصول صدام في البقعة الفاصلة عن مفرق القصر الجمهوري، بعد دعوات من مجموعات من الثورة للتظاهر أمام قصر بعبدا للمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون، ودعوة مضادة من التيار الوطني الحر أتت عقب تحذيرات علنية من رئيس التيار النائب جبران باسيل “بأننا لن نسكت بعد اليوم”!.
إقرأ أيضاً: السرايا: غضب الشارع مطلوب؟
ومرّة أخرى، يطلّ بهاء الحريري برأسه من النافذة اللبنانية. دخول متقطّع و”على القطعة” عنوانه “دعوة اللبنانيين إلى التمتّع بأعلى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن ردّات الفعل الغاضبة” بالتزامن مع صدور حكم المحكمة. وبدربه “الدعوة لرحيل منظومة التدمير الممنهج بكافة رموزها وأشكالها”. هي المنظومة التي عاينها عن بعد أقلّه منذ العام 2005 من دون أن يكون له أيّ موقف أو دور وطني وسياسي في الوقوف بوجهها إلى أن قرّر ركوب موجة 17 تشرين!
حَدَث ذلك في ظلّ تقارير أمنية تقاطعت في الساعات الماضية عند إمكانية حدوث تحرّكات في بيروت والشمال والبقاع، مع موعدٍ حدّده مناصرون لبهاء الحريري لزيارة ضريح الرئيس الحريري عند الساعة الخامسة وقراءة الفاتحة. أما من جهة “تيار المستقبل”، فكان القرار الحزبي واضحاً: “لا دعوات للتظاهر والتجمّع، ولا للصدام في الشارع”.
الوجه الآخر لـ”حالة” الشارع، فتُرجِم من خلال حالة الطوارئُ المعلنة التي تمّ تمديدها أمس 30 يوماً
وهو قرار تمّ إبلاغه للجيش وقوى الأمن، وعلى شكل رسالة سياسية إلى حزب الله: “لسنا مسؤولين عن أيّ تحرّك محتمل في الشارع. وسعد الحريري متمسّك بخياره لجهة منع الفتنة”.
لكن، بالتزامن مع إعلان الحكم بقضية الحريري، الذي حيّد قيادتي حزب الله وسوريا بتأكيد “عدم وجود دليل مباشر على ضلوع قيادتهما بالجريمة”، رُصِد هدوء فوق العادة في الشارع. حتّى إنّ مناصرين لبهاء الحريري، ممن كانوا أبلَغوا مسبقاً بنيتهم زيارة تمثال الحريري في منطقة السان جورج، حيث نفّذت جريمة الاغتيال، عَدلوا عن قرارهم ولم يُرصد لهم أيّ تحرّك في بيروت أو في المناطق.
أما الوجه الآخر لـ”حالة” الشارع، فتُرجِم من خلال حالة الطوارئُ المعلنة التي تمّ تمديدها أمس 30 يوماً. في هذا السياق، لم يصدرعن قيادة الجيش، صاحبة الإمرة على كافة الأجهزة الأمنية وفق مقتضيات هذا المرسوم، أيّ توجه لفرض حظر تجوّل أو إصدار أوامر ضمن إطار العمل الاستباقي لقمع تحرّكات محتملة على رغم حساسية هذا الحكم.
وتقول مصادر عسكرية في هذا السياق إنّ “درجة الجهوزية كانت عالية، والجيش حُجِز بنسبة 90% منذ ليل الاثنين، والانتشار العسكري في المناطق كان ملحوظاً. والهدف منه مواجهة أيّ طارئ أو استباقاً لتطوّرات ما، خصوصاً مع ورود معلومات عن احتمال حصول تجمّعات أمام الضريح وفي مناطق بيروت وقطع الطريق الساحلي وتظاهرات احتجاجية في الشمال والبقاع ما يمكن أن يؤدّي إلى حصول توترات في الشارع”.
تحوّل محيط القصر إلى ما يشبه المنطقة العسكرية، وأقفلت المنافذ المؤدّية إليه. وكان لافتاً أنه على الرغم من البيان الصادر عن مجموعات الحراك بتأجيل تحرّكهم، بقيت عناصر من “التيار الوطني الحر” مستنفرة عند مدخل الحدث
أما لجهة سريان حالة الطوارئ، فتذكّر المصادر بأنّ “حالة الطوارئ تسري على منطقة بيروت فقط وأيّ إجراءات استثنائية لن تتخطّى بطبيعة الحال منطقة العاصمة. لكن على الرغم من ذلك لم يرصد أمس مع صدور قرار المحكمة الدولية في قضية الحريري أيّ تحرّكات استدعت أيّ إجراءات من جانبنا بعكس المناخات التي سادت في الأيام الماضية”.
أما على مقلب القصر الجمهوري فقد كان “وهج” حكم المحكمة الدولية حاضراً. فالتحرّك باتجاه قصر بعبدا تمّ تأجيله قبل ظهر أمس خوفاً من “الاستخدامات الفئوية”.
يقول أحد الناشطين من ضمن المجموعات التي دعت للتظاهر: “المشكلة التي تداركناها لاحقاً هي إمكانية اتهامنا بتنفيذ أجندة خارجية أو اميركية تربط بين تحرّكنا للمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية بوصفه المسؤول الأول عن كلّ ما يحصل اليوم، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة الذي كان يفترض به أن يتصرّف بما يجنّبنا الكارثة التي حلّت في مرفأ بيروت، وبين صدور قرار المحكمة الذي لا يعنينا كمجموعة حراك إلا لجهة ضرورة محاسبة مرتكبي كافة الجرائم”.
مع ذلك، تحوّل محيط القصر إلى ما يشبه المنطقة العسكرية، وأقفلت المنافذ المؤدّية إليه. وكان لافتاً أنه على الرغم من البيان الصادر عن مجموعات الحراك بتأجيل تحرّكهم، بقيت عناصر من “التيار الوطني الحر” مستنفرة عند مدخل الحدث في الشارع المقابل للقصر الجمهوري، ثم انفلشت المجموعات الآتية من مناطق عدّة باتجاه منطقة الصياد في الطريق صعوداً نحو قصر بعبدا في تظاهرة لدعم العهد والرئيس عون.
في السياق نفسه، يضيف ناشط آخر: “فاجعة بيروت جمّدت تحركاتنا قليلاً. لكن الشارع لن يبقى هامداً. بعد الحكومة، سيأتي دور مجلس النواب ورئيس الجمهورية”.