“فوبيا” نيترات الأمونيوم تجتاح لبنان. والمسألة هنا ليست مرضاً نفسياً ولا هاجساً متخيّلاً بقدر ما هو فقدان الثقة بين المواطن اللبناني وبين الدولة بكافة مؤسساتها بعد فاجعة وزلزال تفجير مرفأ بيروت.
تصاعدت مظاهر “الفوبيا” حتّى باتت حالة اعتراضية شعبية مع سعي خبراء كيميائيين لنقل ما لا يقلّ عن 20 حاوية كيمياوية محتملة الخطورة في ميناء بيروت، إلى مكان آخر، بعد العثور على واحدة كانت تُسرِّبُ بعض المواد، وفقاً لـ”اللفتنانت أنتوني”، الخبير الكيمياوي الفرنسي الذي قال إنّ بعض الحاويات ثُقبت عندما ضرب الانفجار الميناء، مضيفاً أنّ خبراء كيمياويين فرنسيين وإيطاليين حدّدوا أكثر من 20 حاوية تحتوي على مواد كيمياوية خطيرة باقية في المرفأ بعد التفجير.
إقرأ أيضاً: تفجير بيروت: قنبلة نووية في الوعي المسيحي
ومن المخاطر التي كشفها تفجير مرفأ بيروت قيامُ جهات لا أحد يعلمها بتوزيع ما يجري اعتباره “مواد قابلة للانفجار” على عدد من المرافق والمرافئ، منها ما كشفه النائب شامل روكز عندما قدّم معلومات عن وجود كميات كبيرة من مادة الهيدروجين والمواد الكيميائية في معمل الكهرباء القديم في الذوق، مشيراً إلى أنّ خطورتها لا تكمن بالمواد نفسها فقط، بل بوجودها إلى جانب خزّانات و”بونبونات” هيدروجين مرتبطة بالفيول، ومن شأن أيّ حادث أن يتسبّب بانفجارها لنصبح أمام زلزال أكبر من الذي أحدثه تفجير مرفأ بيروت، كونها “مخزّنة بشكل سيء وموضوعة في معمل قديم”، وكانت ذريعة استخدامها لتنظيف المحركات، معتبراً إعلانه إخباراً للنيابة العامة.
المواد في معمل الذوق، لم يُعرف من المسؤول عن نقلها وتخزينها، ولماذا يستمرّ وضعها في مصنعٍ للكهرباء يمكن أن يعرّض سكان محيطه لخطر الإبادة
ولفت روكز إلى أنّه تبعاً للبحث والتدقيق الذي قام به الخبراء والمحقّقون، تمّ اكتشاف أنّ المواد الموجودة في المعمل خطرة وقابلة للانفجار، ومن هنا بدأوا بإزالتها تفادياً لأيّ كارثة جديدة، داعياً إلى أن يحصل مسح لكلّ المعامل والمرافئ والمؤسسات التي قد يكون بداخلها مواد خطرة.
وذكرت مصادر متابعة لـ”أساس” أنّ المواد في معمل الذوق، لم يُعرف من المسؤول عن نقلها وتخزينها، ولماذا يستمرّ وضعها في مصنعٍ للكهرباء يمكن أن يعرّض سكان محيطه لخطر الإبادة، وتساءلت المصادر: هل هي فقط هيدروجين؟ وما هي طبيعة المواد الكيماوية التي جرى الحديث عنها؟ وكيف تصرّ وزارة الطاقة على عدم خطورتها بينما يأمر القضاء بإزالتها؟
وإلى إقليم الخروب حيث تسرّبت معلومات أثارت مخاوف الأهالي من وجود مواد قابلة للانفجار في معمل الجية للكهرباء، فتواصل رئيس بلدية جدرا الأب جوزيف القزي مع المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي بادر إلى تكليف شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي الكشف على المعمل ومحتوياته على أن يبنى على النتيجة بعد الكشف.
تأخذ المخاوف بُعداً استثنائياً في طرابلس، نظراً لملاصقة مرفئها لمكبّ النفايات الذي تجاوز عمرَه المحدّدَ منذ سنوات، وأصبح يشكّل “قنبلة غازية” يمكن أن تقضي على المدينة في حال انفجارها
وصولاً إلى طرابلس، حيث انتشر تسجيل صوتيّ نُسب إلى إحدى المحاميات تدعو فيه قريبتها في المدينة إلى مغادرتها فوراً والابتعاد عن الميناء تحديداً، وطرابلس عموماً، لأنه “سيحصل فيها أسوأ مما حصل في بيروت وسيكون شديد البشاعة”. ثمّ ما لبثت المحامية نفسها أن نفت أن تكون هي صاحبة التسجيل المتداول، واعتبرت أنّه يأتي في سياق توتير الأجواء، لكنّ المخاوف من وصول “المواد الخطرة” إلى المرفأ الشمالي أحدثت بلبلة في أوساط المدينة.
تأخذ المخاوف بُعداً استثنائياً في طرابلس، نظراً لملاصقة مرفئها لمكبّ النفايات الذي تجاوز عمرَه المحدّدَ منذ سنوات، وأصبح يشكّل “قنبلة غازية” يمكن أن تقضي على المدينة في حال انفجارها. ما يستوجب الكشفُ على كلّ مساحات المرفأ وخاصة تلك المهملة أو التي تحوي المستوعبات المصادَرة، وتفقّد أطراف المكبّ من البحر والبرّ ومسح كلّ الموجودات التي في جواره، ثم إصدار بياناتٍ واضحة من الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارية تؤكّد خُلوَّ المرفأ من أيّ موادّ خطرة.
وفي قراءة إجمالية للواقع بعد حصول تفجير بيروت، فإنه لم يعد ممكناً استبعادُ أيّ فرضية ولم يعد جائزاً إهمالُ أيّ مخاوف ولا التقليل من أهمية أيّ تحذير. وهذا يستوجب الكشف الميداني الأمني والقضائي التلقائي على كلّ المرافق العامة، بما في ذلك مرافئ طرابلس وصيدا وصور، ومعامل الكهرباء في الزهراني ودير عمار وغيرها، والاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية الصديقة الموجودة حالياً في بيروت للمساعدة في مواجهة تداعيات كارثة انفجار مرفأ العاصمة المنكوبة، بمواكبةٍ إعلامية ومشاركة المجتمع المدني، لأنّ مصادر متقاطعة تشير إلى وجود هذه المواد في أكثر من نقطة من هذه المصانع والمرافئ وتدعو إلى مسارعة الكشف عنها.