ذكَّرني التفاعل الكلاميّ الكاذب لنظام الأسد مع نكبة بيروت التي سبَّبها الانفجار الكبير في مينائها، والذي حملته أخبارٌ ملفَّقةٌ على شاكلة: “الأسد يأمر بفتح الحدود لنقل جرحى انفجار بيروت”، “الأسد يأمر فرق الإسعاف من جمعية الهلال الأحمر السوري بالتوجُّه إلى بيروت”، “الأسد يأمر بفتح المستشفيات السورية أمام المصابين”… إلى آخر هذه العناوين التي ليس لها أيُّ حظّ بالمصداقية…
أقول: ذكَّرني هذا التفاعل الكلاميّ بخبرٍ شهيرٍ سبق أن نشرته جريدة “تشرين” الرسمية في شهر نيسان من سنة 2006، و”تنبَّأت” فيه بدمار بيروت!
إقرأ أيضاً: يومَ انتقمتُ لسمير قصير… من نجوى كرم!
ففي ذلك الزمن الذي جرى خلاله طرد جيش الأسد من لبنان، بعد انتفاضة الرابع عشر من آذار، احتار الإعلام الرسمي للنظام في كيفية الثأر لذلك الطرد المذلّ الذي بدأ برسم ملامح عزلته الدولية، لتتفجَّر تلك الرغبة في الثأر على شكل سباق محموم لنشر الأخبار الكيدية والحاقدة، انتزعت جريدة “تشرين” الصدارة فيه بنشرها “خبراً”، لا صلة له بمنطق الإِخبار الصحافي، عن قرب تدمير بيروت بزلزال كبير!
والحقيقة أنَّ الخبر المذكور لم يكن، في عمقه، أكثر من أمنيةٍ بهذا الخراب، ولكنه اتَّخذ بطبيعة الحال صيغة “النبوءة”. وقد وضعتها الجريدة على لسان “مُعمِّرين لبنانيين” يتوقَّعون حدوث “زلزال مدمّر” يضرب بيروت، ويُدمّرها عن بكرة أبيها!
لا يسعُ العاقل أن يلوم “إعلاماً” تمنَّى الدمار لشعبٍ آخر، حين يعلم بأنَّ هذا “الإعلام” كان قد تمنَّى الدمار لشعبه هو
وقد بلغ الحقد، آنذاك، بكاتبي الخبر وناشريه أن توقَّعوا قوَّة الزلزال على مقياس ريختر! حيث بلغت، بحسب الصحيفة، “سبع درجات”!
اليوم يبدو بأنّ تلك الأمنية “التشرينية” الحاقدة قد تحقَّقت، ولكن ليس على يد زلزال من صنع الطبيعة، بل على يد تفجير رهيب تسبب به المحور الذي ينتمي إليه النظام التي تنطق باسمه تلك الصحيفة.
مع ذلك، لا يسعُ العاقل أن يلوم “إعلاماً” تمنَّى الدمار لشعبٍ آخر، حين يعلم بأنَّ هذا “الإعلام” كان قد تمنَّى الدمار لشعبه هو، بل وساهم فيه أيضاً. بل إنَّ تكريماً حافلاً قد جرى لعتاة المجرمين في ذلك الإعلام، ومن قبل رأس النظام نفسه. ولنا في تكريم بشار الأسد وزوجته أسماء لـ”المذيعة” ميشلين عازار خير مثال. حيث تمَّ تكريمها، مباشرةً، بعد تغطيتها الوحشية والشهيرة لمجزرة داريَّا، التي ارتكبتها “الفرقة الرابعة” في جيش النظام في مثل هذا الشهر من عام 2012. وقد راحت عازار، يومذاك، تُجري اللقاءات (الثأرية) المصوَّرة مع الجرحى وهم ينزفون على أرض المجزرة، حتى إنّ أحدهم فارق الحياة بعد وقت قصير جداً من انتهاء “استجوابه” التلفزيوني دون أن تحضر سيَّارة إسعاف لإنقاذه.
***
متصفّح جريدة “تشرين”، هذه الأيَّام، ربما يستطيع – إذا دقَّق النظر – أن يلمح أمنيتها القديمة بتدمير بيروت وهي تتراءى، شامتةً مختالةً، بين أخبار التعاطف والتضامن و… الحداد على “الضحايا الأشقَّاء”!