د. البرزي: لا تسمّم بل تلوّث.. ولا داعي لمغادرة العاصمة

مدة القراءة 5 د


“نيترات الأمونيوم ليست مسمّمة بطريقة مميتة، والمكيّفات آمنة، ولا تدخل المواد المسمّمة إلى بيوتكم، ولا داعي لمغادرة بيروت، ولا خطر على حياتكم في المناطق المحيطة بالانفجار”. بهذه العبارة، يُطمئن عضو “اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري. ويؤكّد أنّه من الضروري إقفال النوافذ لتنقضي الغيمة الملوّثة. ومن الضروري لبس الكمّامات لعدم استنشاق الهواء الملوّث الليلة. لكن لا يرى خطراً تسمّمياً كبيراً.

إقرأ أيضاً: الأمل وتمثال المغترب في عداد المفقودين!

رغم ذلك شهدت بيروت أمس نسختها الهيروشيمية. فالمدينة التي واجهت كلّ أنواع الحروب تعيش اليوم قلق الموت. فالانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت (العنبر رقم 12 ) لم يكن انفجاراً كباقي الانفجارات. إنّه أشبه بالقنبلة الذريّة، وبالزلزال الذي لامس عتبة الخمس درجات، وسمع صوته في قبرص.

هيروشيما بيروت لا تقف عند حدود الشهداء، وقد تجاوزوا الـ70 شهيداً، ولا عند الجرحى الذين تجاوزوا الـ3000. بل سكّانها كلّهم مهدّدون بالموت بفعل الانبعاثات السّامة التي خلّفها الانفجار. فغيمة الموت تظلّل بيروت.

صُور الموت والألم كانت حاضرة في مستشفيات العاصمة والتي كانت بدورها الضحية وهي تواجه هذا الكمّ من المصابين والقتلى

أمين عام مجلس البحوث العلمية الدكتور معين حمزة وفي اتصال مع “أساس” طالب سكان بيروت باتّخاذ كامل الاحتياطات لتجنّب تنشق الهواء الملوّث وقال: “بسبب كورونا كنّا نضع كمامة واحدة واليوم علينا وضع كمامتين. هناك خطر بيئي أكيد على بيروت. موقع الانفجار عند شاطئ البحر قد يساعد على تبديد الغيمة الملوّثة سريعاً لكن أمامنا أيام صعبة”.

أما البزري فأوضح لـ”أساس” أنّ “المجلس الوطني للبحوث كان في السابق يحذّر من التلوث واليوم اعتقد أنّ نسبة التلوث قد ارتفعت وأصبح هناك سبب آخر غير وباء كورونا يستدعي منّا أن نرتدي الكمامة أكثر من الأول لأنّ هذه المواد المنبعثة من الحريق الكيميائي هي ملوثة للبيئة واستنشاقها مضرّ بالصحة لذلك ندعو لاغلاق أبواب المنازل وعدم فتحها بانتظار أن تتوضح المزيد من الحقائق”.

في المقابل صُور الموت والألم كانت حاضرة في مستشفيات العاصمة والتي كانت بدورها الضحية وهي تواجه هذا الكمّ من المصابين والقتلى.

نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة هارون سليمان يصف لـ”أساس” الوضع بالكارثي بالقول: “لا يمكنني الحديث للأسف. الكلمات لا معنى لها نحن نعيش كارثة طبية حقيقية، الجرحى على الطرق أمام أبواب المستشفيات وطلبنا دعم كافة الطواقم الطبية والتمريضية وأحضرناهم من منازلهم. وغرف العمليات في كافة مستشفيات العاصمة امتلأت”.

وأضاف: “وضع البلد أشبه بالخبصة” الطواقم الطبية تعمل على معالجة الجرحى على الأرض. هناك أضرار كبيرة في بعض المستشفيات منها مستشفى الروم في الأشرفية وهي عملت على إجلاء المرضى، موجّهاً دعوة إلى المستشفيات كافة لاستقبال المرضى منها”.

هذه الفترة هي من أصعب المراحل وتفلت الأمور في هذه المرحلة تحديداً. وبالتالي يجب على العاملين الصحيين ألا يتجاوزوا قواعد السلامة الصحية والحماية كي لا ننزلق إلى الأسوأ والمجهول

أما مستشار وزير الصحة رضا الموسوي وفي اتصال مع “أساس”، فرفض التعليق على “الوضع الصعب”، وقال: “ليس عندي أيّ تعليق. فالكلمات لا يمكنها أن تصف الحالة التي نحن فيها. إنّها مصيبة كبرى”. مشيراً إلى أنّه تمّ نقل الجرحى إلى خارج بيروت منها مستشفى بعبدا، ضهر الباشق، والبوار، وجميعها مستشفيات حكومية.

الدكتور البزري وصف الوضع بـ”الكارثي”. وتابع: “في السابق كانت المستشفيات في لبنان تئنّ تحت مشاكل وبائية ومالية، وعدم توفّر المواد والمعدّات. فكيف حالها اليوم مع هذا العدد الكبير من الإصابات والجرحى. في مدينة صيدا فتحت المستشفيات أبوابها، كذلك الأمر في جبل لبنان. وعلى جميع المستشفيات في لبنان أن تفتح أبوابها وأن تعتبر نفسها معنيّة بردّ الفعل بسبب الضغط على مستشفيات العاصمة”.

وتابع: “الضغط على المستشفيات سيجبر الأطباء على اتّخاذ قرارات صعبة، من ناحية أفضلية من هو بحاجة لعناية، ومن يمكن تأجيل علاجه. لأنّ هناك حالات إذا لم تتمّ معالجتها أو إجراء عملية جراحية عاجلة لها، من الممكن أن تخسر حياتها أو أعضاء حسّاسة من جسده. كلها قرارات صعبة أعادت بنا الذاكرة إلى أيام الحرب الاهلية والاعتداءات الإسرائيلية الكبرى على لبنان. كما يجب أن تتحرّك هيئة الكوارث”.

وعن مخاطر تفلّت كورونا بعد هذه الكارثة، أجاب: “هذه الفترة هي من أصعب المراحل، وتفلّت الأمور في هذه المرحلة تحديداً. وبالتالي يجب على العاملين الصحيين ألّا يتجاوزوا قواعد السلامة الصحية والحماية كي لا ننزلق إلى الأسوأ والمجهول”. مضيفاً: “ندرك أنّ هناك ضغطاً، وأنّ حجم الصدمة سيجعلنا ننسى سبل الوقاية من كورونا. لكن علينا أن نتأمّل بالحفاظ على الحدّ الأدنى للوقاية (الكمّامة) كي لا نزيد الطين بلّة عندما نستيقظ من الصدمة”.

في الخلاصة، ليلة صعبة عاشتها بيروت، لكن لا داعي للهلع، ولا داعي لمغادرة المدينة. وغداً يوم آخر.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…