لا تشبه استقالة ناصيف حتي استقالة أيّ وزير آخر. حامل حقيبة الخارجية قرّر وقف عدّاد مشاركته في حكومة لا تشبهه وتستهلك من رصيده المتراكم في السلك الدبلوماسي. لم تعد أسباب الاستقالة مهمّة بقدر نتيجتها وتأثيرها على الحكومة نفسها.
لم يُسمَع صوت وزير الخارجية كثيراً في الأشهر الماضية على طاولة مجلس الوزراء، لكن حين كان يطلب حتّي الكلام في ملفّ يخصّ وزارته حصراً “كأننا نستمع إلى خطيب على منبر أممي أو منبر الجامعة العربية. واسع الثقافة. مقنع. وزير من الطراز الأول. وقد يكون الأهمّ في تركيبة الفريق الحكومي لو قدّر له أن يسخّر تجربته الدبلوماسية من موقعه في قصر بسترس”. هي شهادة بالوزير المستقيل من أحد الجالسين على طاولة مجلس الوزراء، وقد فضّل عدم ذكر اسمه.
إقرأ أيضاً: أربعة أسباب لاستقالة حتّي
هي ليست استقالة مدير عام ولا مستشار ولا وزير “روبوت”، قرّر التخلي عن مقعده بأمر من مرجعيته السياسية. ناصيف حتّي هو الوجه “الحصري” دبلوماسياً للبنان. لبنان المأزوم دولياً وعربياً والغارق في عزلته. الوجه المشارك في حكومة تتخبّط في مكانها. والشخصية الخارجة عن طينة “وزراء الممانعة”. شخصية معترِضة على ممارسات حكومة “من دون رؤيا”، ورافضٌ لمن يملي عليه “واجباته” في الوزارة السيادية وللعمل “عند أكثر من ربّ عمل”، بحسب بيان الاستقالة، الذي يكاد يُختصر بعبارة واحدة: “لا اشتغلوا، ولا خلّلوني اشتغل”.
“لقاء الاستقالة” الصباحي بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية، كان “إيجابياً وصريحاً”، بتأكيد أوساط السراي
جَهِد “الباسيليون” لتسخيف الاستقالة وحرفها عن رمزيتها عبر تأكيد المستشارة السياسية لباسيل مي خريش أنّها “حصلت من دون علم باسيل أو التنسيق معه”، قائلة: “صدّقتو الآن أن لا وزراء للتيار الوطني الحر في الحكومة”. ورئاستا الجمهورية والحكومة كانتا تحاولان حَصر تمدّد بقعة زيت الاستقالة على كامل السجّادة الحكومية عبر تثبيت اسم البديل في ساعات قليلة، ما أوجب “طلعتين” لرئيس الحكومة إلى قصر بعبدا.
حُسِم الأمر سريعاً مع تأكيد معلومات أن “لا تغيير وزارياً سيطرأ على تركيبة الحكومة ليرفدها ببعض الأسماء الجديدة تحلّ مكان وزراء أثبتوا فشلهم داخل وزاراتهم، فيما العمل الفعلي هو الحدّ من أيّ استقالة أخرى محتملة”.
“لقاء الاستقالة” الصباحي بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية، كان “إيجابياً وصريحاً”، بتأكيد أوساط السراي، حيث شرح وزير الخارجية لدياب مبرّرات الاستقالة، واضعاً خبرته وجهوده بتصرّف الحكومة بعد قبول استقالته، فيما تولّى الأخير أولاً محاولة ثنيه عن قراره، ثم توضيح الظروف الاستثنائية التي عملت ولا تزال الحكومة تعمل من خلالها، وفي واقع دستوري لا يجعل من رئيس الحكومة هو صاحب القرار الأوحد.
تؤكد المصادر أنّ “علاقة دياب الشخصية مع حتّي كانت جيدة، وغالباً ما سادها نقاش صريح في المآخذ، وتوضيح نقاط الالتباس. لكنّ قرار الاستقالة لدى حتّي كان متّخذاً منذ فترة، ولذلك جاء قبولها سريعاً من قبل رئيس الحكومة. وهو الأمر الذي سيتكرّر مع أيّ استقالة أخرى بتعيين البديل فوراً”.
وفق المعلومات، فإنّ اسم الخلف، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدبلوماسية، والأمين العام السابق لوزارة الخارجية شربل وهبي، كان متفقاً عليه مسبقاً، مع ممانعة باسيل لتولّي الوكيل الوزير دميانوس قطّار، وإن للحظة، مهام الخارجية بالوكالة. مع العلم أنّ قطّار كان مرشح دياب لتولي حقيبة الخارجية منذ البداية، وقد سعى الأخير في لقائه الأول مع الرئيس ميشال عون ويذكر لإعادة تزكيته لهذا الموقع، لكنّ الرفض كان حاسماً.
أكثر من وزير داخل الحكومة سيستغلّ “فرصة” استقالة ناصيف حتّي لاستثمارها في سياق رفع الصوت والضغط
ويبدو أنّ إحدى مصائب الحكومة التي تضاف إلى عجزها عن تقديم الحلول لملفات ملحّة، والحصار الدولي عليها، وتدشين مسلسل الاستقالات داخلها، هو التنكيل الذي تتعرّض له من داخل فريقها السياسي الداعم الذي بدأ يسرّب مناخات باستحالة استمرار الحكومة على المدى القريب، وضرورة تقديم دياب استقالته، آخذة عليه الرهان على استحقاقات خارجية، وأقربها انتخابات الرئاسة الاميركية، من أجل إحداث تغيير في الساحة الداخلية.
القريبون من دياب ينفون هذا الأمر معتبرين أنّ “رئيس الحكومة لا ينظر إلى الاستقالة كضربة تُضعف الحكومة خصوصاً أنّ الأجندة الشخصية والخارجية والسياسية لم تغب عن هذه الاستقالة”.
في المقابل، وفق مصدر وزاري، يبدو أنّ أكثر من وزير داخل الحكومة سيستغلّ “فرصة” استقالة ناصيف حتّي لاستثمارها في سياق رفع الصوت والضغط، بما في ذلك على رئيس الحكومة والقوى السياسية، للتقدّم خطوات إلى الأمام مع تلويح هؤلاء “بفضح المعرقلين بالاسم”.
ويضيف المصدر: “في حال الإبقاء على الستاتيكو الحالي، فإنّ وزراء آخرين سيقدمون تباعاً على تقديم استقالتهم”، مشيراً إلى “تضارب في التوجّهات أيضاً بين العديد من الوزراء، ما يجعل الهيكل الحكومي مهدّداً من داخله”.