المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنشئت عام 2007 بطلب من الدولة التي وقع فيها الحادث الإرهابي الأكبر في المنطقة: اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
هي محكمة فريدة من نوعها، من حيث ظروف تشكيلها، وطبيعتها، والقانون الذي تحكم به، والإجراءات المعقّدة التي تسير بها. فالانقسام السياسي العمودي الحادّ، منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005، وعدم كفاية الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية لتولّي هذه القضية البالغة الحساسية، وعدم الثقة بهذه الأجهزة وبالقضاء اللبناني في حينه، جعل اللجوء إلى القضاء الدولي من باب اللزوم لا من باب الخيار.
إقرأ أيضاً: فرصة تاريخية أمام الحزب؟
وبما أنّ موضوع المحاكمة هو عمل إرهابي واقع على أفراد، فكان تشكيل محكمة خاصة هو الحلّ. وفيما تشكّلت محاكم جنائية خاصة عام 1993 لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغوسلافيا عام 1993، وفي رواندا عام 1995، وفي سيراليون عام 2000، فضلاً عن الغرف الاستثنائية في كمبوديا عام 2003، وهي محاكم وطنية معزّزة بقضاة دوليين، وقع الخيار في لبنان على تشكيل محكمة مختلطة تطبّق قانون العقوبات اللبناني، مع أنّ لبنان الرسمي الذي طلب تشكيل المحكمة لم يستطع المصادقة على الاتفاق المبرم مع الأمم المتحدة بسبب الانقسام الداخلي، وصدر القرار الدولي رقم 1757 لجعل قراراتها نافذة.
هي ليست كياناً تابعاً للأمم المتحدة، ولا هي محكمة تابعة للجسم القضائي اللبناني، بل هي محكمة مختلطة ذات طابع دولي، بحسب المادة الأولى من النظام الأساسي، ولها أسبقية على المحاكم اللبنانية بحسب المادة الرابعة منه
هي المحكمة الأولى التي تتعامل مع عمل إرهابي. وهي المحكمة الأولى التي تحاكم متهمين غيابياً، وذلك منذ محاكمات “نورمبرغ” عقب الحرب العالمية الثانية، والتي حاكمت قادة ألمانيا النازية، مجرمي الحرب آنذاك. وهي المحكمة الدولية الأولى التي لا تطبّق القانون الدولي بل القانون المحلي في لبنان وما يتعلّق بجرائم الإرهاب. وبما أنّ تعريف الإرهاب دولياً يشوبه جدل بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فلا يوجد تعريف موحّد، فكان الاعتماد على القانون اللبناني بهذا الشأن. هي ليست كياناً تابعاً للأمم المتحدة، ولا هي محكمة تابعة للجسم القضائي اللبناني، بل هي محكمة مختلطة ذات طابع دولي، بحسب المادة الأولى من النظام الأساسي، ولها أسبقية على المحاكم اللبنانية بحسب المادة الرابعة منه.
يحاول موقع “أساس” في هذا التقرير عن المحكمة الدولية، المؤلّف من حلقتين، أولى اليوم وثانية تنشر غداً، تقديم المعلومات الأساسية عن المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في جريمة الاغتيال، عبر “بورتريه” مفصّل يعرّفنا بالمحكمة التي أطفأت شمعتها الـ11 لانطلاقها، من قضاتها، وغرفها، ومهماتها، ونظامها، وأبرز محطاتها.
المحكمة ومهمتها
المحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة ذات طابع دولي، يقع مقرّها الرئيسي في إحدى ضواحي مدينة لاهاي في هولندا، ولها مكتب في بيروت. افتُتحت في 1 آذار 2009، وهي تتألف من أربعة أجهزة أساسية: الغرف، الادعاء، مكتب الدفاع، وقلم المحكمة. أما الولاية الرئيسية للمحكمة فهي محاكمة الأشخاص المتهمين بتنفيذ اعتداء 14 شباط 2005 الذي أدى إلى استشهاد 22 شخصاً، بمن فيهم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإلى إصابة 226 آخرين.
ويشمل اختصاص المحكمة أيضاً اعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول 2005 إذا تبين أنها مرتبطة بأحداث 14 شباط، ومماثلة لها من حيث طبيعتها وخطورتها.
هي المحكمة الأولى التي تتعامل مع عمل إرهابي. وهي المحكمة الأولى التي تحاكم متهمين غيابياً، وذلك منذ محاكمات “نورمبرغ” عقب الحرب العالمية الثانية، والتي حاكمت قادة ألمانيا النازية، مجرمي الحرب آنذاك
وتعتبر المحكمة هيئة قضائية مستقلة تضمّ قضاة لبنانيين ودوليين، يتوزّعون على أربعة أجهزة، وتشكّل المساهمات الطوعية 51% من تمويلها، ويُسهم لبنان بنسبة 49% منها، أي “ما يُعادل نحو 29 مليون يورو” سنوياً، بحسب تقارير صحفية.
غرف المحكمة
تشكّل الغرف جهازاً من الأجهزة الأربعة في المحكمة الخاصة بلبنان، وتعمل بشكل مستقل عن الأجهزة الأخرى، وتضمّ 12 قاضياَ موزّعين بين “قاضي الإجراءات التمهيدية، غرفة الدرجة الأولى I ، غرفة الدرجة الأولى II، غرفة الاستئناف. وهم قضاة مستقلّون لا صلة لهم بالتحقيقات التي يجريها الادعاء العام، وليسوا أعضاء حكومات أو منظمات دولية. ويُعيَّنون لمدة ثلاث سنوات ويجوز إعادة تعيينهم، ويتولى الأمين العام للأمم المتحدة تعيينهم بالتشاور مع الحكومة اللبنانية وبناءً على توصية من “فريق اختيار”. إذ يضع مجلس القضاء الأعلى اللبناني قائمة تضم 12 مرشحًا، وتقدّم الحكومة اللبنانية هذه القائمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، فيما يخصّ القضاة اللبنانيين. أما القضاة الدوليين، فتختلف عملية تعيينهم، إذ ترد الترشيحات من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو من أشخاص مختصين وتُحال إلى فريق الاختيار، ويجب أن تكون لدى المرشحين خبرات قانونية واسعة ومتنوعة، وسنتعرّف عليهم تبعاً لمهامهم.
تتولى رئاسة المحكمة، القاضية إيفانا هردليشكوفا، وهي مواطنة تشيكية بدأت حياتها المهنية في 1990، وتزيد سنوات خبرتها عن 20 سنة، تولّت في أثنائها الرئاسة في قضايا مدنية وجنائية، نالت شهادة الدكتوراة في القانون في مجال قانون الإجراءات من جامعة كارلوفا في براغ، وحاصلة من الجامعة ذاتها على شهادة الدكتوراة في القانون الدولي بتركيز على العلاقة بين القانون الدولي والقانون الإسلامي، وتقوم بتقديم تقرير سنوي عن عمل وأنشطة المحكمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الحكومة اللبنانية.
القاضي رالف الرياشي هو نائب رئيس المحكمة. تركّزت مسيرته المهنية بصورة أساسية في نظام القضاء اللبناني، وقد استهلها كمحامٍ في العام 1971، ومن العام 1976 إلى العام 1981، عمل قاضيًا مستشارًا لدى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية، ثم ترأّس المحكمة التجارية في بيروت قرابة 11 عامًا، وشغل منصب المحامي العام لدى النيابة العامة المالية في عامي 1992 و1993.
يشغل القاضي دانيال فرانسين منصب قاضي الإجراءات التمهيدية، وهو محامي دفاع في نقابة المحامين في بروكسل من العام 1989 إلى العام 1993، ثم محاميًا في القطاع العام في الشركة الإقليمية لميناء بروكسل، والتحق بالسلك القضائي، فشغل منصب قاضي تحقيق في المحكمة الابتدائية في بروكسل لأكثر من 10 سنوات. وقد نظر في قضايا متعلقة بـ”الجريمة المنظمة المالية” و”الجريمة الاقتصادية الجسيمة” قبل أن يتخصص في مجال القانون الإنساني الدولي وقضايا الإرهاب.
يتوزّع باقي القضاة على غرفتَي الدرجة الأولى وغرفة الاستئناف، وتتألّف غرفة الدرجة الأولى (I) من ثلاثة قضاة أحدهم لبناني. وهؤلاء القضاة هم القاضي دايفيد ري، رئيس غرفة الدرجة الأولى، والقاضية ميشلين بريدي و القاضية جانيت نوسوورثي. بالإضافة لقاضيَين رديفَن هما القاضي وليد عاكوم والقاضي نيكولا لتييري. بينما تتألف غرفة الدرجة الأولى (II) من ثلاثة قضاة ينبغي أن يكون أحدهم لبنانيًا وأن يكون القاضيان الآخران من القضاة الدوليين. وهؤلاء القضاة هم وليد عاكوم، ونيكولا لتييري، وآنا بدنارك.
تنظر غرفة الاستئناف في طلبات استئناف الحكم الصادر عن غرفة الدرجة الأولى. وهي تنظر أيضًا في طلبات الاستئناف التمهيدي لقرارات أصدرها قاضي الإجراءات التمهيدية أو غرفة الدرجة الأولى في خلال الإجراءات بشأن مسائل معيّنة. ورئيسة غرفة الاستئناف هي نفسها القاضية إيفانا هردليشكوفا، رئيسة المحكمة. وقضاة الغرفة الآخرون هم رالف الرياشي، دايفيد باراغوانث، عفيف شمس الدين، ودانيال دايفيد نتاندا نسيريكو.
مكتب المدعي العام
مكتب المدعي العام هو الجهاز الثاني للمحكمة، ويرأسه القاضي الكندي نورمن فاريل، ويتولّى مهمة التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة والإدعاء عليهم. تُعاون المدعي العام نائبةُ مدّعٍ عام لبنانية، وهي القاضية جويس تابت التي تعمل في مكتب المحكمة في بيروت. ويقوم تنظيم مكتب المدعي العام على أساس فرق عمل متعدّدة التخصصات تضمّ موظفين من 35 بلدًا، بالإضافة لمجموعة كبيرة من الخبراء اللبنانيين والدوليين من ضباط شرطة، وخبراء أدلة جنائية، ومحلّلين ومحامين يسهمون في التحقيق والادّعاء.
مكتب الدفاع
أُنشئ مكتب الدفاع، الجهاز الثالث في المحكمة، لضمان حماية حقوق المتهمين ولتفعيل ممارسة تلك الحقوق. وعيّن الأمين العام للأمم المتحدة في 8 حزيران 2018، القاضية دوروتيه لو فرابير دو إيلين في منصب رئيسة مكتب الدفاع، ولها 25 عامًا من الخبرة في مجالي القانون الدولي والقانون الجنائي.
يتألّف مكتب الدفاع من أربعة أقسام: المكتب المباشر لرئيس مكتب الدفاع، وقسم الدعم القانوني، ووحدة الدعم التشغيلي التي تؤمّن الدعم اللوجستي والتشغيلي لمحامي الدفاع، ووحدة المعونة القضائية المكلفة بتقديم المعونة القضائية لفرق الدفاع.
قلم المحكمة
قلم المحكمة أو الجهاز الرابع في المحكمة، يتولى مسؤولية تزويد المحكمة بالخدمات اللازمة لاحتياجاتها التنفيذية والإدارية. ويتلقّى رئيس القلم الدعم من المكتب المباشر لرئيس قلم المحكمة، ويقدّم قلم المحكمة الدعم للغرف، ومكتب المدعي العام، ومكتب الدفاع. ويرأسه داريل أ. مونديس الذي عُيّن في تموز 2013. وكان يشغل منصب رئيس القلم بالنيابة منذ 18 نيسان الماضي، عقب مغادرة السيد هرمان فون هايبل. وكان التحق بالمحكمة في 24 آب 2009 بصفته رئيس دائرة الادّعاء .