في كل مرّة يحاول حسان دياب شنّ الهجوم على الآخرين، والمبادرة إلى إطلاق النار، لا يصيب إلا نفسه. أطلق النار على رأسه هذه المرّة بشكل مباشر. تبلّغ رسالة حاسمة في الساعات الماضية، بأنّ أيّ أفق للتعاون معه لم يعد ممكناً، حتّى من قبل فرنسا التي كانت حريصة على دعم هذه الحكومة ومنحها الفرصة تلو الفرصة. وأنّه لم يعد هناك من مجال للدلال. حتّى فرنسا لم تعد قادرة على المناورة، ولا على المبادرة أو اجتراح المسوّغات التي تبرّر تنسيقها ورهانها على دعم حكومة حسان دياب. لم يترك لها دياب أيّ قدرة على المناورة. وواشنطن مستمرة في الضغوط، وستتكثّف. والطاولة الوحيدة المتاحة للحوار هي مع صندوق النقد الدولي.
إقرأ أيضاً: الراعي والكاظمي: لبنان والعراق بانتظار سلّة أميركية خليجية واحدة
يبدو واضحاً من خلال المسار الأميركي، ترك اللبنانيين لأيام أو ساعات يعيشون نشوة الأوهام في الحصول على مساعدات من هنا وهناك. نجحت الحكومة بإشاعة أجواء كثيرة حول اقتراب وصول مساعدات قطرية وكويتية وفرنسية إلى لبنان. كان ذلك إبّان الزيارات التي أجراها اللواء عباس إبراهيم إلى عدد من الدول. سكرت الحكومة بوهمها، وبدأت تنتشر شائعات عن إرسال دولارات وودائع لتخفيض سعر صرف الدولار في السوق اللبناني، ولتعزيز وضع الليرة. تركت واشنطن الساحة مفتوحة لمثل هذه الأوهام والدعائيات، إلى أن اتّخذت القرار بإحباط الامل.
الموقف الأميركي يلجم أيّ حماسة قطرية أو كويتية أو من أيّ دولة أخرى، حتّى فرنسا، عن القيام بأيّ خطوة لتقديم المساعدة
إذ تؤكد معلومات “أساس” أنّ واشنطن أبلغت كلّ الدول التي كانت على استعداد لتقديم مساعدات إلى لبنان، بأنّه يمنع عليها اتخاذ أيّ خطوة في هذا المجال. وبالتالي فإنّ “قبّة الباط” التي تمّ التداول فيها، لم تعد موجودة.
الموقف الأميركي يلجم أيّ حماسة قطرية أو كويتية أو من أيّ دولة أخرى، حتّى فرنسا، عن القيام بأيّ خطوة لتقديم المساعدة. المساعدات الوحيدة المسموح بها، تقتصر فقط على 14 مليون يورو من فرنسا مقدّمة إلى المدارس الفرنكوفونية. حتّى في المساعدات الإنسانية، تشير المعطيات إلى أنّ واشنطن تصرّ على حجبها عن لبنان. وفي حال كان لا بدّ من تقديمها إذا ما ساءت الأحوال كثيراً، فيجب أن تمرّ عبر قنوات واضحة ومعروفة وبإشراف أميركي ودولي. كذلك تدخّلت واشنطن لإلغاء زيارة كانت مقرّرة لوزير الخارجية القطري إلى بيروت، باعتبار أنّ موعد الزيارات والانفتاح على لبنان والحكومة لم يحن بعد. يشير ذلك إلى المضي الأميركي في مسار التصعيد. الذي سيتكامل في أكثر من محطّة واستحقاق.
يوم الثلاثاء، جدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة الطوارئ بشأن التعاطي مع لبنان. هذه الحالة أعلنت في العام 2007، ومن بين مندرجاتها منع حزب الله من الاستمرار في عمليات تهريب الأسلحة إلى مناطقه وتخزينها. لهذا التجديد، سيكون وقع كبير في هذه الفترة، خاصة أنّ الأميركيين يستخدمون كلّ أوراق القوة لديهم لتحقيق المزيد من الضغط على الحزب وإيران من ورائه، لإصابتهما بأزمات اختناق، مالي، نفطي، سياسي، وعسكري. بالتزامن مع تجديد حالة الطوارئ، وافق الكونغرس الأميركي على مناقشة اقتراح قانون مقدّم إلى لجنة الشؤون الخارجية من قبل السيناتور تيد كروز، حول وجوب وقف كلّ أشكال المساعدات والدعم للبنان وللدولة اللبنانية وحتى الجيش اللبناني. وهذه إشارة أميركية كبيرة على طريق المزيد من الضغوط، قد لا يُستثنى منها الجيش، الذي يُطلب منه أن يكون على الحياد، ولا يتورّط بأيّ مغامرات قد يبادر حزب الله إليها.
واشنطن تدفع حوالى 500 مليون دولار من الميزانية السنوية لليونفيل، وتعتبر أنّ البيئة التابعة لحزب الله تستفيد منها، بينما لا يتحقّق شيء من مهام القوات الدولية
طريقة تعاطي هذا الاقتراح مع الجيش، تشبه إلى حدّ بعيد طريقة التعاطي الأميركي في مسألة التجديد لقوات اليونفيل. فواشنطن لا تريد تجديداً روتينياً لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. ما بعد عملية الإثنين في مزارع شبعا، يتعزّز الموقف الأميركي أكثر، وستعتبر أميركا أنّ قوات اليونيفيل لا تقوم بمهامها، لذا لا حاجة لها، ولا لاستمرار هذه المهام التي لا تؤدّي إلى أيّ نتيجة في منع حزب الله من الحركة التسلّحية التي يستمر في تطويرها، ولا تمنعه من نشاطه العسكري ضمن نطاق عمل القرار 1701.
سيتركّز الضغط الأميركي أكثر في مسألة الامتناع عن الاستمرار بتمويل اليونيفيل، ومعلوم أنّ واشنطن تدفع حوالى 500 مليون دولار من الميزانية السنوية لليونفيل، وتعتبر أنّ البيئة التابعة لحزب الله تستفيد منها، بينما لا يتحقّق شيء من مهام القوات الدولية. فستدفع إلى تقليص عديد القوات الموجودة في الجنوب. يعني ذلك أنّه لا بدّ من توقّع المزيد من الانهيارات والتوترات.