منذ إعلان الانسحاب من “الاتفاق النووي”، يسعى الرئيس الاميركي دونالد ترامب بشتّى الطُّرق للإتيان بالنظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات لـ”إعادة إنتاج اتفاق جديد لا يمنح إيران الإمتيازات التي منحتها إياها إدارة الرئيس السّابق باراك أوباما” بحسب ما كرّر ترامب أكثر من مرّة.
التفاوض الذي كان يسعى إليه ترامب، سبقه تفاوض من نوعٍ آخر عُقِدَ بين الجانبين الأميركي والإيراني على مستوى الإستخبارات في سلطنة عُمان، التي يسعى وزير خارجيتها يوسف بن علوي لدفعها إلى الاستمرار. هذا رغم توقّف التفاوض مرّات عدّة، كان أبرزها وآخرها بُعيد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني مطلع العام الجاري.
إقرأ أيضاً: واشنطن: طريق طهران بيروت الجوّي تحت عيوننا ولا كهرباء من سوريا
مصادر خارجية أكدت لـ”أساس” أنّ اغتيال سليماني في حينها كان “نتيجة محاولته عرقلة المفاوضات السّريّة بين واشنطن وطهران لأسباب إيرانية داخلية، حيث إنّ سليماني كان يسعى إلى حرمان التيار الإصلاحي في إيران أي مكاسب سياسية تعطيه الأفضلية في الدّاخل على التيار المحافظ الذي يُعتبر سليماني يده الضاربة”. وكان بحسب المصادر نفسها يتم تحضير سليماني للترشّح للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة عام 2021 نظرًا للشعبية التي يُحظى بها في الأوساط الشعبية الإيرانية، وبعد أن أثبت المرشّح المحافظ السابق ابراهيم رئيسي ضعفه أمام الرئيس الحالي حسن روحاني الذي تفوّق عليه بفارق كبير، رغم أنّ رئيسي يُعدّ أبرز المرشّحين لخلافة المرشد علي الخامنئي…
هذا التفاوض يشجّعه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف الذي هندس الإتفاق النووي السابق، لكنّه لم يكن يُحظى بمباركة كاملة من المرشد علي الخامنئي الذي يفضّل أن يكون أي تفاوض مع الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، مهما كانت نتيجتها. إذ يسعى الإيرانيون للعب دور النّاخب الأكبر في انتخابات تشرين الثاني 2020. إلّا أنّ ناخبًا جديدًا ظهر وقلب الطاولة وهو “كوفيد-19” الذي بات الهمّ الأوّل للناخبين الاميركيين.
اغتيال سليماني في حينها كان “نتيجة محاولته عرقلة المفاوضات السّريّة بين واشنطن وطهران لأسباب إيرانية داخلية
فهذا الفيروس، ولحسن حظّ الإيرانيين، يُعطي أفضلية حتى السّاعة للمرشح الديمقراطي “جو بايدن” الذي كان من أبرز داعمين الإتفاق النووي الإيراني أيّام الرئيس باراك أوباما، ولعب دورًا كبيرًا مع وزير الخارجية السابق جون كيري في إرساء أسسه التي قام عليها لدى إبرامه.
بالرّغم من المعارضة المُحافظة، إلا أنّ “طاولة عُمان” استطاعت، بحسب معلومات هذه المصادر الخارجية، أن تُحرز تقدّمات عدّة أبرزها:
– “التهدئة النسبية” التي تشهدها الجبهة اليمنية بين ميليشيات الحوثي من جهة والحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي من جهة أخرى
– إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدّين من السّجون الأميركية مقابل عدد من الموقوفين الأميركيين في إيران والعميل السّابق عامر الفاخوري الذي كان معتقلًا في لبنان.
– كما علم “أساس” أنّ التفاوض لا يزال مستمرّاً في هذا الإطار، إذ تسعى واشنطن لإطلاق سراح مواطنها الصحافي أوستن تايس المعتقل في سجون النّظام السّوري منذ عام 2012. إلا أنّ دوائر أميركية تتهم موسكو بعرقلة هذا الإفراج وانتزاع ورقة الضغط عبر إعلان النظام السّوري أنّ “تايس” غير موجود في سجونه، رغم أنّ الإستخبارات الأميركية تمتلك معلومات مؤكدة عن ذلك.
– تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي بالعراق، حيث تؤكّد المصادر لـ”أساس” أنّ المقابل كان غضّ الطرف الأميركي عن المطالبة بنزع سلاح الحشد الشّعبي أو حلّه بشكل رسمي، إلا أنّ الحرس الثوري يحاول عرقلة هذا الحلّ عبر إطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية وبعض القواعد العسكرية ومحيط مطار بغداد الذي يضمّ جنودًا أميركيين وبريطانيين، كون التيار المحافظ ومعه جنرالات الحرس الثوري يُريدون تثبيت “ورقة العراق” بالكامل لإيران ولو على حساب الإنسحاب من سوريا واليمن…
هذا التفاوض يشجّعه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف الذي هندس الإتفاق النووي السابق، لكنّه لم يكن يُحظى بمباركة كاملة من المرشد علي الخامنئي
المؤكّد رغم هذه “الانفراجات” أنّ حلًّاً كاملًا لم ينضج بعد بين واشنطن وطهران. إذ تسعى الأولى لانتزاع تسوية تُفيد ترامب انتخابيًا، بينما تسعى طهران لتأخير هذه التسوية للعب دور النّاخب الأميركي. وحتّى موعد الانتخابات الاميركية لا أحد يعلم بأي طريقة قد يُجبر ترامب الإيرانيين على الجلوس، كما أنّه لا أحدَ يعلم ما الذي قد تفعله إيران لـ”تُدلي بصوتها” في الإنتخابات الرئاسية….