بيروت تلحق سوريا والعراق: لا إهراءات للقمح.. والكارثة آتية

مدة القراءة 5 د


رسمياً بيروت بلا مرفأ، وإهراءات القمح باتت رماداً. ما يهدّد “الأمن الغذائي” للبنانيين، ويرخي بظلال “أزمة رغيف” على لبنان كلّه.

لكن “لدى المطاحن والأفران مخزون يكفي لشهر تقريباً”، يؤكد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري مطمئناً اللبنانيين عبر “أساس” إلى “بواخر ستصل قبل ذلك الوقت، وسيتمّ تخزينها في أماكن أخرى غير مرفأ بيروت”. وكما خوري، يوضح صاحب “مطاحن لبنان”، بشار بوبس، أنّ التجّار لم يتوقفوا عن الاستيراد مضيفاً لـ”أساس”: “هناك 4 بواخر قمح على الطريق إلينا. لكن الفرق أنّ هذه البواخر سوف تُفرغ حمولتها في مرفأ طرابلس بدلاً من مرفأ بيروت. والسوق مليء بـ70 ألف طن من القمح. وكلّ الأصناف ستبقى متوفّرة في السوق”.

إذاً لا كارثة قبل شهر، لكنّ الأكيد أنّ بيروت باتت بلا إهراءات لتخزين القمح.

مشهد مرفأ بيروت يحترق أعاد إلى الأذهان مشاهد مماثلة في سوريا والعراق وإيران. فلبنان اليوم دون إهراءات، شأنه شأن الدول المجاورة حيث تعمل أيدي المحور الإيراني وأسلحته. إذ تعاني سوريا منذ العام 2015 من أزمة رغيف، جراء استهداف محاصيل القمح، بالقصف أو بالحرائق. وكما سوريا، فإنّ العراق يعاني من أزمة مشابهة بعد تدمير معظم إهراءاته، ما دفعه أيضاً للاتجاه نحو الاستيراد. ونقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث باسم وزارة التجارة العراقية محمد حنون قوله إنّ الوزارة بحاجة لمزيد من الأموال من الميزانية لتكوين احتياطي استراتيجي من القمح.

هذه النظرية يؤكد عليها المحلل السياسي والخبير الدستوري الدكتور أنطوان سعد لـ”أساس”، موضحاً أنّه “بوجود حزب الله كتنظيم مسلّح سيبقى لبنان يدفع الثمن. وبلدنا اليوم بات أخطر دولة في العالم، حتى أخطر من الصومال”.

إقرأ أيضاً: لغز العنبر رقم 12

“لبنان عائم على المتفجرات من الضاحية إلى المطار، فالجنوب”، بهذه العبارة تلّخص الصورة الكاتبة والأكاديمية الدكتورة منى فياض، مضيفة في حديث لـ”أساس” أنّ “تفجير أمس أعادني إلى تفجيرات إيران. هو تفجير غامض، والأرجح أنّ هناك عملاً إسرائيلياً ما. وهذا لا يمكن التأكد منه إلاّ بلجنة تحقيق دولية”.

وبعيداً عن الشقّ السياسي، يرفض وزير الاقتصاد السابق رائد خوري اختصار المشكلة بالإهراءات والطحين، فـ”المشكلة الحقيقية هي في كلّ المرفأ الذي خسر تجهيزاته. ولم يعد قادراً على تخزين السلع، والبنى التحتية مضروبة، ولا نعرف متى سيتمّ ترميمه”.

لكن هل يستوعب مرفأ طرابلس الكميات نفسها التي يستوعبها مرفأ طرابلس؟

“لا يستوعب”، يوضح خوري.

مصادر وزارة الاقتصاد تؤكد من جهتها لـ”أساس”، أنّ الإهراءات في مرفأ بيروت كانت شبه فارغة، موضحة أنّ إهراءات مرفأ طرابلس جاهزة، وإنّ مرفأي طرابلس وصيدا بإمكانهما سدّ العجز عن مرفأ بيروت، إن لناحية استلام البضائع أو لناحية التخزين.

وزّعت المطاحن على الأفران والمخابز. لذا لا أزمة في الخبز حالياً ولا أزمة في أيّ أصناف أخرى

إهراءات مرفأ بيروت هي عبارة عن 104 صوامع، انهار ثلثاها منها. وهي تخزّن الذرة والقمح والشعير، وفق ما أكّد رئيس مصلحة الحركة الداخلية في إهراءات مرفأ بيروت سمير عسكر، في تصريح صحافي، موضحاً أنّه “بقي 6 صوامع، تتسع لـ125 ألف طن، وتكفي لسدّ حاجة لبنان بين 4 أو 6 أشهر”. في حين أنّ القدرة التخزينية لمطاحن لبنان الـ11 تبلغ 125 ألف طن أيضاً.

هناك كلفة إضافية هي كلفة النقل من طرابلس إلى بيروت، بحسب مالك “مطحنة الشهباء”، وائل شبارق، وهي لا تتخطّى 3 أو 4 دولارات للطن الواحد: “والتجّار قادرون على تحمّله”. ويوضح لـ”أساس” أنّه اضطر لإغلاق مطحنتيه لأنّ “الباخرة التي كان عليها الطحين تضرّرت أمس”.

ومع ذلك، لا يدعو شبارق إلى القلق فـ”المطاحن الأخرى قادرة على تلبية الطلب. وهناك من عرض علي تزويدي بالطحين. وهناك بواخر عدّة على الطريق. وبالتالي لن يكون هناك لا أزمة ولا نقص”.

نقيب الأفران والمخابز السابق علي ابراهيم يستبعد من جهته سيناريو أزمة الطحين: “وزّعت المطاحن على الأفران والمخابز. لذا لا أزمة في الخبز حالياً ولا أزمة في أيّ أصناف أخرى”.

نحن دولة محتلة. نحن اليوم شعب مهدّد. الرئيس يهرب من السياسة، ويطلب مساعدات، ويتجاهل أنّه مسؤول أيضاً

أما وزير الصناعة والتجارة الأسبق منصور بطيش فيقول لـ”أساس” فيرفض التعليق في البداية: “الوضع مأساوي والمسؤوليات كبيرة”، ثم يتحدّث بغصّة واضحة في صوته، ويسأل: “من المسؤول عن بقاء هذه المواد السامة والمتفجرة 6 سنوات في المرفأ. بيوت الناس اختربت وما زلنا نحمي الفساد”. ثم يوضح أنّ الإهراءات في مرفأ بيروت شيّدت في السبعينات بتبرّع من دولة الكويت بكلفة 3 مليارات دولار في حينه، وصمدت في كلّ الحروب، ويتابع متحسراً: “اليوم تدمرت”.

بعيداً عن التقنيات، تعتبر الدكتورة فياض أنّ لبنان يدفع اليوم ثمن تبعيته: “نحن دولة محتلة. نحن اليوم شعب مهدّد. الرئيس يهرب من السياسة، ويطلب مساعدات، ويتجاهل أنّه مسؤول أيضاً. نحن في لبنان بتنا بحاجة لحماية من الأمم المتحدة”.

في المقابل، يرى سعد أنّ “لبنان أصبح في دائرة الاستهداف”، وأنّ “هناك محاذير دولية تمنع لبنان من اقتناء وتخزين وتطوير أيّ مواد خطرة منذ أيام الرئيس الراحل سليمان فرنجية في السبعينات”.

ويختم حديثه بسؤال يطرحه عبر “أساس” عن دواعي عدم التصريح عن المادة المتفجّرة وتسليمها للوكالة الدولية للطاقة الذرية والأسلحة الخطرة، معتبراً أنّ ما حصل أمس “هو جريمة إبادة. لو كانت هذه المواد في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنا أمام كارثة أكبر وضحايا أكثر”.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…