“المقايضة”، هي النظام الذي اقترحه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لمواجهة أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية، في أوّل خطاب له بعد الأزمة الاقتصادية، ليؤسّس بعدها عدد من مناصريه مجموعة “لبنان يقايض”.
والمقايضة هي من أقدم الأنظمة التي اعتمدت تاريخياً، قبل اختراع النقود. وتقوم على مقايضة سلعة بسلعة أخرى. لكن لها سلبيات عدّة، من بينها: عدم القدرة على الادخار، وعدم تجانس قيم السلع، وفق ما يشرح لـ”أساس” الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدكتور أيمن عمر.
إقرأ أيضاً: هل يكون الـCurrency Board طوق نجاة الليرة؟
غير أنّ ما يحدث في لبنان بالمفهوم العلمي ليس مقايضة، فالناس المحتاجة تبيع ما تملكه، وهو ربما يكون من الضروريات، كي تؤمن بعض الطعام.
هذا التوصيف يوافق عليه الدكتور أيمن عمر، موضحاً أنّ “ما نراه ليس نظام المقايضة، وإنّما هو أداة من أدوات تأمين الحاجات الأساسية للناس، أي الحاجات التي يعجزون عن تأمينها في ظلّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء، وعدم وجود مداخيل”.
ما يحدث في لبنان بالمفهوم العلمي ليس مقايضة، فالناس المحتاجة تبيع ما تملكه، وهو ربما يكون من الضروريات، كي تؤمن بعض الطعام
ويؤكد عمر أنّ “الناس تلجأ إلى هذه الأداة بسبب الحاجة. والمقايضة هنا تنتهي بانتهاء مقتنيات الناس، وبالتالي هذه الآلية ليس مستدامة”، كما كان الحال لمن يقايض البيض باللبن مثلا، والدجاجات تبيض يومياً، واللبن يمكن إنتاج غيره في اليوم التالي. ويلفت إلى أنّ “هذا النظام ليس سليماً، في وضع اقتصادي سليم، والمقايضة ستنتهي بمجرد انتهاء الأزمة. فالإقبال عليها ما زال محدوداً، ومن يلجأون إليها هم الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة”.
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي البروفيسير جاسم عجاقة لـ”أساس”، أنّ خلق هذه التطبيقات والمنصات، يشير إلى دلالات عدّة، أهمها:
1- وجود أزمة اقتصادية كبيرة جداً.
2- حالة الترف التي كنا نحيا فيها: فهناك العديد من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها.
3- غياب أيّ حلول عملية للأزمة من قبل الدولة.
إلى جانب مجموعة “لبنان يقايض” ظهرت تطبيقات هاتفية عدّة تدعم “المقايضة”، من بينها تطبيق “Rayga”، الذي هو في الأصل تطبيق مصري، أُتيح للبنانيين استخدامه مؤخراً.
كذلك نشطت مجموعة “ليبون تروك” التي أطلقتها اللبنانية هالة دحروج. وهذه المجموعة عبارة عن مبادرة مدنية مستقلة غير تابعة حزبياً، وتهدف لمساعدة الناس دون أيّ أهداف ربحية.
موقع “أساس”، ولمتابعة عمل هذه التطبيقات، حمّل إحداها، وهو تطبيق “Rayga”، المتاح في مصر وفي لبنان. التطبيق وبعد تحديد الدولة (أي لبنان)، يطلب تحديد الموقع، لتبرز للمستخدم بعد ذلك قائمة متنوّعة تضم ملابس، أثاث، عقارات، سيارات، مواد غذائية.
ولنتعرّف أكثر على طريقة عمل التطبيق ذهبنا إلى “السوبر ماركت”، وهناك وجدنا مستخدماً من طرابلس يعرض “أرز مصري”، للمقايضة مقابل “زيوت”.
وفي قسم الإلكترونيات صادفنا مستخدماً من “صور” يعرض شاحن سمّاعات للمقايضة مقابل “أيّ حاجة”.
إذا التطبيق يتيح للمستخدم، عرض ما لديه، وطلب ما يحتاجه في المقابل. وعلى ما يبدو من خلال التصفح، فإنّ الإقبال اللبناني عليه ما زال خجولاً.
مدير شركة “ITEC” سليم قنبور، أوضح لـ”أساس” أنّه لا يمكن اعتبار جميع التطبيقات آمنة، لافتاً إلى أنّ التطبيق متاح على منصة “Apple” حيث يتمّ اختباره، بخلاف الـ”Android”، حيث لا يوجد اختبار مسبق لأيّ تطبيق، ما يعني أنّه قد يكون خطراً على الخصوصية وعلى الجهاز.
تطبيقات كثيرة ، سواء على “Apple” و “Android”، تخدع المستخدمين، من خلال الإيحاء أنّها مجانية، غير أنّ ما يحصل لاحقاً أنّها تصبح مدفوعة الثمن، وتسحب أموالاً من المستخدم
ويحذّر قنبور من أنّ تطبيقات كثيرة ، سواء على “Apple” و “Android”، تخدع المستخدمين، من خلال الإيحاء أنّها مجانية، غير أنّ ما يحصل لاحقاً أنّها تصبح مدفوعة الثمن، وتسحب أموالاً من المستخدم.
وفيما يتعلّق بتطبيقات المقايضة، يوضح قنبور أنّها ليست مضمونة: “فقد لا تتطابق المواصفات الفعلية للسلع مع ما هو معروض. وهناك لا يمكن إرجاعها ولا يوجد طرف يضمن الجودة. وهذا ما كان يحصل مع “OLX” وغيرها من التطبيقات”.
إذاً، المقايضة ليست حلاً. وإنّما هي إجراء مؤقت يلجأ إليه المحتاجون. والترويج إليها كنظام اقتصادي بديل، ما هو إلاّ هذيان لا يمت إلى الواقع بصلة. ويمكن تلخيصها بأنها تسمح لمن يملك أموالاً “كاش” بأن يأخذ من المحتاجين أشياءهم الثمينة، مقابل أثمان زهيدة جداً، بسبب حاجتهم إلى المال والطعام. وهذا ليس “مقايضة” بل أقرب إلى الاستغلال، لئلا نقول “السرقة”.