أثار طعنُ رئيس الجمهورية ميشال عون بالقانون رقم 7 تاريخ 3/7/2020 الخاص بتحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العليا في الدولة، تساؤلاتٍ كثيرة عن المنهجيّة التي يعتمدها في مقاربة عمليّة الإصلاح مع تفاقم الأزمات منذ وصوله إلى الحكم. وزادت علامات الاستفهام أكثر عن الرسالة التي تريد السلطة إيصالها إلى الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، بعد قبول المجلس الدستوري طعن الرئيس عون وإبطاله القانون برمّته “لمخالفته الدستور”.
إقرأ أيضاً: التعيينات: جبران قاشوش “المسيحيين البرتقاليين” وممتحن “السنّة” قبل التعيين
النائب جورج عقيص الذي خاض معركة القانون رقم 7 مع بقية أعضاء “كتلة الجمهورية القوية” قال إنّ “الرواية التي يجب أن تُروى بهذا الشأن، أنّه كانت هناك آلية للتعيين وُضِعت في العام 2001، واستبعَدَت حينها أيَّ دورٍ للوزير المعنيّ. وتمّ بموجبها تعيين لجنة لاختيار الموظفين تألّفت من موظفين مُعيّنين أصلاً، هم رؤساء مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وهيئة التأديب العليا. ولم يقل قرار المجلس الدستوري في ذلك الحين أنّ الدولة لا تحتاج إلى آلية للتعيينات”.
وأوضح عقيص في حديث لـ”أساس” أنّ “كتلة الجمهورية القوية لم تخترع جديداً، بل استمدّ القانونُ نصوصَه من آليّةٍ تنفيذيّة سبق أن اقترحها وزير الدولة السابق لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش وجرى، على أساسها، تعيين عدد من المديرين العامين، ولا يزال بعضهم في مواقعه رغم أنهم جاؤوا بهذه الآليّة، التي يصنّفها البعض غير دستورية. وجُلَّ ما فعلناه أنّنا وضعنا تلك الآلية في إطارٍ قانوني، وحوّلناها إلى مجلس النوّاب، بناءً على تمنّي رئيس الجمهورية في إحدى جلسات مجلس الوزراء عندما قال: إنّ آلية الوزير فنيش ليست قانونية، وعندما تصبح قانوناً نعمل بها”.
كتلة الجمهورية القوية لم تخترع جديداً، بل استمدّ القانونُ نصوصَه من آليّةٍ تنفيذيّة سبق أن اقترحها وزير الدولة السابق لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش
واعتبر عقيص أنّ كلّ المؤشّرات كانت توحي بأنّ القانون سيمرُّ في مجلس النواب، لأنّ كلّ القوى السياسية كانت تنادي بالخروج من المحاصصة، وصوّتت لإقرار الآلية، لكنّ التيار الوطنيّ الحرّ انقلب ضدّه، ثم استعمل رئيس الجمهورية سلطته للطعن فيه أمام المجلس الدستوري.
وأكّد عقيص لـ”أساس” أنّه “لو كانت القوى السياسية جدّية في مناصرتها للقانون ودعمها له، لكان “ممثّلوها” في المجلس الدستوري ترجموا هذا الدعم بالتصويت له، ولردّوا طعن رئيس الجمهورية”، خاصة في هذه الظروف التي تفرض علينا إنتاج قوانينَ إصلاحية يطالب بها الشعب اللبناني والمجتمع الدولي في آنٍ معاً، مشيراً إلى أنّ القوات اللبنانية هي “القوّة السياسية الوحيدة التي لم تدخل في المحاصصة في تركيبة المجلس الدستوري. فجميع الأعضاء المسيحيين جاؤوا من حصة التيار الوطني الحرّ. وفرضت بقية القوى السياسية ممثّلين لها في المجلس”.
وكشف عقيص أنّه بعد قبول الطعن، تقوم القوات اللبنانية بجولةِ مشاوراتٍ مع الكُتل النيابية التي وقفت إلى جانب القانون “لنقول لها إنّ قانون آلية التعيين ليس حكراً علينا، بل أصبح ملك مجلس النواب، وأنتم اقترعتم له. فلنتشارك نحن وإيّاكم الأفكار لإخراج التعيينات من منطق المحاصصة والزبائنية. وبالزخم نفسه، وعلى خطٍّ آخر، نعمل على تعديلٍ قد يُفاجئ البعض بالسرعة التي سنقدّمه فيها، وسيكون بصيغة المُعَجَّل المكرَّر، ويتضمّن معالجاتٍ ستحشر كلّ المُتلطّين خلف مبدأ صلاحيّة الوزير وخلف نصّ المادة 65 من الدستور”.
وتابع عقيص: “لا أرى أنّ القانون الذي أبطله المجلس الدستوري يمسّ صلاحيّة الوزير. لكن زيادةً في الاطمئنان ولتعرية المواقف، سنقدّم صيغة قانون، سيكون واضحاً فيها أنّ عدم التصويت لها أو انتقادها أو الطعن بها هو وقوفٌ إلى جانب الفساد والمحاصصة وضربٌ لأيّ مسعى للتطوير وعصرنة الإدارة العامة”.
وردّاً على الوزير السابق سيزار أبي خليل الذي قال إنّ “هناك طرقاً للخروج من المحاصصة، وليس بالضرورة أن تكون من خلال المسّ بالنصوص الدستوريّة”، أجاب عقيص: “إذا كان هناك فعلاً طرق أخرى للخروج من منطق المحاصصة وتأمين وصول الأكفّاء إلى المناصب القيادية في الدولة، وأنتم على علمٍ بها، فلماذا لم تطبّقوها وماذا تنتظرون للعمل بها، وقد مرّت أربعُ سنوات من عهدكم وقبلها أحد عشر عاماً من ممارسة السلطة بقضّكم وقضيضكم في المجلس النيابي والحكومات؟ ولماذا انتظرتم حتّى اليوم وبعد تقديم قانون آلية التعيين في مجلس النواب لتعلنوا هذا الكلام، أين هي قوانينكم؟ ولماذا لم تطرحوها في مجلس النواب؟”.
عقيص: “لا أرى أنّ القانون الذي أبطله المجلس الدستوري يمسّ صلاحيّة الوزير”
وسأل عقيص المجلسَ الدستوريّ والتيارَ الوطني الحرّ: “أين يسحبُ القانون الذي قدّمناه الصلاحيّةَ من الوزير؟” مضيفاً: “نحن لم نمسّ بالصلاحيات. فالنصُّ الدستوريّ لا يُفسَّر إلاّ بشكل حرفيّ ولا يجوز التوسُّع بتفسير نطاقه، وليس في الدستور ما يمنع من أن تكون هناك آلية تنفيذية تساعد الوزير على رفع الأسماء المؤهّلة للمراكز، وليس في الدستور، وفي المادة 65، أيُّ نصٍّ دستوريّ آخر يمنع على الوزير أن يكون محاطاً بآلياتٍ فيها شفافية عالية وتكافؤ فرص بين المواطنين”.
وأكّد عقيص أنّ “المبادئ الدستوريّة يجب المحافظة عليها، وهي تستوي مع نصِّ المادة 65 أهميّةً. فلا يجوز تفضيل نصّ هذه المادة على مبادئَ دستوريّة عامّة وردت في مقدّمة الدستور، أهمّها تكافؤ الفرص أمام القانون، التي لا تسقط أمام بقيّة موادّ الدستور.. ومع ذلك، فإنّ الصيغة التي سنطرحها ستراعي كلّ هذه الأمور على قاعدة سحب الذرائع حتى النهاية. ونحن متّجهون لخوض معركة جديدة لتحرير الإدارة من الزبائنيّة. وسنخوض هذه المواجهة حتى تحقيق الإصلاح الفعلي في الدولة”.