المنطقة كلّها تغلي بأنصاف الآلهة. أردوغان في طريقه إلى إعلان نفسه “خليفة” المسلمين، من آيا صوفيا، التي حمّل خطيبها، يوم الجمعة الفائت سيفَ الفتوحات العثمانية، محرّكاً مشاعر المسيحيين والأوروبيين. إلى الخامنئي، نائب المهدي، الذي يريد فرض أعلام الإمبراطورية الفارسية المُشتهاة من المحيط إلى الخليج، بالحوثيين وهتاف “الموت لآل سعود” وصولاً إلى حركة التشييع في بعض أفريقيا. ولا ننتهي بالأحلام الروسية القيصرية، بعدما بات البحر الأبيض المتوسّط ملعباً لها، وأساطير طريق الحرير الذي تريده الصين مقدّمة لمشروعها للسيطرة على العالم…
إقرأ أيضاً: الحزب تبرّأ من عملية فاشلة؟ أو أجرى استطلاعاً لقدرات العدوّ؟
وسط هذا الجنون الإمبراطوري، يولد في لبنان حلم “ميني” إمبراطوري. لا يتوقف الرئيس ميشال عون عن الطرق على باب “النظام الرئاسي”. يريد أن يجعل نفسه حاكماً مسيحياً لهذه البلاد التي تتقاذفها أمواج الطوائف والمشاريع والمخابرات والأزمات. يريد أن يجعل بعبدا “قصر الحكم”، بعدما حوّله اتفاق الطائف إلى ركيزة من ركائز “الترويكا”، بين رئيس مجلس وزراء، منصبه هو مركز توزيع الصلاحيات، ومجلس وزراء هو طاولة الحكم التنفيذي، وبين رئيس مجلس نواب يختصر بشخصه جدول أعمال البلاد في برلمان الشعب، ويحمل في طيّاته عصا الحكم الشيعي الغليظة، غير المُعلنة، وغير المضمرة كذلك.
هنا تكمن “اللعبة” التي يمارسها خبراء الدستور في قصر بعبدا، بتحويل رئيس الحكومة إلى مشاهد وشاهد
اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس بدا فاقعاً أكثر من قبل. ومجدّدا خرج متحدث باسم المجلس ليعلن “مقرّراته”. والتسمية وحدها كفيلة بضرب اتفاق الطائف وتجديد الحرب الأهلية. فهذا المجلس لا “يقرّر” بل يصدر توصيات ومجلس الوزراء هو الذي يقرّر.
بحسب الدستور، من صلاحيات “المجلس الأعلى للدفاع” أن “يقرّر الإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعية كما حدّدها مجلس الوزراء”، هو ينفّذ إذاً ما تقرّره الحكومة. اليوم عكس الرئيس عون الآية.
قصر بعبدا يوزّع الخبر وفق الصيغة التالية: “قرّر المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند التاسعة والنصف من قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، رفع إنهاء إلى مجلس الوزراء يتضمّن إعادة تمديد حالة التعبئة العامة التي…”. أي أنّ المجلس هو الذي يقرّر، ويرفع إلى مجلس الوزراء. على خلاف النصّ الدستوري الذي ينصّ على أنّه يقرّر الإجراءات التنفيذية لما يحدّده مجلس الوزراء. وهنا تكمن “اللعبة” التي يمارسها خبراء الدستور في قصر بعبدا، بتحويل رئيس الحكومة إلى مشاهد وشاهد، بدلاً من أن يكون هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية.
وبحسب الدستور، فإنّ مجلس الدفاع الأعلى يضمّ “رئيس الجمهورية رئيساً. رئيس الوزراء نائباً للرئيس. وزير الدفاع عضواً. وزير الخارجية عضواً. وزير المالية عضواً. وزير الداخلية عضواً. وزير الاقتصاد عضواً”. لكنّ الرئيس عون بات يدعو إليه، كما حصل بالأمس: “وزير الصحّة العامة، ووزير الاشغال العامة والنقل، ووزيرة العدل”. 8 وزراء، والرئيس، أي 9 من أعضاء مجلس الوزراء.
ولزيادة التقليل من شأن رئيس الحكومة في الخبر الموزّع من بعبدا، الفقرة السادسة تبدأ بالتالي: “حضر الاجتماع إلى رئيس الحكومة…”. أي أنّ رئيس الحكومة “حضر الاجتماع” الذي يرأسه عون. هو مجلس وزاريّ مصغّر “يحضره” رئيس الحكومة، ويناقش كلّ أوضاع البلاد.
في الشكل، بات “المجلس الأعلى للدفاع” هو بديل عن الحكومة، يسبقها، وفيه تتّخذ القرارات، ثم يذهب الوزراء إلى مجلس الوزراء لينفذوا ما “قرّره” المجلس
وبدلاً من الحكومة، وبدلاً من اجتماعٍ طارىءٍ للحكومة بعد الاعتداء الإسرائيلي أمس، يجتمع المجلس الأعلى للدفاع ويدين الرئيس عون “الاعتداء الإسرائيلي”. وهناك يتحدّث رئيس الحكومة عن الأمن وكورونا وغيره… ومن هناك ينتقل إلى اجتماع مجلس الوزراء، حيث تحدّث كـ”مشاهد” و”شاهد”، بل وكناشط خارج السلطة، فقال التالي: “البلد عم يواجه تحديات استثنائية وهناك تفلت السلاح واعتداء ع مراكز الأمن وكأن الأمور مش تحت السيطرة. وين الأجهزة الأمنية؟ وين القضاء؟ شو دورهم بفرض هيبة الدولة؟ كيف فينا نفرض الأمن بمنطقة وما فينا نفرضه بمنطقة تانية؟ يلي عم بصير ما بده توافق سياسي، بده قرار أمني جدي وحازم”. وبعد حملة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حذف دياب هذا الكلام عن حسابه على “تويتر”.
في الشكل، بات “المجلس الأعلى للدفاع” هو بديل عن الحكومة، يسبقها، وفيه تتّخذ القرارات، ثم يذهب الوزراء إلى مجلس الوزراء لينفذوا ما “قرّره” المجلس، ذاك الذي يرأسه عون.
وفي المضمون، يعرف دياب أنّه ليس الرئيس، ويخرج على تويتر ليعلن أنّه سأل في مجلس الوزراء: “وينيه الدولة؟”.