حالةٌ من الامتعاض الشعبي تضرب صفوف بيئة حزب الله “المتعثّرة” عن الدفع لمؤسسة “القرض الحسن”. وهي المؤسسة المالية الخاصة التابعة بشكل مباشر لحزب الله، التي يلجأ إليها صغار المقترضين، من الشيعة وغير الشيعة، مقابل رهن معيّن، عادةً ما يكون من الذهب.
دعاء هي أحدى المُقترِضَات من هذه المؤسسة، وخلاف كثيرين، لا تزال مستمرّة في دفع الأقساط الشهرية، رغم الظروف المعيشية الصعبة بالدولار، وبحسب سعر الصرف في السوق السوداء، أي بين 7500 و9500 ليرة لبنانية للدولار في الأشهر الأخيرة. علماً أنّها اقترضت المال منذ ما يقارب السنة، أي ما قبل أزمة الدولار في لبنان، حين كان سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية.
تضحك دعاء وتقول في حديثها لـ”أساس”: “هناك سعر قبل الظهر وسعر بعد الظهر”. في آخر زيارة لها إلى “القرض الحسن” مرّت صباحاً على فرع المؤسسة الواقع في مدينة بعلبك، وسألت عن احتساب سعر صرف الدولار، فكان الجواب: 8000 ليرة. غادرت بحثاً عن تأمين 130 دولاراً أميركياً “فريش”، أي مليون و40 ألف ليرة لبنانية. وعندما عادت بعد الظهر لتدفع المستحقّات، كان الجواب أنّ سعر الصرف اختلف بين الصباح وما بعد الظهر، وعليها احتساب الدفعة على السعر المستجدّ وهو 8300 ليرة مقابل الدولار الواحد.
إقرأ أيضاً: الحزب… ناس “بدولار” وناس “بليرة”؟
تنقل دعاء امتعاضها الشديد من المؤسسة التي يفترض أن تتعاطى “بإنسانية” مع المقترضين، لا سيما القدامى منهم، في هذه الظروف: “وليس تخويف الناس وتهديدهم ببيع ممتلكاتهم من الذهب في المزاد”. وتكثر دعاء من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”، وهي التي تعثّر عمل زوجها، الذي يملك “فان” على خطّ بيروت – بعلبك. منذ أزمة انتشار فيروس الكورونا، وبسبب الأوضاع الصحية، تراجع عمله، وبات غير قادر على دفع إيجار النمرة وبقية التزاماته المالية، ومن بينها هذا القرض. وتختم حديثها بـ: “تركيها على الله… مش على حزبو”.
تفيد معلومات “أساس” في هذا الإطار أنّ أكثر من 70 % من المقترضين متعثّرون اليوم عن دفع المستحقات المالية
تفيد معلومات “أساس” في هذا الإطار أنّ أكثر من 70 % من المقترضين متعثّرون اليوم عن دفع المستحقات المالية، لكن يركضون لتسديدها خوفاً من خسران ممتلكاتهم المرهونة، علماً أنّ هناك فترة سماح للمقترضين بالتأخر عن الدفع، من دون رفع الفوائد، لا تتجاوز 3 أشهر. لكنّ الجزء الأكبر من الناس يقوم ببيع ممتلكاته إلى المؤسسة لسداد دينه، والحصول على باقي حقوقه، وخوفاً من ارتفاعات خيالية قد تصيب سعر صرف الدولار في الأشهر المقبلة. وأيضاً بعد اعتماد سعر وسطي كان مُعلناً عنه بأوراق ملصقة على جدران مؤسسات “القرض الحسن” خلال الفترات الأولى من بدء جنون الدولار. بحسب شهود عيان، أزيلت هذه الأوراق منذ فترة ولا سعر ثابتاً اليوم للدولار في المؤسسة، بل تعاطٍ “أسود” مثل لون سوق الصرف المتأرجح بين ساعة وأخرى. أما حجّة المؤسسة فهي أنّها ملتزمة مع الناس التي تضع أموالها بالدولار لديها، ولا تستطيع اعتماد إلا سعر الصرف “الأسود” لتلبية احتياجات الناس.
بحسب المنطق، فإنّ المؤسسة التي أقرضت زبائنها، بدولار قيمته 1500 ليرة، حين تستعيد دولاراً بقيمة 1500، يمكنها أن تقرض زبائنها بالليرة اللبنانية، وبالتالي لن تعاني من أيّ خسائر. خلافاً للتجار، على سبيل المثال، الذين حين يبيعون لوح شوكولا ثمنه 1500، سيضطرون لشرائه بالدولار الجديد من خارج لبنان، الذي بات سعره 8000 ليرة. وبالتالي إذا باعه بـ8000 بحجّة أنّه سيشتريه بـ8000، سيكون محقّاً. أما من أقرض دولاراً، فلا سلعة ليشتريها، ويمكنه أن يحوّل القروض التي سيعطيها إلى الزبائن، إلى الليرة اللبنانية.
أما في القانون، وبحسب المادة الأولى من قانون النقد والتسليف رقم 13513/ 1963، إنّ “الوحدة النقدية المعتمدة في الجمهورية اللبنانية هي الليرة اللبنانية”. والمادة 192 من القانون نفسه تقول إنّ “كلّ شخص يمتنع عن استيفاء أو قبض الليرة اللبنانية يعاقب بحسب المادة 319 من قانون العقوبات، وتتراوح العقوبة بين حبس ما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة من 500 ألف إلى 2 مليون ليرة لبنانية”… فهل يسري هذا القانون على المؤسسات المالية الخاصة ومنها القرض الحسن، كما يسري على المصارف اللبنانية التي تضطر اليوم لاستيفاء دينها الدولاري بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات؟
وجوب التزام “القرض الحسن” بقانون النقد والتسليف، واستيفاء ديونه بالليرة حصراً وعلى سعر الصرف الرسمي
نحمل هذا السؤال ونتوجه به إلى المحامي الحقوقي، الناشط في مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام”، حسن بزي. وهو يؤكّد على وجوب التزام “القرض الحسن” بقانون النقد والتسليف، واستيفاء ديونه بالليرة حصراً وعلى سعر الصرف الرسمي. ويشرح لـ”اساس” كيفية الحصول على هذا الحقّ بالقانون، وذلك عبر إجراء مقتضى قانوني لدى كاتب العدل، يسمّى “عرضاً وإيداعاً”، ويطلب عبره من المؤسسة أن يستردّ الضمانة. وفي حال لم تردّها، يقدّم المقترض دعوى “إساءة أمانة”، تمهّد له الطريق لتسوية يرتضيها القانون.
يميّز بزي هنا بين المقترضين القدامى وأولئك الجدد. ويؤكد أنّ المقترضين حديثاً لا يحقّ لهم ممارسة هذا المقتضى، لأن ذلك سيكون عملاً لا أخلاقياً بحقّ مؤسسة مرتبطة بصغار المقترضين وأوضاعهم المالية الصعبة. ولأنّهم اقترضوا “الدولار الفريش” في لحظة جنونه. وهذه المؤسسة ليس لديها حسابات مصرفية وممنوعة من تلقّي أيّ حوالة بقرار من الولايات المتحدة الأميركية وحاكم مصرف لبنان. وبالتالي هي مثل أيّ تاجر في السوق اللبناني. ويكشف بزّي لموقعنا بأنّ العمل جارٍ على البحث عن صيغة ترضي المؤسسة والمتعاملين في وقت واحد، لكنّها تحتاج إلى بحث جدّي معمّق بسبب ضبابية المشهد تجاه أزمة الدولار في لبنان.
علماً أنّ هناك مصادر غمزت لـ”أساس” عن وجود ثغرة ما في النظام الداخلي، تمنع المؤسسة من بيع ممتلكات المقترضين المهدّدين اليوم بخسارة ودائعهم.
فهل سيصل القرض “غير الحسن”، كما يسمّيه مقترضون متعثّرون اليوم، ومن اكتووا بسعر صرف الأسواق السوداء، إلى صيغة “حسنة” ترضي الجميع وتحفظ ماء وجه المؤسسة “الشرعي” تجاه القاعدة الشعبية لحزب الله؟!