عباس ابراهيم في الديمان: ربط نزاع.. وتأسيس للحوار

مدة القراءة 6 د


أمّا وقد صرّح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي الأربعاء نزولاً عند رغبة مضيفه، بينما “لم يكن يرغب في التصريح”، فإنّه يمكن تلخيص كلامه بنقطتين أساسيتين: الأولى أنّه لم ينقل إلى البطريرك “أيّ رسالة من حزب الله، ولم يحمل أيّ رسالة من البطريرك إلى الحزب، لأنّ غبطته ليس في حاجة إلى تبادل رسائل، فهو على اتصال دائم بجميع مكوّنات الشعب اللبناني”. والثانية نقله عن البطريرك الراعي قوله إنّ الحياد في حاجة إلى إجماع جميع اللبنانيين.

إقرأ أيضاً: الحوار الوطني وفق “ثلاثية الراعي”… ينتظر “جواباً” شيعياً رسمياً

بنفيه قيامه بوساطة بين البطريرك والحزب، فإنّ ابراهيم، وبغضّ النظر عن مضمون لقائه مع الراعي، يكون قد أرضى كلا الطرفين. لقد آثر “حزب الله” عدم التعليق على دعوة الراعي إلى حياد لبنان منذ أطلق نداءه الشهير في 5 تموز 2020، ما خلا الجملة اليتمية التي قالها النائب محمد رعد من عين التينة في 21 تموز الجاري ومفادها: “اطّلعنا على طرح البطريرك الراعي ونتابع ردود الفعل”. لكنّ عدم تعليقه على النداء المذكور لا يعني أنّه لم يهتمّ له، ولم يقدّر أهميته سواء لجهة مضمونه أو توقيته. بل على العكس، فهو أدرك تمام الإدراك أنّ موقف الراعي يملك كلّ المقوّمات ليشكّل منعطفاً أساسياً في المشهد السياسي لاسيّما في ظلّ الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة.

غنيّ عن القول إنّ “حزب الله” لا ينظر إلى “مبادرة الراعي” في سياقاتها المحليّة وحسب، إنما في سياقاتها الدولية أيضاً

لذلك، فإنّ الحزب يتعامل بحذر شديد مع مبادرة الراعي بحيث لا يظهر أنّه يغضّ الطرف عنها، لكن في الوقت نفسه لا يريد أن يُبيّن وجود خلاف ناشىءٍ مع البطريرك، وذلك لسببين مترابطتين: الأوّل أنّ البطريركية المارونية وبالنظر إلى ما تمثّله من ثقل سياسي ووطني وديني قادرة على الاستقطاب وخلط الأوراق ضمن اللعبة السياسية التي استطاع حزب الله منذ التسوية الرئاسية في العام 2016 أن يتحكّم بقوانينها الرئيسية، لاسيّما لجهة تحييد سلاحه عن النقاش السياسي. والثاني لأنّ تظهير خلاف كهذا في التوقيت الحالي يعني أنّ الأزمة المالية بدأت تخلق وقائع سياسية جديدة لجهة ربط مراكز نفوذ أساسية مثل البطريركية المارونية بين الانهيار الحاصل وتمحور لبنان ضمن محور إقليمي بعينه. وهو ما يحيل إلى انخراط “حزب الله” في حروب المنطقة ونزاعاتها سواء من الناحية العسكرية والأمنية أو من الناحية السياسية. وقد كان واضحاً البطريرك الراعي لهذه الناحية في عظته صباح الأحد 26 تموز الجاري عندما قال إنّ “الحياد هو الابتعاد عن الدخول في أحلاف وصراعات وحروب إقليمية ودوليّة، وبخاصّة تلك التي لها تأثيرات سلبيّة مباشرة على الاستقرار داخل الدّولة”.

غنيّ عن القول إنّ “حزب الله” لا ينظر إلى “مبادرة الراعي” في سياقاتها المحليّة وحسب، إنما في سياقاتها الدولية أيضاً خصوصاً لجهة الدعم الفاتيكاني لها وقد تزامن “نداء 5 تموز” مع استقبال الفاتيكان لوزير الخارجية ناصيف حتّي وتوصيته له بـ”الحوار مع صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأميركية”. ثمّ أتت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لبكركي في 23 تموز الحالي وتأييده “الحياد الإيجابي الذي يعني النأي بلبنان عن صراع المنطقة”، لتكرّس الدعم الدولي للمبادرة البطريركية أقلّه في حدود التفسير الذي أعطاه الوزير الفرنسي لمفهوم الحياد والمتطابق مع أدبيات المجموعة الدولية الداعمة للبنان. كذلك فقد استقبل الراعي، الثلاثاء، سفير الاتحاد الأوروبي رالف طراف الذي صرّح عقب اللقاء أنّه سينقل موقف البطريرك إلى “السلطات المختصة في بروكسل وإلى سفراء الاتحاد الأوروبي في اجتماعنا الدوري الذي سنتطرّق فيه إلى موضوع حياد لبنان”.

البطريركية المارونية بدت ومنذ البداية متنبّهة لخطورة تحويل “طرح الحياد” إلى عنوان انقسام إضافي بين اللبنانيين.

كلّ ذلك يدفع “حزب الله” إلى التعامل بجدّية مع “طرح الحياد” ووفق استراتيجية مدروسة بحيث لا يصطدم مباشرة مع البطريرك، بل يحاول قدر الإمكان استيعاب موقفه أو حتّى الالتفاف عليه إعلامياً وسياسياً مستعيناً بوجه خاص بحلفائه المسيحيين لاسيما “التيار الوطني الحر” الذي ذهب، قصداً، إلى التفسير الأقصى لمفهوم الحياد بربط تحقّقه بـ”التوافق الداخلي والموافقة الخارجية، لا سيما من جانب دول الجوار ودول مجلس الأمن”، متجاوزاً تفسير بكركي له بوصفه “ابتعاداً عن الدخول في أحلاف وصراعات وحروب إقليمية ودوليّة”. وكان تكتل “لبنان القوي” قد أكّد الثلاثاء “رفضه المطلق لأيّ محاولة استغلال لهذا الطرح بهدف عزل فريق سياسي معيّن أو تطويقه أو استفزازه”، وذلك في محاولة واضحة للضغط على بكركي وسيّدها.

في المقابل، فإنّ البطريركية المارونية بدت ومنذ البداية متنبّهة لخطورة تحويل “طرح الحياد” إلى عنوان انقسام إضافي بين اللبنانيين. وقد أكدّ الراعي في عظته، الأحد الماضي، أنّ “الهدف الأوّل والأساس من نظام الحياد الناشط والفاعل هو شدّ أواصر وحدة لبنان الداخليَّة”. كما أكّد المطران سمير مظلوم “وهو مع المير حارث شهاب يمثّلان بكركي في لجنة التنسيق مع الحزب” الإثنين الفائت أنّ الطرح  عينه “لا يستهدف حزب الله”. مع العلم أنّه نقل عن البطريرك شكواه للسفير الإيراني خلال زيارته الديمان “مقاطعة حزب الله له منذ زيارته القدس في أيار 2014”.

لكن من الواضح أنّ الراعي يشتغل على مبادرته وفق مستويين: مستوى داخلي من خلال البناء على الدعم السياسي والشعبي لها، خصوصاً أنّها لاقت تأييداً في أوساط سياسية إسلامية دعت إلى إقامة حوار وطني على أساس “ثلاثية بكركي”، ابتدأها النائب نهاد المشنوق، أي تحرير الشرعية والحياد وتنفيذ القرارات الدولية. وفي الوقت نفسه، تسعى بكركي لطمأنة الأطراف الداخلية “المرتابة” من “طرح الحياد”، ولاسيّما “حزب الله” وإن كان لا يشجّع على انتشارهم العسكري، إلى أنّه لا يستهدفهم، بل إنّ الهدف منه “تثبيت كيان لبنان وسيادته واستقلاله، وتعزيز الشراكة الوطنيَّة”، ومن طريق الحوار لا الانقسام. وفي السياق، فقد أكّد البطريرك في عظته الأحد الماضي “التزام لبنان بالقضيَّة الفلسطينيَّة، وضدّ الممارسة العدائيَّة من إسرائيل تجاه أهل فلسطين وأرضهم وحقوقهم وتجاه لبنان وأيّ بلد آخر”.

أمّا على المستوى الخارجي، فسيعمل الراعي على تفعيل واستقطاب الدعم الدولي للطرح البطريركي. ومن المتوقّع أن يزور سيّد بكركي الفاتيكان في أيلول المقبل فور استئناف الكرسي الرسولي نشاطه السياسي والديبلوماسي بعد العطلة الصيفية. كما يتوقّع أن تكون زيارته الفاتيكان من ضمن جولة على دول أخرى وفي مقدّمها فرنسا، مع العلم أنّه نقل عن البطريرك قوله إنّه في صدد التحضير لزيارة إلى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك لعرض “طرح الحياد” هناك.

مواضيع ذات صلة

قنوات مفتوحة بين قائد الجيش و”الثّنائيّ الشّيعيّ”

في آخر موقف رسمي من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية والفاضحة لقرار وقف إطلاق النار تكرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “لفت نظر” لجنة المراقبة لوجوب وقف هذه…

“اللقاء الديموقراطي” يدعم التوافق على جوزف عون

أقلّ من 25 يوماً تفصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي. حراكٌ في مختلف الاتّجاهات، وتشاورٌ على كلّ المستويات. الشغل جدّي لإجراء الانتخابات يوم التاسع من كانون…

سفراء الخماسيّة “أسرى” جلسة الرّئاسة!

لا صوت يعلو فوق صوت “مطحنة” الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس نبيه برّي يتمسّك بتاريخ 9 كانون الثاني بوصفه المعبر الإلزامي نحو قصر…

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…