بعد إقرار حكومة الرئيس حسان دياب خطة إعادة اللاجئين السوريين، يعتزم رئيس الجمهورية ميشال عون عقد مؤتمر “عودة النازحين” في القصر الجمهوري في بعبدا في 29 و30 الجاري، بهدف “وضع الأطر العملية، لتفعيل العودة المرجوة”، ولإطلاق الحملة الإعلامية والسياسية لإعادة وضع هذا الملف في صدارة الأحداث. رغم أنه لم تطرأ عليه متغيّرات داخلية أو خارجية تسمح بتوقّع حصول انفراجات تتيح العودة.
لن يتضمّن المؤتمر تصحيحاً لفرض الممانعة تعريف هذه القضية عندما وقف في وجه اعتبار السوريين الهاربين من جحيم بشار الأسد “لاجئين” عبروا الحدود من الدولة السورية إلى الدولة اللبنانية، وأصرّ على اعتبارهم مجرّد “نازحين”. وفي التعريف القانوني يكون النزوح داخل البلد الواحد، وهذا خلق إشكاليّة أخلاقية وقانونية، ألقت بظلالها على هذا المسار منذ ساعاته الأولى.
إقرأ أيضاً: وزير بارز لـ”أساس”: النازحون يفتحون طريق لبنان الى صندوق النقد…
يتجاهل الجانب اللبناني في خطته المعلنة أنّ النظام يواصل ممارسة أنواع القمع والإرهاب على الشعب السوري في دمشق ودرعا والسويداء. كما يتجاهل سيطرة الحرس الثوري الإيراني على مساحاتٍ واسعة في الشرق والشمال السوريين، حيث يقوم بالتهجير المذهبي، من دون أن ننسى الاشتباكات الدائمة في مدن الساحل السوري بين عصابات النظام.
يغيب عن بنود ورقة الحكومة البندُ الأبرز الذي شكّل الفارق والخلاف مع الفريق المعارض للممانعة، وهو ضرورة مواكبة الأمم المتحدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتمكينها من الإطّلاع على أوضاعهم ومواكبتها وضمان سلامتهم وعودتهم إلى مناطقهم التي هُجِّروا منها. خصوصاً أنّ النظام يُصِرُّ على إخضاع السوريين لما يسمّيه خدمة العلم والخدمة الاحتياطية، في جيشه النظامي، لمواصلة حربه الطائفية وتغطية حروب إيران على الأراضي السورية.
يتجاهل الجانب اللبناني في خطته المعلنة أنّ النظام يواصل ممارسة أنواع القمع والإرهاب على الشعب السوري في دمشق ودرعا والسويداء
كيف يمكن “عدم ربط عودة النازحين بالعملية السياسية في سوريا”، بينما تواجه خطة الحكومة إشكاليّة إعادة الإعمار التي لا يمكن أن تجري بدون إتمام التسوية؟ وهل يمكن إعادة مئات آلاف اللاّجئين إلى المدن والبلدات المدمّرة من دون إعداد البنية التحتية ومستلزمات الحياة الأساسية؟ إلاّ إذا كان المقصود استكمال التغيير الديمغرافي (الطائفي والمذهبي) من خلال نقلهم وتوطينهم في مناطق غير مناطقهم، وبـ”استحداث مراكز إيواء مؤقتة”. والمعلوم أنّ إعادة الإعمار تحتاج سنوات طويلة، خصوصاً أن الأزمة السورية لم تجد بعد أفق حلّ للخروج من نفق القتل والتدمير الذي يعتمده النظام.
السؤال المهمّ في هذا الخصوص هو التالي: ما الذي يمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم إذا كان النظام مستعداً لاستقبالهم، وإذا كانت لدى أغلبيتهم الرغبة بهذه العودة؟ فأين تكمن المشكلة، ولماذا لا يبادرون بالعودة التلقائيّة، ولماذا يحتاج الأمر إلى تنسيق مع النظام إذا كانت الأمور بهذه البساطة؟
تتضمنّ خطة الحكومة جانباً يحمل عقوباتٍ جائرة منها: “العمل على التنفيذ الفوري للأحكام القضائية القاضية بالإخراج من البلاد والصادرة بحقّ المحكومين السوريين، بجرائم مرتبطة بالإرهاب”، مع التوقف عند تعريف “الإرهاب” من قبل النظام السوري والقضاء اللبناني الذي بات يعتبر قتال النظام إرهاباً.
وكذلك اعتبار كلّ لاجئ متخلّف عن التسجيل الجديد للاجئين “خطراً على الأمن والسلامة العامين”، وتطبّق بشأنه جميع الإجراءات والتدابير المنصوص عنها في قانون “الدخول الى لبنان والإقامة فيه والخروج منه”. في تجاهلٍ واضح للمخاوف والأسباب التي تدفع شريحة من اللاجئين إلى التردُّد في زيارة مراكز التسجيل مع انكشاف انحياز السلطة اللبنانية إلى النظام السوري.
ما الذي يمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم إذا كان النظام مستعداً لاستقبالهم، وإذا كانت لدى أغلبيتهم الرغبة بهذه العودة؟
تضمّنت ورقة الحكومة بنداً يدعو إلى “التنسيق مع السلطات والإدارات المعنية من أجل إعادة تصنيف النازحين وسحب بطاقة النزوح من النازح المتنقّل بحرية بين البلدين”. وهذه النقطة تكشف تواطؤ السلطة وتمييزها في هذا الملف. فآلاف السوريين المؤيّدين للنظام يتحرّكون عبر الحدود دخولاً وخروجاً منذ سنوات، وينتحلون صفة النازحين، فيستفيدون من المساعدات ومن العمل، وهم كتلة تأييد ضخمة للنظام أظهرت نفسها في الزحف إلى السفارة السورية خلال الاستفتاءات “الانتخابية” وهي باقية ويُمنع التعرّض لها.
احتوت ورقة الحكومة بنداً يدعو إلى “تفعيل رقابة الدولة على عمل المنظمات الدولية في ما خصّ النازحين وكافة نشاطاتها ومشاريعها وطرق تمويلها (..)”، وهذا يعكس إرادة “وضع اليد” على عمل هذه الجهات لإدخاله في منظومة التحكّم السلطوية المشبوهة. تماماً كما كان الحال في وزارة التربية التي قام وزيرها السابق إلياس بوصعب بإنشاء “وحدة إدارة ومتابعة التعليم الشامل” وعيّن على رأسها صونيا خوري لتنكشف، لاحقاً إحدى أكبر عمليات التزوير في تاريخ الوزارة، تضمّنت زيادة وهمية لـ 15 ألف طالب عن الأعداد الفعلية الملتحقة بالدوام، بحسب تحقيق استقصائي نشر مؤخّراً على قناة “الجديد” من إعداد الزميل رياض قبيسي.
يواجه الحكم اللبناني إشكالاتٍ مستجدّة أبرزها قانون قيصر الذي يفرض قيوداً على علاقات سوريا الخارجية، ما يمنع الحكومة اللبنانية من التنسيق مع النظام السوري، بعد تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي قال إنّ بلاده ملتزمة “مساعدة لبنان على تحمّل عبء النازحين السوريين على أراضيه”.. ما يعني أيضاً أنّ الوقت ليس مناسباً لعودة هؤلاء إلى ديارهم.
سيضيف الرئيس عون مؤتمراً جديداً إلى سلسلة مؤتمراته التي يدأب على عقدها وسط مظاهر التفخيم المبالغ فيه، لينتهي كما انتهت سابقاته ويصبح خبراً في الأرشيف، يتضمّن خططاً مكلفة وفواتير باهظة لتوفير الصورة البرّاقة والأعلام الخفّاقة، بينما الشعب يعاني سكرات الانهيار والسقوط الصامت والنازحون عالقون في قبضة المتاجرة بقضيتهم.