في معلومات خاصّة ومتقاطعة لـ”أساس”، يبدو أنّ الجانب الكويتي رفض زيارة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي كموفد رئاسي لبناني، فكانت التسوية أن يكون الموفد هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وهو خبر كان سيؤدّي إلى فرط أوّل حبة في عنقود الحكومة لولا تدخّلات واتصالات تسارعت، لاسيما في دوائر قصر بعبدا، لاحتواء غضب الوزير حتّي. وجرت تهدئة الخواطر بزيارة المدير العام للأمن العام قصر بسترس بعد عودته من الكويت، لاحتواء غضب الوزير حتّي واعتراضه.
إقرأ أيضاً: الغرب يسمح بنجدة لبنان بحدود: أوّل الغيث قطر.. وليونة أميركية
فهل تنتهي القصة عند هذا الحدّ؟
هذه الأزمة الحكومية الصامتة مردّها إلى سياسة إقفال الأبواب أمام أيّ تواصل بين الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، وبين الحكومة بشخص رئيسها حسان دياب والوزراء الجالسين على طاولة السرايا الكبير. وهي انفجرت في 12 تموز، بعد توجّه اللواء ابراهيم إلى الكويت “موفداً رئاسياً” حاملاً رسالة من رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.
ماذا في التفاصيل؟
في معلومات “أساس” أنّ حتّي اعترض على عدم تكليفه بالمهمة، معتبراً ذلك تجاوزاً لدوره كرئيس للديبلوماسية اللبنانية في القيام بالمهمات الخارجية. فكيف الحال وأنّ تجاهل موقعه جاء في زيارة مهمّة كزيارة الكويت التي تمثّل دولة خليجية أساسية تأتي في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية؟ وكذلك فعل، ولو بهدوء، الوزير دميانوس قطّار.
لم يكتفِ الوزير حتّي بتسجيل اعتراضه على عدم تكليفه بالمهمة الرئاسية فحسب. بل ذهب إلى حدّ التلويح بتقديم استقالته التي لو تمّت لكانت أوّل ثقب في زورق الحكومة الحالية، الذي يكاد يغرق في بحر الأزمات التي تتلاطم البلاد.
وقد جرى اتصال بين دوائر القصر الجمهوري وبين دوائر الديوان الأميري في الكويت (وتردّد أنّ الاتصال تمّ بين الرئيس عون وبين الأمير الصباح) تحضيراً لزيارة موفد رئاسي لبناني إلى الكويت. وأهمية هذه الزيارة تكمن في تخصيصها من أجل طلب مساعدة الكويت للبنان في أصعب الظروف التي يمرّ بها. وعندما وصل البحث في الاتصال إلى الشخصية التي سيتمّ تكليفها، ظهر اعتراض على قيام وزير في حكومة الرئيس دياب بهذه المهمة ،سواء أكان وزير الخارجية أم سواه.
ماذا تعني هذه الوقائع شكلاً ومضموناً؟
في قراءة أوساط سياسية على صلة وثيقة بعلاقات لبنان العربية، أنّه وبعد مضيّ أكثر من نصف عام على وصول الدكتور دياب إلى السراي، لا يزال يعيش في عزلة شبه كاملة عن العالم العربي. ما جعله عاجزاً عن القيام بأيّ زيارة مهمّة في المنطقة. وإذا كان تقليدياً أن تكون الزيارة الأولى إلى المملكة العربية السعودية، كما فعل العماد ميشال عون عندما وصل إلى رئاسة الجمهورية في خريف عام 2016، فمن باب تحصيل الحاصل أن يقوم بهذه الزيارة رئيس مجلس الوزراء لدى تبوّئه منصب الرئاسة الثالثة التي تمثّل الطائفة السنيّة في تركيبة حكم لبنان.
لم يكتفِ الوزير حتّي بتسجيل اعتراضه على عدم تكليفه بالمهمة الرئاسية فحسب. بل ذهب إلى حدّ التلويح بتقديم استقالته
تعيد الأوساط إلى الأذهان كيف حفلت الأسابيع التي تلت نيل الحكومة الثقة بأنباء تحدّثت عن اقتراب قيام الرئيس دياب بزيارة المملكة، ليتبيّن أنّها مجرّد تكهّنات طواها بعد ذلك النسيان. ومن باب المفارقات التي أظهرتها عزلة الحكومة عن العالم العربي، أنّ رئيسها فاخر في سيرته الذاتية التي تجاوزت المئة صفحة والتي جرى تعميمها مباشرة بعد تكليف صاحبها مهمّة تشكيل الحكومة، بأنّه صاحب إنجاز تربوي في سلطنة عمان عندما جرى انتدابه إلى السلطنة من الجامعة الأميركية في بيروت، ليكون من العام 2004 ولغاية العام 2006 الرئيس المؤسس في جامعة ظفار في مسقط. لكنّه لم يقم بزيارة لسلطنة عمان سواء في إطار تقليدي يرافق تبوّؤ مسؤول منصبه للمرّة الأولى هذه السنة، أو في إطار استثنائي سنح بوفاة السلطان قابوس بن سعيد في 11 كانون الثاني الماضي ووصول السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد.
تتعدّد التفسيرات حول حالة عزلة الحكومة اللبنانية العربية، وأهمها أنّ الولايات المتحدة الأميركية، كما يعتقد “حزب الله” بقوة، هي التي تفرض هذه العزلة انطلاقاً من أنّ الحكومة مصنّفة “حكومة حزب الله”. والأخير مصنّف أميركياً وغربياً بأنّه منظمة إرهابية. لكنّ هذا التفسير الذي لا يمكن دحضه، يتجاهل أداء رئيس الحكومة نفسه الذي لم يقدّم برهاناً ولو شكلياً على تميّزه عن “حزب الله”. وفي مراجعة سريعة لهذا الأداء، يتبيّن بوضوح أنّ هناك تماهياً بين الرئيس دياب وبين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة. وكم تكرّرت المناسبات التي يطلّ فيها نصرالله بطلب إلى الحكومة فتسارع الأخيرة في اليوم التالي لتلبيته. وهذا ما ظهر جلياً عندما صنفّت ألمانيا الحزب منظمة إرهابية، وأيضاً عندما اعترض نصرالله على أداء اليونيفيل. وفي هذه الحالة، كيف يمكن للعالم العربي أن يتعامل مع مسؤول لبناني متماهٍ إلى هذا الحدّ مع منظمة مثيرة للجدل في المنطقة والعالم؟
أكثر من نصف عام على وصول الدكتور دياب إلى السراي، لا يزال يعيش في عزلة شبه كاملة عن العالم العربي
ما يتصل باعتراض وزير الخارجية على تجاوزه في زيارة الكويت له ما يبرّره. لاسيما أنّ الوزير حتّي لم يصل إلى رأس الهرم في الديبلوماسية اللبنانية إلا بعد رحلة طويلة من العمل في هذا المضمار، بلغت ذروتها بتعيين حتّي رئيساً لبعثة جامعة الدول العربية في فرنسا على مدى 13 عاماً بدءاً من العام 2000، وهو منصب فتح له أبواب علاقات واسعة النطاق في العالم الغربي. وفي التعليقات الفورية التي أدلى بها أصدقاء وزير الخارجية عندما بلغ مكتبه في قصر بسترس، أنه سيعطي المنصب أكثر مما سيأخذ منه بفضل تاريخ عمله الديبلوماسي. لكنّ هذه التعليقات لم تعمّر طويلاً، إذ تبيّن أنّ الوزير حتّي ليس فقط لم يأخذ من منصبه الوزاري شيئاً فحسب، بل إنّ الوزارة أخذت منه رصيده الشخصي في عالم الديبلوماسية، فصار محروماً من زيارة الأقطار العربية التي كان ذات يوم مندوباً لجامعتها.
ويبقى هناك كلام عن الأدوار التي يقوم بها اللواء إبراهيم. فهو أثبت أنّه ممثّل للدولة وليس للحكم والحكومة اللذين يغرقان في عزلة قاتلة. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، قام المدير العام للأمن العام بسلسلة زيارات مهمة شملت قطر والعراق والكويت والأردن ليتابع ملفات ليست من اختصاصه، لاسيما ما يتعلّق بالمشتقات النفطية.
فهل صار بحكم المؤكد أنّ الحكومة باتت في خبر كان، وبات اللواء الشيعي هو ممثّل الدولة في ملفات الداخل والخارج؟