بعد العرض التاريخي عن نادي الرياضي في الحلقتين السابقتين من هذا التقرير، لا يبدو هذا النادي اليوم في أحسن أحواله. فالحياة غائبة عن قاعة صائب سلام في المنارة. صمت رهيب يلفّ أرجاء الملعب والمدرّجات. وكرة السلة وجماهيرها في اشتياق كبير لاستقبال الكرات البرتقالية التي كانت تهزّ شباكها، فتلهب حجرات الآلاف من عشاق اللعبة، وتهزّ أركان الملعب الذي شهد باستمرار أفراحاً واحتفالات ومهرجانات رياضية، بعكس حاله الدراماتيكي اليوم.
إقرأ أيضاً: الرياضي(2/3): رفع رأس البيارتة عالياً
وحده جودت شاكر، أو “حارس القلعة الصفراء”، يرفض أن يبارح بيته الثاني. تراه جالساً على كرسيه وسط الحديقة الخلفية للقاعة المطلّة على النادي العسكري وكورنيش المنارة، يترقّب الوضع وينتظر فرجاً “لن يتأخر” برأيه.
بحرقة واضحة يقول شاكر لـ”أساس” إنّ “تاريخ النادي لم يعرف أياماً عصيبة كهذه الأيام. حاضرنا مأساوي. ومستقبلنا مجهول. اللاعبون لا يتقاضون رواتبهم. والنشاط ممنوع في ملاعب النادي. ولا نملك أيّ خيار سوى الانتظار”.
وعندما يسترجع شاكر شريط ذكريات والبطولات، يشدّد كثيراً على دور الجمهور المؤثر في ما حقّقه النادي من الإنجازات. في المقابل، لا ينكر الدور الكبير الذي لعبه أنطوان الشويري في نهضة اللعبة وانتشارها الواسع خلال تسعينات القرن الماضي. برأيه أنّ الرجل كان خارق الذكاء وقوي الإرادة، إذ اشترى رخصة نادي الحكمة عام 1994 حين كان في عداد الدرجة الثانية. وحوّله بوقت قياسي إلى رقم صعب في المعادلة المحلية والعربية والآسيوية، مستفيداً من علاقاته الواسعة وخصوصاً بالمؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI.
همّ النادي حالياً هو المحافظة على لاعبيه، بحسب شاكر، الذي يعتبر أنّ ما بعد الكورونا لن يكون كما قبلها خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية
يرفض شاكر أن يصف الشويري بـ”الخصم” في الصراع الرياضي الطاحن بوجه نادي الرياضي خلال حقبة التسعينات الذهبية: “تنافسنا في الملاعب والمكاتب، ونشبت حروب رياضية بيننا. لكننا لم نقطع يوماً العلاقة ببعضنا البعض. بل استمرّ التواصل بين إدارتي الرياضي والحكمة برغم كلّ شيء”..
يعتبر شاكر أنّ كرة السلة اللبنانية عرفت عزّها ومجدها بين عامي 1995 و2004 في عهد الشويري، رافضاً اتهام ناديه بالطائفية أو المذهبية، مذكّراً بتعيين بولس بشارة ثم جو فوغل وجان عبد النور ككابتن للفريق في عزّ أزمات البلد وانقساماته، لافتاً أيضاً إلى أنّ المدرّبين الذي أشرفوا على الرياضي، كانوا من مختلف الطوائف كغسان سركيس، ورزق الله زلعوم، وفؤاد أبو شقرا، مشيراً إلى أنّ الرياضي عرف مع الأخير حقبة ذهبية انطلقت منذ عام 2005 حين خاض هو شخصياً – بدعم من نادر الحريري – مفاوضات ماراتونية مع أبو شقرا، أفضت إلى انتقال الأخير مع أعضاء من فريق الشانفيل إلى الرياضي لينضمّوا إلى لاعبين آخرين لا يقلّون شأناً كانوا مع الفريق، مثل فادي الخطيب، ومحمد ابراهيم، وغالب رضا، وحسين توبة، وعلي فخر الدين. في حين جاء من “الشانفيل” طوني ماديسون، وإسماعيل أحمد، وجو فوغل، وعلي محمود، ليتحوّل الرياضي إلى كوكبة هائلة من النجوم فرضت هيمنتها محلياَ وخارجياً.
استمرّت هذه الحقبة نحو 7 سنوات، فضّل بعدها أبو شقرا أن يخوض تجربة جديدة مع الحكمة، بالتزامن مع إطلالة شبح الأزمة المالية الذي بدأ يقضّ مضاجع الرياضي بسبب تراجع الدعم المالي من آل الحريري. ورغم ذلك لم يتأثّر الرياضي كثيراً، بل حافظ على هيمنته على بطولة لبنان، قبل ارتكاب الإدارة خطأً اعتبره “استراتيجياً” بالتخلّي عن اسماعيل أحمد وفادي الخطيب. إذ استغنى عنهما الرياضي لصالح فريق “الهومنتمن”، الذي نجح معهما في وضع حدّ لسيطرة الرياضي على لقب بطولة لبنان لكرة السلة.
همّ النادي حالياً هو المحافظة على لاعبيه، بحسب شاكر، الذي يعتبر أنّ ما بعد الكورونا لن يكون كما قبلها خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية وحالة الطوارىء التي فرضت شللاً على نشاط أكاديميات النادي للسلة وكرة المضرب وكرة القدم والجمباز وكرة الطاولة والتيكواندو، والتي كانت تؤمّن بدورها مدخولاً جيداً للنادي.
شاكر يرى في قرار الاتحاد منع التعاقد مع لاعبين أجانب لثلاث سنوات أثراً جيّداً بالنسبة إلى اللاعب اللبناني. لكن في المقابل “سنواجه أزمة أخرى لا تقلّ شأناً تتمثّل في غياب النقل التلفزيوني”.
ورغم قلقه، لا يبدي شاكر خوفاً على الرياضي: “لهذا النادي ربّ يحميه. صمدنا 80 عاماً. وواجهتنا مشاكل وتحدّيات كثيراً. ولم نستسلم. واليوم على الجميع أنّ يتوحّد في مواجهة الأزمة الحالية. فللاتحاد دوره وللأندية أيضاً. والأخيرة تحتاج لدعم من وزارة الشباب والرياضي، لتكمل مسيرتها، وتستعيد لعبة لكرة السلة في لبنان ازدهارها”.