انهار التفاؤل باستمرار انخفاض سعر صرف الدولار صباح يوم الإثنين، بعد أجواء إيجابية سادت منذ يوم الجمعة نهاية الأسبوع الفائت، وأدّت إلى هبوط سعر الصرف ما يقارب 3 آلاف ليرة في غضون 72 ساعة.
فالدولار سجل في ساعات الصباح الأولى من مطلع الأسبوع أمس، سعر صرف بدأ من عتبة 7000 للمبيع و7500 ليرة للشراء، ثم عاد وارتفع خلال النهار، ليبلع 8000 ليرة، مع امتناع بعض الصرّافين في بيروت عن بيعه، متوقّعين أن يعاود ارتفاعه مجدداً فيربحون أكثر إذا انتظروا قليلاً قبل الشروع في البيع.
إقرأ أيضاً: 5 شروط لصندوق النقد لمساعدة لبنان
هناك خمسة أسباب أدّت إلى انخفاض سعر الصرف في الأيام الفائتة، بعضها سياسي، فيما بعضها الآخر نقدي يخصّ السوق.
أوّل هذه الأسباب كان الإيحاء باقتراب انخفاض سعر الصرف، على تطبيقات الهواتف الذكية التي روّجت لهذا الخبر. فبلغت الأسعار على هذه التطبيقات نهاية الأسبوع الفائت أرقاماً لم يشهدها السوق الفعلي. أضف إلى ذلك أخباراً متداولة عبر مجموعات “واتساب” لم تهدأ، أخذت تروّج لأسعار متدنية.
هذا الأمر أثّر في قلوب حَمَلة الدولار الضعيفة، فتهافتوا على البيع في السوق السوداء غير الشرعية، حتى خلال أيام نهاية الأسبوع وفي يوم الأحد خصوصاً، خوفاً من أن يصحوا يوم الإثنين على سعرٍ متدنٍ. وهذه هي الخطة التي قضت بدفع هؤلاء إلى التخلي عن بعض دولاراتهم أو كلّها، طمعاً بكسب المزيد من الليرات، وبدافع الخوف.
أجواء إيجابية عن “ليونة أميركية” قد تسمح بمساعدة لبنان ضمن حدود معيّنة
السبب الثاني والأهم الذي دفع إلى نجاح خطة المضاربين و”صائدي الدولارات” أو الأحرى “لصوص الدولارات”، يكمن في زيارتي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الوزير جبران باسيل في دارته الأسبوع الفائت، والكلام الذي رشح عن “تفاهمات” بين الطرفين وكلام عن تراجع في سعر الصرف قد يدفعه إلى حدود 4 آلاف ليرة.
أما السبب الثالث فهو إعلان مصرف لبنان عن البدء في تسليم تجّار ومستوردي سلع “السلّة الغذائية”، دولارات مدعومة على سعر 3900 ليرة، من خلال المصارف. هذا القرار خفّف طلب هؤلاء التجّار لدولار الصرّافين، وأدى بالتالي إلى انخفاض طبيعي في حجم الطلب، مقابل العرض.
السبب الرابع هو ترافق هذا القرار مع أجواء إيجابية عن “ليونة أميركية” قد تسمح بمساعدة لبنان ضمن حدود معيّنة. ترجمت هذه الأخبار من خلال حراك المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم صوب كلّ من قطر وعمّان والكويت، مروراً ببوادر انفتاح عراقي مستجد تمثّل بإرسال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وفداً وزارياً إلى بيروت لبحث أفق التعاون بين البلدين.
أما السبب الخامس فيتعلق بإعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي وبداية عودة أعداد من المغتربين اللبنانيين. صحيح أنّ المطار فتح مدرّجاته قبل أسبوعين، إلا أنّه ساعد المغتربين على وقف تحويل أموال إلى ذويهم عبر شركات تحويل الأموال التي تأكل نصف قيمة هذه الدولارات، بسعر صرف 3850 ليرة بدلاً من الدولار أو من سعره في السوق السوداء. وأخذ مغتربون يرسلون أموالاً مع العائدين، ما زاد من نسبة الدولارات المعروضة على الصرّافين أيضاً.
مرة جديدة تمكّنت “السوق السوداء” بصرّافيها الشرعيين وغير الشرعيين، من تجيير التطورات السياسية في صالح “لصوص الدولار” وتجّار أزمته
صباح الاثنين، تبخّر التفاؤل واستُهلّ الصرف على سعر 7000/7500 ليرة بدلاً من سعر افتراضي تراوح بين 5800 و6200، ثم ارتفع مجدّدا ظهراً، ليبلغ مساء أمس 8000/9000 ليرة، مع صدور تحذيرات من “صندوق النقد الدولي” حول خطورة عدم التوافق لبنانياً على توحيد أرقام الخسائر بين الحكومة اللبنانية من جهة ولجنة المال والموازنة ومصرف لبنان والمصارف من جهة أخرى. خلافات لبنانية – لبنانية ستؤدي، بحسب الصندوق، إلى “زيادة تكلفة الأزمة بتأجيل التعافي”. يضاف إلى هذا كلّه أيضاً الخيبة التي لاحت بوادرها حول نتائج زيارة اللواء عباس ابراهيم إلى الكويت. فقد رشح أنّ دوائر القرار الكويتي قد وعدت “بمتابعة الملفات” التي طرحها ابراهيم، ونفت في الوقت نفسه أن تكون الاجتماعات أفضت الى قرارات فورية.
إذاً، مرة جديدة تمكّنت “السوق السوداء” بصرّافيها الشرعيين وغير الشرعيين، من تجيير التطوّرات السياسية في صالح “لصوص الدولار” وتجّار أزمته، إذ أوهموا المواطن اللبناني ببوادر مزيّفة لانفراجات كاذبة، من أجل الانقضاض على دولاراته، مستفيدين من ضيق السوق (من 5 إلى 10% من حجم السوق) ومن قدرتهم السريعة على التأثير فيه عبر الحيل الخمسة المذكورة أعلاه.
مصدر صيرفي في بيروت توقع أن يستمرّ الارتفاع طوال هذا الأسبوع، من دون أن يستبعد ملامسة الـ10 آلاف ليرة مجدّداً خلال الأيام المقبلة… لنعود إلى حيث كنّا قبل أسبوع، قبل أوهام الانفراج السياسي وسراب المساعدات المنتظرة… عسى أن يتعلّم المواطنون وأن يحفظوا دروس حيل الصرّافين ولصوص الدولار.