سارع الكثيرون إلى استسهال اتهام موقع “أساس” بأنّه يعمد إلى تشويه صورة طرابلس وتصويرها على أنّها مدينة مسكونة بالإرهاب. ومن خلال الواقع وتصفّح ما ينشره الموقع، يتأكّد أنه منافٍ ومُجافٍ للحقيقة. فعلى المستوى الشخصي لا أعتقد أنّ باستطاعة أحد الطعن فيما أكتبه، وغيري من الزملاء، دفاعاً عن مدينةٍ نعيش ونحمل كلّ يومٍ مآسيها وقضاياها، ونفرض احترامنا لما قدّمناه ونقدّمه من تصدٍّ لكلِّ ما يسيء إليها.
إقرأ أيضاً: بالوقائع والأسماء: هكذا تحضّر تركيا لـ”احتلال” طرابلس
نشرَ “أساس” مقالاتٍ وتحقيقات عن المظالم التي تعانيها طرابلس على جميع المستويات، واتسمت بالمهنية والانحياز لحقوق المدينة وبسقفٍ مرتفع من المعالجة المتضامنة مع المدينة تجاه الواقع السيء الذي لا تقع مسؤوليته في النهاية على الإعلام، بقدر ما يتحمّل السّاسة مسؤولية ما وصلت إليه الفيحاء من تدهورٍ وتراجع.
كنّا نتمنى عند نشر هذه المقالات المناصرة لطرابلس وقضاياها، أن تثير اهتمام المتنطّحين للحملة على “أساس” اليوم، لكن الواضح أنّه حتّى بعض من يعتبرون أنفسهم “نُخباً” لم يكلّفوا أنفسهم عناء التحقّق والتقييم الموضوعي للمقال ذي الصلة، ولمجمل ما ينشره الموقع.
مشكلتنا في “أساس” أنّ بعض من وضعوا أنفسهم في خانة الخصوم والوصاية على السنّة وعلى طرابلس، فقدوا الأساس في منطلقاتهم ومواقفهم فباتوا يخبطون خبط عشواء
ما شهدناه من حملة ظالمة على “أساس” هو أسلوب الناقمين العاجزين عن المبادرة، المولعين بالنّدب والتهجّم الهائج بدون هدى، والمستسهلين لإلقاء الاتهامات وتفريغ شحنات النقمة في المكان الأسهل، وهو ساحة الإعلام، بدل البحث في أصل القضية والإشكالية المطروحة.
لم يخرج المقال عما يتداول به الرأي العام من إشكالات، وعن ما يُكتب ويُثار بشأن الدور التركي في طرابلس. وبغضّ النظر عن صواب أو عدم صواب ما جاء في المقال، فإنّ الردود كان ينبغي أن تكون في إطار أدب الخطاب وتفنيد الأفكار وتوضيح الوقائع، وليس باستخدام لغة خشبية تعود لأزمنة السيطرة الأمنية على العقول والأفكار، والقذف باتهامات التخوين العبثية التي لا تغيّر من الواقع شيئاً. فالردّ على أيّ مقال يكون بالاعتراض على المعلومة والفكرة، وليس عبر التهجّم والاتهام.
مشكلتنا في “أساس” أنّ بعض من وضعوا أنفسهم في خانة الخصوم والوصاية على السنّة وعلى طرابلس، فقدوا الأساس في منطلقاتهم ومواقفهم فباتوا يخبطون خبط عشواء، مكتفين باستخدام الانفعالات وتجييش الغرائز، فيسقط عندهم التوازن ويغيب التعقّل، وهذا شأن الكثيرين ممن اختاروا هذه اللغة البائسة التي لا توصل إلى شيء.
الجميع مدعوون إلى معالجة الموقف في طرابلس من منطلق البحث عن الحقيقة وكشف كلّ ما يجري من أدوار، بإيجابياتها وسلبياتها. فالخوف، بل الرعب من احتمال تكرار المشهد السوريّ في لبنان لا يمكن استبعادُه، واللاعبون في المسرح السوري، بكلّ أطيافهم، لم ينقذوا شعب سوريا الذي توزع بين شهيد وشريد وطريد.. وهذا ما يجب التعمّق في كيفية تجنّبه، مع احترامنا لتركيا وللرئيس رجب طيب أردوغان، ومع عتبنا على تقصير من ينتقدون الدور التركي. فالمدينة متروكة، لم تنجدها تركيا ولم يغثها العرب. فكفى اصطفافاً تافهاً على أوهامٍ، بينما المدينة تغرق في الفقر والإذلال والظلام.
أخيراً، وعلى المستوى السياسي، فإنّ ما نرجوه اليوم وندعو إليه هو رمي كلّ الخلافات جانباً والتلاقي على كلمة ومبادرةٍ سواء، إسلامياً ووطنياً، تجمع الصفّ وتوحّد الثوابت وتوقف الصراع داخل الصفّ الواحد، فالتحديات الآتية أخطر من أن تتفرّق دروبُنا بينما الأخطار الوجودية تطرق الأبواب.