اغتصاب الطفل السوري: لماذا “البورنو” مرجعاً وحيداً لثقافتنا الجنسية؟

مدة القراءة 5 د


لم يجرؤ أحد على الأمل بأنّ مغتصبي الطفل “محمد ح.” (13 سنة) في بلدة سحمر البقاعية، وعددهم ثمانية، سيلقون عقابهم. فليس الطفل وحده، بل كلّ إنسان يعيش في لبنان، قيمته بخسة جدًّا، والعدالة استثناء. فداحة هذه الجريمة لم تجنِ سوى توقيف أحد المرتكبين، والاعتراف – وهو تفصيل غير هامشي – بأنّ هذا الاعتداء تكرّر على مدى سنتين.

إقرأ أيضاً: عنف.. تعذيب وذبح في أغاني الأطفال!

ومهلأ، ماذا يعني أيضًا أن يباهي المغتصبون بجريمتهم، وينقلوها على فيديو انتشر على مواقع التواصل؟

يتزامن هذا الفيديو، مع خبر مفاده بأنّ موقع Pornhub، وهو المنصّة العالمية الأهم في تصدير أفلام البورنو، ينشر فيديوهات لاغتصاب أطفال قاصرين، أثارت غضب مستخدمي الإنترنت. راح هؤلاء يطالبون بتعطيل الموقع، من خلال عريضة إلكترونية بعنوان Trafficking Hub “موقع الاتجار” بالقاصرين، تجاوزت المليون توقيعاً.

 

تقليد أفلام البورنو

بداية، من الخطأ تحييد نزعة الشرّ والاختلال النفسي والاخلاقي للمرتكبين – بل هي عوامل جوهرية ألحقت هذا الأذى البليغ بالطفل. من جهة أخرى، تظهر الأفلام الإباحية كمحفّز، ومغذٍّ لهذه السلوكيات، وخصوصًا في غياب “المورد” الجنسي العلمي البديل في لبنان، حيث الثقافة الجنسية تخنقها التابوهات، يطلّ عليها الشباب من كوّة الأفلام الإباحية فقط. وهي مواد تنتشر كالنار في الهشيم، عبر أدوات الإنترنت التي تسمح بالوصول إلى محتوى إباحي غير مضبوط على جميع المستويات.

الاعتقاد بأنّ العالم العربي، هو الأعلى مشاهدة للفيديوهات الإباحية، هو أمر عارٍ عن الصحة

وتزامن انتشار فيديو الطفل الضحية، مع استمرار ترويج فيديوهات قاصرين، ما يوحى لوهلة بأنّ الجريمة استنساخ لفيلم. كأنّها قصّ/لصق.

السؤال، الآن، يتشكّل بحذر وجدّية: ما إمكانية تأثّر الشباب لما يشاهدونه في الأفلام الاباحية؟

الجواب أفاد به جرّاح الأعصاب الأميركي دونالد هيلتون، في إطار مؤتمر حول “تداعيات الأفلام الإباحية في دماغ الشباب”، انعقد في روما عام 2017، إذ قال نقلًا عن وكالة فرانس برس: “تتغيّر الخلايا الدماغية في ظلّ اكتساب المعارف. ويضرّ التعلّم في حالة من الإدمان بالدماغ كثيرًا، فنصبح متمسكين ببعض أنماط السلوك”، وأضاف: “باتت المواد الإباحية تدمّر القدرة على الإحساس بمشاعر مختلفة”. وأشار إلى أنّ “بعض الرجال في نهاية المطاف، يفضّلون الإباحية على العلاقات الجنسية الفعلية، باعتبارها أكثر إثارة وعنفاً”.

جواب آخر عملي وساخن، صدر منذ أيام عن محكمة “مستأنف الطفل” في الجيزة – مصر، في إطار قضية اغتصاب مروعة فارقت على إثرها الحياة الطفلة أميرة، ابنة العشر سنوات. إذ اعترف المغتصبان بأنّهما اعتادا مشاهدة الافلام الإباحية عبر الانترنت،  فخططا لاستدراج الطفلة والتعدّي عليها جنسياً لتقليد ما يشاهدانه.

 

 فضح المتحرش

هذا والاعتقاد بأنّ العالم العربي، هو الأعلى مشاهدة للفيديوهات الإباحية، هو أمر عارٍ عن الصحة.  ففي تقريره عام 2019، يبرز موقع Pornhub أن لا دولة عربية  تندرج ضمن الدول العشرين الأكثر مشاهدة، فيما تتصدّر الولايات المتحدة المرتبة الأولى. ومؤخراً، أفادت شبكة “أورونيوز”، بزيادة نسبة الدخول للمواقع الإباحية 11,6% خلال فترة الحجر، يتقدّمها المستخدمون في إسبانيا وايطاليا وفرنسا.

تستمرّ المنظومة التعليمية في لبنان بالغرق في هواجس أخلاقية تنفيها منظمة الأونيسكو

لكن أوروبا وأميركا التي “تستهلك” بشراهة الجنس الافتراضي، تمتلك بدائل تعلّمتها في المدارس، ورفعت المحاظير المجتمعية في التطرّق إلى أسئلة الجنس. ولا تتردّد ضحايا التحرّش والاغتصاب في فضح المرتكب، بخلاف لبنان والمجتمعات العربية التي تخاف وصمة العار والعيب.

فلو علّمنا الطفل محمد ما هو التحرّش، وعلّمناه رفض هذا التحرّش، وعلّمناه عدم التردّد في فضح التحرّش، لما استمرّ مغتصبوه في جريمتهم طوال سنتين.

 

التربية الجنسية

يراوح لبنان مكانه في الثقافة الجنسية. والتنقيب عن عبارة “التربية الجنسية” كمادة مستقلة ضمن المنهاج الرسمي اللبناني، عملية مضنية وعقيمة.

أما بعد تحديث المناهج عام 1998، تطلّ عبارة “الثقافة الصحية” التي أوصت بإدخال التربية الجنسية في بعض المواد وليس كمادّة مستقلّة. وفي بحث عميق بتفاصيل المنهاج التربوي اللبناني، نقرأ: “نُسفت التربية الجنسية من مادة العلوم في المناهج التربوية اللبنانية، لتعود في صيغة مموّهة، ومضحكة تحت اسم: التربية السكانية من منظور اجتماعي، وهي تتطرّق فقط لطرق تحديد النسل والوقاية من الإيدز. وهو موضوع متفرّع من محاور كبيرة تلجأ المدارس اللبنانية لنسفها، سواء هي إسلامية أو تابعة للرهبنات أو تابعة للدولة.  والصدمة الأخرى تظهر في البعثات العلمانية الفرنسية، التي يفترض أن تلتزم المنهج الفرنسي، لكنها ألغت التربية الجنسية.  

وتستمرّ المنظومة التعليمية في لبنان بالغرق في هواجس أخلاقية تنفيها منظمة الأونيسكو. فقد أظهر تقرير الأونيسكو عام 2016، أنّ “التوعية الجنسانية داخل المدارس أو خارجها لا يزيد النشاط الجنسي أو السلوك الجنسي الخطير”. وليس ذلك فحسب، بل وجد أنّ “لهذه التوعية آثارًا إيجابية فورية في المعرفة، بما فيها معرفة حقوق الشخص ضمن علاقة جنسية، وفي السلوكيات، بما فيها تحسين التواصل مع الأبوين فيما يخصّ الجنس، وفعالية شخصية في السيطرة على المواقف التي قد تحمل خطراً”.

ما يدعو للتفاؤل هو أنّ الحوار حول التربية الجنسية تقدّم في تونس. فقد قرّرت الحكومة إدراجها كمادة تعليمية ضمن منهج العام المقبل، موجّهة للأطفال بين 5 و15 عامًا. و فيما يحتفظ الجنس بسجاليته في الأوساط التربوية اللبنانية، تفتح صناعة البورنو بابًا وحيدًا وخطيرًا في تشكيل الجنس، ربما لن يكون الطفل محمد آخر ضحاياه، ومغتصبوه لن يكونوا آخر الجلّادين الطلقاء.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…